"وثائق مسربة" " بن سلمان هدد أمريكا بألم اقتصادي كبير وبقطع العلاقات بين البلدين" !! هل هي حقيقة أم مجرد مزاعم مختلقة!؟
[عبد العزيز المكي]
مرة أخرى تطل علينا بعض الأوساط الأمريكية الإعلامية بأخبار وتقارير حول ان بن سلمان تمرد على الإدارة الأمريكية، وانه فعل كذا !! وفي هذا السياق نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية تقريراً نشر ترجمته العربية موقع " الخليج الجديد" في 9/6/2023، جاء فيه، ان وثائق مسربة منشورة بمنصة " ديسكورد" ان بن سلمان هدد إدارة بايدن بألم اقتصادي وبقطع العلاقات بين البلدين!! إذا أقدمت تلك الإدارة على الرد على المملكة السعودية بفرض " عواقب" على الأخيرة لقرارها تخفيض أسعار النفط.. واسهب تقرير الصحيفة في التحليل زاعماً ان إدارة بايدن وكنتيجة لتهديد بن سلمان امتنعت عن فرض العقوبات التي كأنه قد وعد بها..
على ان لا صحيفة الواشنطن بوست ولا الموقع المذكور الذي سرب تلك الوثائق، أوضحا لنا تلك الوثيقة المتضمنة للتهديد السعودي، ولا تاريخها ولا ماهيتها، سوى إشارة الصحيفة الى انه من غير الواضح اذا كان تهديد ولي العهد السعودي قد تم نقله مباشرة الى المسؤولين الأمريكيين أو من خلال التنصت الالكتروني، الأمر الذي يزيد التساؤلات وعلامات الاستفهام حول حقيقة هذه الوثائق، وحول صدقية هذا التهديد، تلك التي ترجح نظرية اختلاق مثل هذه المزاعم، سيما وان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قال " لسنا على علم بمثل هذه التهديدات من قبل السعودية" وأضاف " الولايات المتحدة تواصل التعاون مع السعودية وهي شريك مهم في المنطقة، لتعزيز مصالحنا المشتركة ورؤية منطقة اكثر أمناً واستقراراً وازدهاراً"! والى ذلك فأن وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن صرح في مؤتمر صحفي عقده في الرياض مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان في الثامن من الشهر الجاري خلال زيارته الأخيرة للسعودية قائلاَ " يمكننا معاً تحقيق تقدم حقيقي، ليس فقط لمواجهة التحديات أو الأزمات الحالية، ولكن لرسم رؤية إيجابية لمستقبلنا المشترك" على حد قوله.. ورغم ما يقال عن وجود توتر بين بن سلمان والإدارة الأمريكية فأن مسؤولي ووفود الأخيرة لم تنقطع عن الرياض فكان مستشار الأمن القومي جاك سوليفان قد قام بزيارة للسعودية، ثم تبعه مدير الوكالة المركزية للمخابرات السي آي اي، وليم بيرنز، وكبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط بريت ماكجورك، ومسؤول أمن الطاقة الكبير عاموس هوشستين، واخيراً وليس آخراً حل بلينكن ضيفاً على بن سلمان، ما يعني ان الروابط والتنسيق بين الطرفين ماضية وجارية مثلما كانت عليه في السابق... يضاف إلى ذلك لم يسجل لنا التاريخ موقفاً شاخصاً لآل سعود وقفوا فيه ضد الغطرسة الأمريكية بل دائماً كان موقفهم الإذعان وتلقي الاملاءات، حتى لو كان ضد مصالحهم ومصالح المملكة، نعم في حالة واحدة، يزعم ان الملك فيصل بن عبد العزيز اعترض لدى ضيفة وزير الخارجية آنذاك هنري كسينجر في عقد الستينات، على زيف الوعود الامريكية للملكة، فأصبح مقتولاً من ابن اخيه الذي قيل في حينها انه كأن مجنوناً !! وحالة أخرى حينما حاول بن سلمان الخروج من المستنقع اليمني خارج الرغبة الأمريكية حيث توصل الى اتفاق مع أنصار الله، كان من المقرر أن يوقع عليه الطرفان وينهيا الحرب في اليمن في عيد الفطر المبارك، لكن امريكا انزعجت من هذا الاتفاق وسارعت الى تخريبه واجبرت بن سلمان على التراجع والانقلاب على تفاهماته مع أنصار الله رغم ان الاتفاق مع أنصار الله يصب في مصلحة النظام السعودي ويحفظ له ماء وجهه من الهزيمة وتداعياتها ان استمرت الحرب.. ولذلك فأن الخط العام لسياسة النظام السعودي هو الوقوف الى جانب أمريكا وتنفيذ كل مشاريعها ومؤامراتها على المنطقة وعلى الأمة الإسلامية، منذ قيام المملكة وحتى اليوم، ولا نذهب بعيداً في عمق التأريخ إنما نكتفي بالإشارة إلى بعض مواقف النظام السعودي في العقود الأربعة الماضية، فقد وقفت السعودية إلى جانب أمريكا في الحرب التي شنها صدام المقبور ضد ايران بأمر من أمريكا، والملك عبد الله اعترف بلسانه، ان السعودية أنفقت 84 مليار دولار كمساعدات للنظام الصدامي، كما استخدمت النفط سلاحاً اقتصادياً فتاكاً ضد إيران بأمر من أمريكا لإضعاف إيران ولإلحاق الهزيمة العسكرية بها، حتى ان سعر البرميل الواحد وصل الى (7) دولارات، بينما كان 34 دولاراً في ذلك الوقت، وحينها صرح الخبير النفطي والاقتصادي اللبناني نيقولا سركيس، بأن منظمة أوبك تقاد وتسيس من قبل امريكا عبر السعودية.. وعند ما انقلبت امريكا على صدام كان للسعودية الدور الريادي في دعم العدوان الأمريكي وفي ارسال قطعان القاعدة واخواتها الى العراق وتجنّد علماء الوهابية لإصدار الفتاوى لابادة الشعب العراقي من الطائفة الشيعية ومن الطوائف الأخرى ، أما في سوريا فرئيس الوزراء وزير الخارجية السابق القطري حمد بن جاسم اعترف اكثر من مرة بأن قطر والسعودية وبأمر من أمريكا تولتا إعداد وإمداد الجماعات المسلحة التي دمرت سوريا بهدف إسقاط النظام السوري !! وفي أفغانستان كانت المخابرات السعودية قدم بقدم مع السي آي اي في دعم طالبان وصناعتها ومعها القاعدة، ومن ثم تدمير هذا البلد وإعادته الى الوراء بمسافة اكثر من مئة سنة!! أما الحرب السعودية على اليمن فقد أعلنت من واشنطن، فهي مصلحة أمريكية ووظفت فيها كل إمكانات المملكة من أجل المصلحة الأمريكية، وحينما أرادت السعودية الخروج من هذا المأزق، منعتها امريكا وإعادتها الى المربع صفر، لأن استمرار الحرب أو حالة عدم الاستقرار تخدم المشروع الأمريكي، وفي لبنان اعترف رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ايهود اولمرت، قائلاً اننا تفاجأنا بوقوف بعض الدول العربية الخليجية الى جانبنا، ذاكراً السعودية بالاسم، حيث قال ان المسؤولين السعوديين يضغطون علينا ويحثوننا على القضاء على حزب الله وذلك وفي عدوان العدو على لبنان في عام 2006م.. وهناك العشرات بل المئات من الأمثلة على ذلك نكتفي بهذا القدر لأن الفكرة باتت واضحة جداً.. وبالتالي لا يمكن القبول بمقولة تمرد بن سلمان على الإدارة الأمريكية، فهذه المقولة لا يوجد لها واقع على الأرض، سوى أنها تترد في الإعلام الأمريكي أو في بعضه بعبارة أدق. أما لماذا تقدم بعض الأوساط الإعلامية الأمريكية على إثارة مثل هذه الأجواء!؟ أتصور ان دوافع تلك الإثارة يمكن تفسيرها في إطار الاحتمالين التاليين وهما:-
1- كما هو معروف ان المؤسسات الأمريكية منقسمة في رأيها ومواقفها من طموح بن سلمان لتولي عرش المملكة بدلاً من أبيه أو في حالة وفاة الأخير، فالسي آي إي مازالت تفضل محمد بن نايف ولي العهد السابق ولحد الآن لم تحسم أمرها لصالح بن سلمان، ومعها ، جماعات من الكونغرس الأمريكي، أي من مجلس الشيوخ والنواب وأوساط أخرى في المؤسسات الأخرى، بينما وزارة الدفاع أو اوساط منها وأوساط من الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض ترى في بن سلمان الشخص المطلوب مادام ينفذ املاءات الإدارة الأمريكية ويقوم بتغيير المناهج الدراسية وبتغيير منظومة الثقافة في البلد وفق التصورات والخطط الأمريكية، لأن كل التغييرات التي تجري في السعودية سيما المناهج الدراسية يجري تغييرها تحت إشراف خبراء أمريكيين وصهاينة، اذ قطعوا شوطاً طويلاً في هذا المضمار كما توحي الأحداث التي تحصل في بلاد الحرمين الشريفين من حفلات ماجنة ورقص، وانقلاب أخلاقي وما إلى ذلك!!
ولأن المؤسسات الأمريكية لم تحسم أمرها تجاه راي موحد لصالح تولي سلمان عرش المملكة، فبعضها المعارض يثير هذه المزاعم الإعلامية، أو أنها تأتي في إطار توزيع الأدوار من أجل ابتزاز بن سلمان إلى حد العظم، وهذا أسلوب مألوف ومعروف عن الإدارات الأمريكية تجاه عملائها من الأنظمة.
2- الأرجح من ذلك هو ان تلك الاثارات تأتي في إطار التحريض ضد بن سلمان والضغط عليه من قبل اللوبي الصهيوني لدفعه نحو الموافقة على إعلان التطبيع مع العدو الصهيوني، لأن هذا الأخير يعاني من التفكك والانهيار الداخليين، ولأن إعلان مثل هذا التطبيع كما يقول نتنياهو ويكرر سوف ينقد هذا العدو من الانهيار، ولذلك تسعى الإدارة الأمريكية هذه الأيام لإقناع بن سلمان بإعلان التطبيع، اولاً لتحسين مكانتها الانتخابية سيما بين الموالين الأمريكيين للعدو، وثانياً لإنقاذ هذا الأخير من الانهيار لأنه يعاني الآن من الموت البطئ كما يقول خبراؤه وحتى سياسييه!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق