هوامش على برنامج قناة "الجزيرة" ما خفي أعظم
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكيعندما كنا نقول إن القاعدة وداعش وكل جماعات الإرهاب التكفيرية هي نتاج الفكر والمدارس الوهابية التكفيرية السعودية، ونتاج التعاون بين السعودية وبعض أنظمة الخليج العربية الأخرى والولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتدمير البلدان العربية والإسلامية..نُتهم بأننا نتحدث بمنطق "المؤامرة"، وبأننا مدفوعون بأيدلوجيات وأفكار معروفة التخندقات، وما إلى ذلك من الاتهامات..ذلك رغم أننا نقدم بعض الشهادات والأدلة على كيفية نشوء هذه الجماعات، وكيفية إعدادها وتمويلها وتسليحها وقيادتها للقيام بكل ما قامت به من قتل وترويع وتشريد وتدمير، وتشويه للإسلام، سواء في العراق أو في سوريا وليبيا، ومازالت هذه الجماعات تمارس هذه الأدوار في ليبيا وسوريا واليمن، و..وبرعاية وحماية وتمويل ذات الأطراف التي نشأتها ورعتها ومولتها.. وفيما مازالت هذه الأطراف تنكر ذلك بل وتعتبر نفسها ضحية إرهاب هذه الجماعات، بل وبوقاحة وصلف أكثر، تهتم هذه الأطراف أطرافاً أخرى بإيجاد ودعم هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية!! فأن البرنامج الوثائقي الذي ثبته قناة الجزيرة القطرية مؤخراً تحت عنوان " ما خفي أعظم" يقدم دلائل وإثباتات إضافية على دور النظام السعودي وحليفه البحريني والولايات المتحدة، على رعاية جماعات التكفير والاستثمار فيها حتى اللحظة، فالبرنامج المذكور قدم في حلقته " اللاعبون بالنار" معلومات من العيار الثقيل عن تجنيد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة لعناصر من تنظيم القاعدة، للقيام بعمليات الاغتيالات ضد المعارضين البحرينيين، وللقيام أيضاً بمهمات إرهابية ضد دول مجاورة، وعمليات تجسس، وإثارة فتنة طائفية في البحرين وما إلى ذلك..وقدم البرنامج تسجيلات سرية مصورة وموثقة، تكشف حقائق في غاية الأهمية، ووفقاً لما كشفه البرنامج فقدتم تجنيد عنصرين من أبرز الوجوه التي إرتبطت بتنظيم القاعدة في البحرين وهما محمد صالح، وهشام هلال البلوشي، لتنفيذ اغتيالات في صفوف المعارضة البحرينية، ويعود تاريخ هذه التسجيلات السرية إلى تموز 2011م، حيث كان الشارع البحريني يشهد حراكاً ثورياً شعبياً..".وبحسب شهادات هذين العنصرين، فأنهما قاما بتسجيل وتوثيق مباحثاتهما مع الأمن الوطني البحريني لعدم ثقتها فيه.
ويشرح صالح، كيفية اتصال جهاز الأمن الوطني البحريني، في تموز2011، وفي منزله بطلب منه، حيث قام ضابطان من هذا الجهاز بتقديم طلبات وبتوجيهات من ملك البحرين شخصياً، كمجاهدين في تنظيم القاعدة" بكبح جماح المعارضة الشيعية! وتابع محمد صالح قائلاً " حدث اتصال آخر معي من جانبهم- ضباط جهاز الأمن الوطني البحريني الحكومي- وقالا إن مسؤولاً بارزاً سيزورني في منزلي برفقتهما وبالفعل حضر الضباط الثلاثة وجلسوا معي واخبروني أنهم يريدون التحدث معي على أساس وجود أخطار تهدد أهل السنة في البحرين، وأنا كأحد المجاهدين من تنظيم القاعدة نستطيع كبح هذا الموضوع" وأوضح صالح.." إن الضباط الثلاثة طلبوا مني تنفيذ سلسلة اغتيالات في صفوف المعارضة البحرينية، وذلك بتوجيهات مباشرة من العامل البحريني، وأول طرف طلب التخلص منه هو عبد الوهاب حسين الذي كان يطالب بملكية دستورية، ورموز أخرى" وأشار صالح إلى " أن الضباط الثلاثة وعدوه بترتيب خطة الاغتيالات مع عناوين المطلوبين وتحركاتهم ومواقعهم .."!!
وقدم البرنامج شهادات أخرى حول توظيف واستثمار النظام البحريني لعناصر تنظيم القاعدة في إطار تحركاته الأمنية والإقليمية بالتعاون مع النظام السعودي، سوف نتطرق إلى بعض هذه الشهادات، في ثنايا الموضوع كلما دعت الحاجة.. وبدون شك أن هذه الشهادات والاعترافات، إن صح التعبير، تشير إلى جملة أمور، نذكر منها يلي:-
1ـ كما أشرنا في بداية الحديث فأن تنظيم القاعدة، وداعش وبقية الجماعات التكفيرية، التي نشأت وترعرت على الفكر الوهابي السعودي، ما هي إلا أدوات ضاربة بيد أنظمة السعودية والبحرين والإمارات، وبيد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لتحقيق وتنفيذ أهداف متعددة منها، تصفية المعارضة الداخلية لهذه الأنظمة، كما حصل في البحرين، ويحصل في السعودية وفي اليمن حالياً، حيث يتلقى التكفيريون من تنظيم القاعدة وداعش الدعم حالياً من كل من السعودية والإمارات! وقد أشرنا قبل قليل إلى اعترافات أحد المنتمين إلى تنظيم القاعدة (محمد صالح) وكيف كلفه جهاز الأمن الوطني البحريني، وبطلب شخصياً من حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، بقتل المعارضين البحرينيين، كما عرض، في السياق ذاته، برنامج " ما خفي اعظم" لقناة الجزيرة، ولأول مرة، شهادة الضابط ياسر الجلاهمة، الذي أوكلت إليه الحكومة البحرينية مهمة قيادة القوة التي فضت اعتصام دوار اللؤلؤة بالعاصمة المنامة في مارس عام2011م..وأكد الجلاهمة عدم وجود أسلحة في دوار اللؤلؤة بالمنامة أثناء فض الاعتصام، لكن لاحقاً عرضت صور أسلحة بعد تعمد جهات أمنية بحرينية وضعها!!
وحول ارتباط تنظيم القاعدة بالسلطات السعودية، ودور الأخيرة في توجيه واستثمار هذا التنظيم، نشير إلى شهادة لضابط المخابرات الأمريكي السابق جون كارياكو، الذي قال لقناة الجزيرة: "وجدنا في مذكرات المدعو أبو زبيدة (أحد عناصر القاعدة) أسماء ثلاث شخصيات من الأسرة الحاكمة في السعودية، وعندما اتصلت بالمسؤولين في الرياض اختفى هؤلاء ووجدوا مقتولين!!" وأوضح ضابط المخابرات الأمريكي السابق جون كارياكو قائلاً: "عندما اعتقلنا أبو زبيدة، في 22مارس2002م-وهو وفق تقرير سابق للجزيرة، كان الرجل الثالث في تنظيم القاعدة وقت اعتقاله على خلفية هجمات 11ستمبر- وجدت معه دفتر مذكرات. وبعد فحصها عثرت بها على أرقام هواتف، من ضمنها أرقام لشخصيات من الأسرة الحاكمة في السعودية، فأرسلت التفاصيل في رسالة سرية إلى مقر الاستخبارات المركزية- السي آي أي ". وأضاف هذا الضابط الأمريكي: "خلال أسابيع قليلة قتل أحد الثلاثة في حادث سيارة وسط الصحراء، والثاني ذهب للتخييم بالصحراء ومات عطشاً، والثالث اختفى ولم يره أحد بعدها"! وتابع هذا الضابط قائلاً" بالنسبة إلي فهمت أن هؤلاء كانوا يعرفون الكثير عن تورط حكومتهم السعودية في تعاملات مع القاعدة أو على الأقل تورطها في تأسيس التنظيم أو علاقتها بهجمات 11 سبتمبر 2001م. وكان يجب التخلص منهم. وهذا حال بعض الحكومات في المنطقة، حيث تخلق هذا النوع من التطرف ثم تتظاهر بعدم معرفتها به أو تتخلص منه."
2ـ أكد هذا البرنامج التحقيقي أن الذي يمارس الإرهاب بل ويمتهن صفة الإرهاب والقتل هذه الأنظمة نفسها، النظام السعودي والنظام البحريني يقفان على رأس قائمة هذه الانظمة نفسها، وذلك بدوره يؤكد زيف دأب هذه الأنظمة في إلصاق تهمة الإرهاب بمعارضيها وبالدول المجاورة التي لا تتماشى وسياساتها وسياسات ومشاريع أمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة.. وفي هذا الإطار توصل التحقيق- أي البرنامج- إلى أن " البحرين سعت إلى إلصاق تهمة الإرهاب بمعارضيها. لكن تقارير كشفت ما أرادت سلطات المنامة إخفائه، من ضمنه ما نشره صلاح البندر، المستشار السابق في الديوان البحريني". وقال البندر في شهادته "الديوان موّل قيام جماعات وأجهزة رديفة داخل الدولة بهدف العبث بالمشهد السياسي والتحشيد الطائفي السني في وجه المعارضين الشيعة". وأضاف البندر قائلاً : "تم إنشاء جهاز سري مهمته إعداد أجهزة رديفة لمؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات تعمل على الانتخابات وإعداد مخطط هيكلي لعزل الشيعة عن السنة بالكامل"!! وأوضح انه استطاع تسريب تقرير "البندر" لأنه يملك الجنسية البريطانية، مشيراً إلى أن " أهم الملفات كانت المخطط الهيكلي لعزل الشيعة عن السنة، والتمويل كان من الديوان الملكي البحريني نفسه ".
3ـ ما أفصح عنه البندر في تقريره يؤكد أن النظام البحريني وسيده السعودي هما اللذان يستخدمان سلاح الفتنة الطائفية لحماية عرشيهما من المعارضة الداخلية، ولتمزيق الأمة وللشعوب المجاورة خصوصاً من أجل إشغالها في دوامة الفوضى والاستنزاف الداخلي الذاتي لنفسها أي الأمة وبالتالي إضعافها وتمزيقها، ومنعها من تحقيق طموحاتها في الحصول على الحرية وعلى الاستقلال السياسي بتغيير هذه الأنظمة العميلة، هذا من جهة ومن جهة أخرى تمارس ومارست هذه الأنظمة سلاح الفتنة تماشياً وانسجاماً مع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وللإشارة أن هذه الأنظمة ما زالت حتى اللحظة تمارس هذا السلاح المدمر، رغم أنها تحاول اتهام الآخرين بتوظيف الفتنة الطائفية وإثارتها، غير أن هذا البرنامج القطري الموثق جاء كإضافة جديدة موثقة بالأدلة على دور هذه الأنظمة العميلة في استخدام هذا السلاح وفي الاستثمار فيه حتى الآن كما قلنا خدمة لمصالحها ومصالح أسيادها الأميركان والصهاينة، وحتى القوى الغربية أيضاً!!
وفي هذا الإطار نقل أحد المواقع الصحفية تعليقات لبعض الكتاب العرب، حول دور السعودية والبحرين في إثارة الفتنة الطائفية، يوم14تموز،2019، وذلك على خلفية هذا البرنامج والشهادات والوثائق التي قدمها في هذا المجال، حيث جاء في المقال الذي نشره هذا الموقع في ذلك التاريخ، تأكيد الباحث السياسي محمود فقعاوي قوله " إن النظام البحريني استخدم نفس أسلوب الاستعمار القديم في تمزيق العرب قديماً: من خلال تحريك التنظيمات غير المعروفة جذورها وتمويلها في تصفية معارضيها " وأضاف هذا الباحث قائلاً: " النظام البحريني وعلى رأسه الملك أرادوا جر البلاد إلى بحور من الدماء من أجل الحفاظ على الحكم والعرش، من خلال إحياء النعرات الطائفية".
ويضيف القول: " النظام البحريني أراد إحداث الفوضى الخلاقة خلال التظاهرات والربيع العربي الذي وصل إليها، ولكنه فشل بسبب عدم وجود تنسيق مع حليفته السعودية التي أراد المسؤول في القاعدة الدخول إليها والحصول على أسلحة منها".
من جهته الكاتب والباحث الموريتاني والمعروف محمد المختار الشنقيطي، قال: "كشف برنامج ما خفي أعظم بعنوان اللاعبون بالنار إنتهازية نظام البحريني، ولجوءه إلى السبل القذرة للسيطرة على شعبه بما في ذلك تجنيد أعضاء من تنظيم القاعدة. كما كشف عمق الروابط بين حكام السعودية وتنظيم القاعدة لدرجة تصفية ثلاثة من الأسرة الحاكمة بعد انكشاف دورهم في هذا المضمار". ورأى الشنقيطي في مقال له نشر مؤخراً بحسب ما يقول هذه الموقع، تعليقاً على محاولة النظام البحريني إثارة الفتنة الطائفية في البحرين: " إن اكبر تحد أمام البحرينيين هو الانشطار الطائفي، حيث إن الانسداد الذهني الناتج عن الروح الطائفية المتأصلة جعل بعض السنة والشيعة لا يتصورون مكاناً لهم تحت الشمس إلا على أشلاء الطرف الآخر".
وأضاف: "البرزخ الطائفي العميق بين البحرينيين جعل شيعتهم يعارضون السلطة، وسنتهم يحتمون بها، وقد كان في وسع الطرفين التلاقي على كلمة سواء تنصف الشيعة ولا تضار السنة".
وتابع قائلاً:"ربما يحتاج السنة في البحرين إلى إدراك أن احتمائهم بالسلطة، دون فتح قنواتهم لمواطنيهم الشيعة، إستراتيجية فاشلة على المدى البعيد، خصوصاً بعدما تفجرت الثورات الداعية إلى تغيير الهياكل الاستبدادية في كل الدول العربية، إما بهدمها من الأساس أو بتغييرها تغييراً جوهرياً ".
الناشط الفلسطيني أدهم أبو سليمة، يؤكد أن ما كشفه برنامج" ما خفي أعظم" " أثبت بوضوح أن التطرف والحرب الطائفية المذهبية تصنع على عين الأنظمة والحكومات لتنفيذ أجنداتها، في مقدمتها الحفاظ على عروش هذه الأنظمة حتى لو كان ذلك على حساب تدمير الدول وقتل الشعوب".
من الجدير هنا الإشارة إلى تقرير مجلة ناشينال إنترست الأمريكية الذي نشرته قبل أيام من برنامج قناة الجزيرة، فتحقيق الجزيرة أعطى زخماً لتقرير المذكور الذي قال " إن الإمارات استعانت بالقاعدة في اليمن ومولتها للقيام بعمليات اغتيال لصالحها. ما يعد خرقاً واضحاً للقانون الدولي يجب أن تعاقب الولايات المتحدة القائمين عليه " وفي الحقيقة أن الولايات المتحدة مشاركة في دعم وتوظيف التنظيم الإرهابي، لكن الصحفي والكاتب السياسي أنور القاسم يلفت إلى أن البرنامج "يفتح باب التدخل الإماراتي والبحريني والسعودي في اليمن الذي أسفر عن تدمير البلاد، وتهديد وحدتها، بل ويعيش شعبها أسوأ أزمة إنسانية في العالم جراء هذه الحرب، فضلاً عن سقوط آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين ".
4ـ إن البرنامج كنس كل هالات وأنسجة التضليل الإعلامي والديني التي كانت وما تزال منظومة الإعلام السعودي البحريني الإماراتي، تسوقها للرأي العام حول الإرهاب، وحول أنها"ضحية" هذا الإرهاب! وإنها مستهدفة من القاعدة وداعش وما إلى ذلك من الأكاذيب وعناوين التضليل. ولأن البرنامج كشف الحقائق للأمة عامة وللشعب البحريني خاصة، جاءت ردة فعل أركان النظام البحريني الطائفي المجرم عنيفة، الأمر الذي منح هذا البرنامج وما تضمنه من محتوى المزيد من المصداقية، وشجع الكثير من أبناء الأمة على متابعته، فوزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة قال في تغريدة له تعليقاً على البرنامج: "الدولة المارقة التي وجهت سلاحها وأموالها وإعلامها ضد مجلس التعاون ودولة باتت هي مصدر الشر والخطر داخل البيت الخليجي " في إشارة إلى قطر على حد زعمه وقوله.. وذلك، كما قلنا، يكشف شدة الغضب الذي بات يتفجر في صدور المسؤولين من آل خليفة بعد نشر فضائحهم وغسيلهم النتن وتآمرهم على شعبهم وعلى الأمة، خدمة لأميركا والصهيونية ولحكمهم الفاسد.
ارسال التعليق