هل يكفي النفي السعودي بعدم المشاركة في العدوان الصهيوني على ميناء الحديدة اليمني!؟
[عبد العزيز المكي]
كما تابعتم وسمعتم، نفت وزارة الدفاع السعودية استخدام الطائرات الإسرائيلية للأجواء السعودية في غارتها على ميناء الحديدة اليمني يوم ٢٠٢٤/٧/٢٠.
وقال المتحدث باسم الوزارة العميد تركي المالكي .. "إن المملكة ليس لها أي علاقة أو مشاركة باستهداف الحديدة، كما أنها لن تسمح باختراق أجوائها. من أي جهة كانت ... على حد زعمه .. وجاء النفي السعودي بعد ساعات من العدوان الصهيوني والذي استهدف منشآت مدنية و نفطية وغازية وصهاريج مملوءة بالنفط والغاز تعود لتجار يمنيين بالإضافة إلى محطة كهرباء واشعل النيران فيها ! رداً كما ادعى النظام الصهيوني على قصف أنصار الله تل أبيب بمسيرة يافا، بعد اختراقها لكل أنظمة المضادات الجوية الأمريكية والبريطانية والصهيونية لاسيما الأخيرة المتعددة الطبقات ما اعتبره المراقبون والخبراء تطوراً عسكريا وتاريخياً، وبدء مرحلة جديدة في المواجهة بين العدو وأنصار الله ... النفي السعودي، كما قلنا، جاء بعد ساعات من العدوان الصهيوني على الحديدة، ورداً على إدعاء العدو الصهيوني بالتنسيق مع السعودية ومع مصر والولايات المتحدة قبل بدء العملية، وهذا ما كشفته اذاعة جيش الاحتلال، بأن العدو الصهيوني ابلغ السعودية مسبقاً بالهجوم على الحديدة اليمنية، وان الطائرات عبرت أجواءها - السعودية - وصولاً إلى قصف الأهداف.
وأكدت الإذاعة الرسمية الأحد (٧/٢٤) على لسان مراسلها للشؤون العسكرية دورون كادوش أن " الطائرات الإسرائيلية المقاتلة مرت عبر المجال الجوي السعودي في جزء كبير من مسار رحلتها وقبل يوم من هذا التاريخ ، أي ٧/٢٣) ، كانت صحيفة يدعوت احرونوت العبرية، قد قالت، إن جيش الاحتلال، نسق مع السعودية من أجل تنفيذ ضرباته في اليمن، وان الهجوم اشتمل على التزود بالوقود في الجو بطائرات "رام" بسبب المسافة الكبيرة إلى جانب التحليق على ارتفاعات منخفضة في طريقها إلى اليمن .
واللافت، أنه حتى الولايات المتحدة سارعت معلنة أنها لم تشارك في هذا العدوان، وان "إسرائيل"قامت بهذه العملية بمفردها، كما اعلن عدد من المسؤولين الأمريكيين ووسائل الإعلام الأمريكية مثل شبكة فوكس نيوز، وصحيفة النيويورك تايمز وغيرهما !! الأمر الذي يعكس الهلع والخوف من ردود فعل أنصار الله باستهداف السعودية أو القواعد الأمريكية، لأنهم كانوا قد أعلنوا استهداف کل من يقدم التسهيلات والدعم للعدو الصهيوني .. ولكن هل فعلاً أن النظام السعودي نأى بنفسه عن المشاركة في هذا العدوان، ولم يقدم أي خدمة للعدو؟ المعطيات الميدانية والشواهد تؤكد أن هذا النظام قدم الخدمة اللازمة أو ما هو مطلوب منه لانجاز العملية العدوانية على اليمن التي قامت بها الطائرات الصهيونية، ومن تلك المعطيات ما يلي:
1-على أن الطائرات "الإسرائيلية" لا مناص حتى تصل إلى أهدافها في الحديدة من اختراق الأجواء السعودية أو المصرية أو السودانية، ولأن الأجواء السعودية تعتبر من حيث المسافة أقصر من المصرية أو السودانية لذلك فهذه الطائرات عبرت الأجواء السعودية وذهبت إلى اليمن .. وإلى ذلك فإن القواعد العسكرية الامريكية من حيث الانتشار والفعالية وتزويد الطائرات الصهيونية بالوقود هي الأكثر من ناحية العدد وتوفير الحماية مقارنة بتلك المتواجدة في مصر والسودان الذي يشهد حربا أهلية نتيجة لتدخل الإمارات والسعودية وعبثهما باستقرار هذا البلد خدمة لأمريكا وللكيان الصهيوني .. وفي هذا السياق يقول الباحث الفلسطيني في الشأن السياسي والاستراتيجي، سعيد زياد، في سلسلة تغريدات على منصة إكس رصدتها بعض المواقع الالكترونية اليمنية: "لو لم تفتح دول عربية مجالها الجوي لإسرائيل لما قصفت اليمن..ولبقيت إسرائيل حبيسة كـ "علبة سردين .
وأضاف زياد معلقاً على قصف العدو للمنشآت المدنية قائلاً: إن "العدو تعمد في القصف على اليمن استهداف منشآت مدنية اتساقاً مع فلسفته، في جميع حروبه، التي تقضي باستهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة ومعاقبة المجتمع، والانتقام من الناس، لعلمه المسبق أن ضرباته العسكرية لن تأتي أكلها ..
وأضاف "قمة الجبن أن توظف وحشاً بحجم اف35 للقتل لا للقتال ، ولاستهداف المدنيين لا العسكريين" في إشارة إلى أن العدو استخدم 25 طائرى من طراز اف 35 الشبح ضد الحديدة ! وأيضا اتهم كتاب مصريون ثلاث دول عربية بينها السعودية بالتواطئ مع العدوان الصهيوني على اليمين وقال مؤكداً .. "ثلاث دول عربية تحتاج أن تصرح لنا ما إذا كان العدوان على دولة اليمن تم عبر مجالهم الجوي أم لا، مصر، الأردن، وشبه الجزيرة، حتى وان كانوا متواطئين من الأول على غزة، هذا تواطئ جديد على دولة عربية أخرى"..
2- إن العدوان الصهيوني على الحديدة جاء في ظروف ووقت كان تشهد فيه الأجواء بين السعودية وأنصار الله توتراً وتصعيداً كلاميا بالتهديد والوعيد من كلا الطرفين لبعضهما بعد اتهام أنصار الله للنظام السعودي بالرضوخ للضغوط والإملاءات الأمريكية بالتورط في تصعيد جديد للحرب مع الحوثيين، لأن الأمريكان قاموا بممارسة المزيد من الضغوط على النظام السعودي للتخلي عن الاتفاق الذي توصل إليه مع أنصار الله لإنهاء العدوان، والتصعيد مع الأمريكان الذين يريدون شن حرب برية وجوية وبحرية عسكرية واقتصادي على أنصار الله للتعويض عن هزيمتهم البحرية المدوية أمام الأنصار .. في تلك الأجواء التصعيدية بين الطرفين جاء هذا العدوان، ولذلك لاحظنا وسائل الإعلام السعودية بدت منتشية ومتشفية بما حصل في الحديدة، ولم تدن العدوان الأمر الذي يؤكد التواطئ والرضى !! ففي هذا السياق أعلنت المملكة السعودية، أن الغارات الإسرائيلية على اليمن "بداية ردع عسكري ثلاثي" لجماعة الحوثي يستمر لأيام لا لساعات بمشاركة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، ونقلت قناتا العربية والحدث السعوديتين عن مسؤول أمريكي قوله إن الضربة على الحديدة مشتركة بين أمريكا وبريطانيا وإسرائيل .. !! ونقلت القناتان أيضاً متبنيتان وجهة النظر الصهيونية ومروجتان للرسائل التي يريد العدو إيصالها إلى من يهمه الأمر، نقلتا عن مسؤول صهيوني قوله: "إن غارات الحديدة نفذت بالتنسيق مع أمريكا والتحالف الدولي، كما أوضح أن ميناء الحديدة أصبح بنية تحتية عسكرية للحوثيين، على حد قوله وادعائه ! أكثر من ذلك أن المحلل السياسي الكويتي فهد الشليمي المقرب من السعودية كان قد علق على العدوان الصهيوني على الحديدة شامتاً، ومحملاً قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي مسؤولية ما يتعرض له اليمن حيث شن هجوماً بذيئاً على السيد عبد الملك الحوثي !! مبرراً العدوان الصهيوني على الحديدة !! بقوله "اليوم عبد الملك الحوثي يتسبب في إغلاق أكبر مصدر بحري لدخول البضائع إلى صنعاء والمحافظات التي "يحتلها" على حد قوله.
وأضاف هذا الغبي المروج للجبن والخضوع للهيمنة الأمريكية الصهيونية قائلاً: ضربوا شقة في تل أبيب وردت إسرائيل بتدمير ميناء الحديدة، مستخفًا بالعملية اليمنية التي وقف لها كل الخبراء العسكريين بما فيهم الخبراء والعسكريين الصهاينة أنفسهم إجلالاً واعترافاً بضخامة وخطورة تداعياتها وآثارها الاستراتيجية على العدو وعلى المنطقة برمتها..
لم يقف الشليمي عند هذا الحد بل تنبأ مؤكداً أنه في تمام ((الساعة الواحدة و25 دقيقة في صنعاء ستكون هناك ضربة إسرائيلية في قلب صنعاء، تستهدف خزانات وقود، وقاعدة الديلمي، ومطار صنعاء، هذا الذي راح يصير ))على حد زعمه، إذ يقدم خدمة مجانية للعدو بشن الحرب النفسية على اليمن، محاولاً تصوير هذا العدو على انه قوة جبارة هائلة، وكأن هذه القوة لم تهزم في غزة شر هزيمة، ولم تهان بضرب أنصار الله عاصمة هذا الكيان وكسر هيبته ! وفي ذات السياق وتأكيداً لما تقدم امتنع مرتزقة السعودية والإمارات من إصدار بیان يدين العدوان الصهيوني على محافظة الحديدة حيث رفض نائب رئيس ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي العميد الركن طارق عفاش إصدار المجلس أي بيان يدين العدوان الصهيوني على محافظة الحديدة اليمنية!! وذكر مصدر موالي لما يسمى بالشرعية.. أن طارق عفاش أصر على عدم ايلاء الموضوع أي اهتمام !! ويقول المصدر انه نتيجة هذا الإصرار وبعد تردد تمت صياغة بيان يدين أنصار الله، ويتهمهم بوضع اليمن رهينة لإيران" !! مع لوم خفيف على العدوان الصهيوني !! وهؤلاء المرتزقة كما يؤكد الكثير من اليمنيين من الخبراء والسياسيين لا ينطقون من عندياتهم بل من وحي النظامين السعودي والإماراتي !!
3- انه طيلة العدوان الصهيوني على غزة وقفت السعودية والإمارات والأردن إلى جانب العدو، فهذه الدول تحولت إلى جسر لنقل البضائع إلى العدو عبر الأراضي السعودية والأردنية بعد ما فرض أنصار الله حظراً بحرياً على السفن التي ترسو في المواني الفلسطينية، أي الصهيونية، واعترف الصهاينة أنفسهم ومنهم وزيرة النقل البحري في زيارتها للهند قبل أشهر حيث أكدت "إن أصدقائنا في المنطقة الإمارات والسعودية والأردن، كسروا الحظر الذي فرضه أنصار الله علينا !! بنقل ما نحتاجه من البضائع والأجهزة الكهربائية !! أكثر من ذلك أن هذه الدول ساهمت في حماية العدو من المسيرات والصواريخ الإيرانية خلال الهجوم الإيراني الواسع النطاق على العدو رداً على قصفه القنصلية الإيرانية في دمشق..
إذن من باب أولى أن تقدم الدولة السعودية الخدمة والتسهيلات للعدو، سيما وأنها في حالة حرب مع أنصار الله، وأن تشهد هذه الحرب حالة من السكون !
أما لماذا سارعت السعودية ومعها امريكا الى اعلان النأي بانفسهم عن العدوان الصهيوني على اليمن فذلك يعود الى اسباب نذكر منها :
1- إن ضرب أنصار الله تل أبيب بمسيرة يافا يعد تطوراً استراتيجياً هائلا بإجماع أغلب خبراء المنطقة والعالم، أفرز هذا التطور وسيفرز تداعيات جمة على العدو والمنطقة، فقد كشف هشاشة منظومات أمريكا والعدو المتطورة المضادة للجو، وكشف ضعف العدو الصهيوني، ثم قدرة أنصار الله على تطوير أسلحتهم بهذه السرعة الفائقة، وهذا وغيره ما شكل رسالة أو مجموعة رسائل عالية النبرة مفادها أن الزمن الذي كان فيه العدو يعبث بالمنطقة دون عقاب أو رد قد ولى.. وان ما يسمى بمعادلة الردع التي كان يتمترس وراءها ويركب المذابح قد انتهت وتحطمت إلى غير رجعة.
2- إن هذه الضربة كسرت هيبة العدو ولأول مرة فتحت أبواب الاحتمالات على مصاريعها حول قرب نهاية الاحتلال الصهيوني وهذا ما أقر الصهاينة أنفسهم به فقد اعترفت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية أن ضرب تل أبيب شكل صدمة للجيش ولوزارة الدفاع، كما أوضح مسؤول صهيوني لصحيفة كالكاليست أن العملية خلطت الأوراق وصدمت المؤسسة الدفاعية وان "إسرائيل" دخلت في عصر لم تعد فيه آمنة من جهته قال القائد السابق لنظام الدفاع الجوي في جيش العدو زفيكا ها يموفيتش، أشار إلى فشل الجيش والقوات الجوية في صد المسيرة اليمنية والى الرعب الذي يعيشه الكيان بعد العملية متساءلاً: "ماذا لو انفجرت الطائرة على منشأة استراتيجية أو في أحد مباني هيئة الأركان العامة ووزارة الحرب في تل أبيب" ؟ كما اعتبر مسؤول صهيوني آخر أن عملية يافا هي 7 أكتوبر الدفاع الجوي الإسرائيلي واستطراداً انتقد المحلل العسكري الصهيوني د. أمير بوحبوط الجيش وتحدث عن فشله وعن خطورة العملية الفائقة على مستقبل الكيان الصهيوني مشيراً بشكل ضمني إلى تراجع القوة "الإسرائيلية" وتآكلها وتطور قوة محور المقاومة . هذا وتمحورت بقية التعليقات الصهيونية حول أن العدو وكيانه باتا غير آمنين وانه أصبح عرضة للهجوم والانقضاض عليه في أية لحظة.
3 - إن العملية التي ضربت قلب الكيان الصهيوني كانت رسالة واضحة العبارات والمعاني أن الولايات المتحدة عاجزة عن حماية ربيبتها "إسرائيل" ، بل إنها سارعت إلى نفي مشاركتها في العملية كما مر بنا خوفاً من تصعيد انتقام أنصار الله منها لأنها خائفة وجربت بأسهم الذي حطم حاملة طائراتها وسفنها الحربية، كما أن العملية كشفت أن العدو غير قادر على حماية نفسه من محور المقاومة، فكيف يراد له أن يحمي السعودية وبقية عملائه في المنطقة !؟ السعودية بالتأكيد قرأت جيدا هذه الرسائل وبدون شك ستفكر كثيراً بتداعياتها وآثارها، لتختار الطريق الأصلح لها وللمنطقة ولعل المسارعة في النأي عن المشاركة في العدوان أولى المؤشرات، ونأمل أن يستمر هذا التعاطي مع الأحداث أما غير ذلك، فإنه مهلكة وكارثة لا سمح الله بذلك .
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق