هل هو جس نبض لردود فعل الشعب الجزيري والأمة!؟ الداعية السعودي أحمد الغامدي يتحدث لقناة عبرية عن التطبيع!
[عبد العزيز المكي]
على الرغم مما يروج له الإعلام الأمريكي والبريطاني وبعض الإعلام العربي حول أن الضغوط الأمريكية المكثفة على بن سلمان لإعلان التطبيع مع العدو الصهيوني وعقد صفقه معه في هذا المجال، لم تؤد إلى إعلان هذه الصفقة لأن أمريكا والعدو رفضا شروط بن سلمان عن هذا الإعلان رسمياً، وهي بناء مفاعل نووي" للأغراض السلمية" والتعهد بحماية السعودية في إطار حلف يرقى الى مستوى حلف أمريكا مع الناتو، وتزويد السعودية بالأسلحة بدون الرجوع وطلب الإذن والموافقة من الكونغرس الأمريكي.
نقول على الرغم من الترويج الإعلامي لهذا الأمر، إلا أن عملية التطبيع تجري على قدم وساق في مملكة بن سلمان على الصعد العسكرية والأمنية والسياحية والسياسية والثقافية.. وما إلى ذلك، وفي مقالات سابقة سلطنا بعض الأضواء على الموضوع، وكنا قد اشرنا إلى أن بن سلمان أجرى تغييراً في المجال الثقافي يكاد يكون انقلاباً هائلا بالسماح بإقامة الحفلات المختلطة وبتغيير المناهج في كل المراحل الدراسية وإزالة الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود ومكرهم وكرههم للرسول (ص)، وللمسلمين ودسائسهم ضد الإسلام... وبتغيير المصطلحات، ذلك فضلا عن تطور التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية، حتى ان جهاز المخابرات السعودي استعان بعناصر الموساد الإسرائيلي في التحقيق مع بعض سجناء الرأي وفي ملاحقة بعض المعارضين، أو في قتلهم واختطافهم، كما حصل لجمال خاشقجي صديق المؤسسة السعودية الحاكمة والمشوق لسياساتهم على مدى اكثر من 40 سنة!!
على ان العدو الصهيوني، وكما يصرح مسؤولوه وخبراؤه، ما يهمهم اكثر هو اختراق المؤسسة الدينية في السعودية، بل في كل دولة يطبعون معها كما حدث مع مصر، ذلك لأن كل مجالات التعاون التطبيعية تبقى عرضة لعدم الاستقرار والدوام إذا لم تحظى بتأييد المؤسسة الدينية السعودية، فتبقى هذه المؤسسة تشكل خطراً على التطبيع إذا لم تقف إلى جانبه بحكم النفوذ الذي تمتتع به داخل بعض شرائح المجتمع، فهذه الشرائح تستمد مواقفها من مواقف هذه المؤسسة، وبالتالي فأن هذه الأخيرة لها تأثير كبير على تحرك تلك الشرائح في السكوت أو المعارضة لهذا التطبيع مع العدو!
هذا اولاً: وثانياً: لأن المؤسسة الدينية السعودية لها تأثير كبير على النسيج الاجتماعي في المملكة كما أشرنا، فأن العدو يركز عليها لأنها يمكن أن تساعده على تسويق نفسه داخل المجتمع، وكما قال نتنياهو وقبله المقبور بيريز، ان ما يهم" إسرائيل" هو التطبيع مع الشعوب، فبحسب رأي نتنياهو إذا احرزوا هذا النوع من التطبيع فسوف يؤمن لهم تحقيق ما يطمحون إليه من تغيير قواعد المجتمعات الإسلامية ثقافياً ونفسياً وبالتالي انتاج بيئة في الدول المطبعة مناسبة وموائمة لطروحات العدو الرامية الى تغيير هوية هذه الأمة وثقافتها وصولاً الى الهيمنة عليها " واستحمارها" واستغلال ثرواتها!! ولعل تجربة التطبيع مع مصر شكلت درساً للعدو، فرغم مرور اكثر من 40 سنة على التطبيع مع مصر لم يستطيع العدو اختراق مبادئ الشعب المصري في رفض هذا العدو وضرورة تحرير الأرض الفلسطينية من براثن احتلاله لأن المؤسسة الدينية في مصر ظلت ملتزمة بالحد الأدنى من المواقف المبدئية مع العدو، ولذلك يحاول الأخير العمل مبكراً على المؤسسة الدينية السعودية لضمان تطبيع مع المملكة يحقق طموحاته!!
و ثالثاً: كما اشرنا فيما تقدم، ان العدو اعتبر التطبيع الديني مع السعودية محورياً في تحركاته ومساعيه التطبيعية مع الرياض، نطراً كما هو معروف، ان للسعودية ثقلا اسلامياً باحتضانها الحرمين الشريفين، بيت الله الحرام، وقبر الرسول (ص) ومسجده، ولذلك فأن استمالة المؤسسة الدينية السعودية للتطبيع مع العدو سوف تفتح له آفاق رحبة في ربوع العالم الإسلامي، فهناك الكثير من الدول الاسلامية من يعتبر السعودية ( زعيمه العالم السني الإسلامي)، وهي القدوة بالنسبة لها! هكذا يعتقد الصهاينة، ولقد أشار مراراً وتكراراً إلى هذا التصور المسؤولون الصهاينة أو بعضهم ومنهم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو نفسه... ولكن الأهم من ذلك هو أن العدو يطمح لإشعال حرب مذهبية بين السنة والشيعة وقد سعى لها فعلاً بكل ما أوتي من نفوذ ومن محاولات خبيثة ومن توظيف للنفوذ وللقوة الأمريكيين، وللعملاء في المنطقة لإشعالها بل وحتى سخر لها علماء دين من المحسوبين على المؤسسة الوهابية لإصدار الفتيا بقتل الشيعة وانتهاك حرماتهم وسبي نسائهم، وهو ما تابعناه في العراق حيث وصلت الأمور إلى نقطة حرجة في عامي 2006 و2007، لولا حكمة قيادات وعلماء أهل العراق كما سبق وأشرنا إلى ذلك.. فالعدو بعد هذا الفشل لم ييأس وإنما يسعى بل ضاعف مساعيه لتوفير الظرف المناسب لإشعال هذه الحرب حيث يعتقد ان استقطاب المؤسسة الدينية الوهابية السعودية، سيساعده كثيراً في إشعال هذه الحرب وبالتالي استنزاف طاقات الأمة والقضاء على مقاومتها، ذلك لأن للوهابية موقف معروف من الشيعة وبقية المذاهب السنية الأخرى وبالتالي من السهولة بمكان تجنيد هذه المؤسسة في اطار هذا المسعى!! وعلى خلفية هذه الأهداف وغيرها من الأهداف الأخرى، سعى العدو إلى التمهيد إلى التطبيع الديني مع السعودية بإرسال وفود الحاخامات الى الرياض واستقبالهم من قبل علماء بارزين في المؤسسة الدينية السعودية، حيث ساهمت هذه اللقاءات في تسويق العدو الصهيوني وشرعنة التطبيع معه، وساهمت أيضاً في عملية تدجين الأمة وإقناعها بقبول كل أشكال التعاون مع هذا العدو الغاصب للأرض العربية والإسلامية فلسطين.
4- من جهته بن سلمان الحاكم الفعلي في السعودية حرص هو الآخر وبكل ما يمتلك من امكانات ومن خبرات مخابراتية قدمتها له أمريكا وبريطانيا والعدو الصهيوني نفسه لتدجين هذه المؤسسة وإجبارها على القبول بالتطبيع مع العدو والوقوف معه في اقناع الشعب الجزيري وكل الشعوب الإسلامية بهذه الخطوة!! ولذلك بدأ بن سلمان باكراً في عملية التدجين، متبعاً الخطوات التالية معها:
1- كسر هيبة ونفوذ المؤسسة الوهابية وهيمنتها على المجتمع في المملكة السعودية، وذلك بإلغاء أو تهميش عمل " هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" عبر لافتة الانفتاح ومغادرة " التحجر الديني الوهابي"، وأتبع بن سلمان هذه الخطوة، بإقامة الحفلات المختلطة وبالسماح بالسفور ونزع الحجاب تحت مسميات الحريات ومنحها، وأيضاً تحت مسميات" الترفيه بالنسبة للاحتفالات التي استدعي الى بعضها كبار الفنانين من بلاد الغرب ومن أمريكا وما إليها!
2- ملاحقة كل رجال الدين والمفكرين والكتاب السعوديين الذين يعتقد بن سلمان إنهم سوف يعارضون سياساته سيما الانفتاح العلني على العدو الصهيوني لقمع هؤلاء وإرعاب الآخرين على طريقة " اياك أعني واسمعي يا جارة"و قد شهدت حملة الاعتقالات تلك ذورتها في عام 2017، حيث استهدفت علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وغيرهم بلغ عددهم أكثر من 70 شخصاً بحسب ما ذكره موقع "مواطنون بلا حدود" التابع للمعارضة السعودية، على شبكة الانترنت. وذلك بتهم التخابر مع قطر- أيام الحصار على قطر- وبتهم الفساد والاختلاس، ودعم الإرهاب وما إليها، ومن أبرز هؤلاء الدعاة ، هم، سلمان العودة ويتميز بالجرأة، اعتقل بتهمة مباركته في تغريده بقرب انفراج الأزمة بين السعودية وقطر، بعد مخابرة بين ولي العهد السعودي بن سلمان وبين تميم بن حمد أمير قطر!! والداعية عوض القرني بتهمة تغريده له " مثيرة للرأي العام وترابُط المجتمع في قيادته ومؤثرة على علاقات المملكة مع دول أخرى"!! وعلى العمري وهو داعية إسلامي ورئيس جامعة مكة المكرمة المفتوحة. والداعية محمد موسى الشريف وهو طيار وأستاذ جامعي وكاتب وباحث في التأريخ الإسلامي ومتخصص في القرآن والسنة. واحمد بن عبد الرحمن الصويان رئيس مجلس إدارة مجلة البيان ورئيس رابطة الصحافة الإسلامية. والإمام إدريس أبكر ، ويعد من أشهر قراء المملكة السعودية. قد نال هذا القمع حتى الذين وقفوا معه، واثنوا على اليهود أو تبرير التطبيع معهم بمنعهم من السفر أو ما شابه! مثل العريفي وغيرهما...
أما بقية أعضاء المؤسسة الدينية الوهابية والمرعوبين من قمع بن سلمان فهم ظلوا رهن الإشارة وطوعوا الدين، وحتى غيروا بعض أفكار الوهابية لخدمة سياسات بن سلمان، لاسيما في تغيير المناهج والمصطلحات والانفتاح على العدو ولذلك بين الحين والآخر يطل علينا أحدهم ليقوم بخطوة تطبيعية مع العدو، وذلك لتدجين الأمة، ولشرعنة وتبرير عملية التطبيع مع العدو، وتسويق هذا الأخير كما أشرنا على المجتمع الرافض لهذا الغازي المحتل... وآخر من أطل علينا من هؤلاء وليس أخيرهم هو " الداعية" السعودي المدير العام الأسبق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة أحمد بن قاسم الغامدي، وحالياً هو مستشار مركز علوم القرآن والسنة، أطل علينا هذا الغامدي من قناة " كان" العبرية متحدثاً مخاطباً أبناء الأمة، وبغض النظر عما قاله أنتم القراء تعرفون أبعاد ودلالات الإطلالة من قناة إعلامية صهيونية، ولعالم دين، نفسياً ودينياً واجتماعياً وعلى أصعدة كثيرة اخرى.. ومن تصريحاته للقناة انه " سخّف" الموقف الديني من التطبيع مع العدو وهو تحريم هذا التطبيع، اذ قال" أن النظرة الشرعية التي تعارض المصالحة لن يكون لها تأثير على استقرار المنطقة"! ولم ينكر أن هناك من بعض الأوساط الدينية السعودية من يؤيد التطبيع مع العدو وهو منهم بدليل ظهوره على القناة، إذ نقل رئيس قسم شؤون العالم العربي في القناة روعي كيس، عن الغامدي قوله إنه " في الأوساط الدينية في الدولة (السعودية) التي تدعم المصالحة مع " إسرائيل" يعتقدون ان أي اتفاق تطبيع مع " إسرائيل" يجب أن يتضمن استجابة لمطالب الفلسطينيين" وكما هو معروف أن إثارة المطالب الفلسطينية هي للاستهلاك المحلي، وسقطت من شروط بن سلمان للتطبيع مع العدو!! إذن الغامدي أول رجل دين يجري حواراً مع قناة صهيونية حول مشروعية التطبيع في اغسطس 2023! وكان الغامدي قد قال في ابريل 2023، التطبيع مع " إسرائيل" ليس خيانة للدين" و" إسرائيل" دولة طبيعية تعيش في هذه المنطقة"! وقد سبق الغامدي عبد العزيز الريس ومحمد العيسى، وعبد اللطيف آل الشيخ، والعيسى كان قد وصف الصهاينة بانهم إخوته وزار معسكر" أوشفيتز" ببولندا وصلى على ضحايا الهولوكوست، وصرح بضرورة التطبيع مع العدو، وكلفه بن سلمان في موسم الحج الماضي بإلقاء خطبة عرفة وأمّ أكثر من مليون مسلم!! سوق في خطبته التطبيع مع العدو!! كما كان قد استقبل ورحب بعدد من رجال الدين اليهود الصهاينة في السعودية!! ومن الجدير الإشارة إلى أن مواقف العيسى هذا أعجبت الصهاينة لدرجة دفعت الناطق باسم الجيش الصهيوني أفيخاي أدرعي لأن يغرد على صلاة العيسى في معسكر أوشفيتز قائلاً" هذا هو الإسلام الحقيقي رجل الدين السعودي محمد العيسى وبعثته يصلون لذكرى ضحايا الهولوكوست اليهود في معسكر أوشيفتز"!!
على أن خطوة وفعل الغامدي تعتبر الاكثر استفزازاً للأمة وتحدياً لمشاعرها وقيمها، إذا لم تقم الأمة بردود فعل غاضبة واستنكار واسع، فأن علماء الوهابية سيقدمون في المستقبل على خطوات تطبيعية أكثر واشد استفزازية وتحدث للأمة بك تأكيد.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق