وزير الخارجية السعودي في طهران... هل تغير بن سلمان أم غيّر أساليبه؟؟؟؟
[عبد العزيز المكي]
في السابع عشر من الشهر الجاري حلَّ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ضيفاً على المسؤولين الإيرانيين، وكما نقلت وكالات الأنباء في كل من طهران والرياض، أجرى الوزير السعودي مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان تناولت بعض ملفات المنطقة، والعلاقات الثنائية، ورسم كلا الوزيرين صورة ايجابية على المباحثات وقالا انها بناءة وجرت في أجواء ودية.. كما التقى الوزير السعودي بالرئيس الأيراني السيد إبراهيم رئيسي، الذي قال ان إيران لم تعتبر يوما المملكة السعودية عدواً لها، ولن تعتبرها عدواً في المستقبل... ومن المقرر بحسب ما أعلن في زيارة الوزير السعودي لإيران، أن تعيد الرياض فتح سفارتها وقنصليتها في إيران خلال عيد الأضحى المبارك، أما ايران فقد أعادت فتح سفارتها في 6/6/2023.
على أي حال، التحركات السعودية في هذا الاتجاه تؤشر في الظاهر إلى أن بن سلمان ماض في طريق مغادرة سلوكه السابق، الذي تعهد بنقل المعركة إلى الداخل الإيراني- من خلال تقديم الدعم والعون للجماعات الإرهابية الإيرانية التي تعمل ضد النظام الإسلامي في طهران- ومنع ايران من التقدم في البرنامج النووي السلمي ومحاربة ما اسماه " ميليشياتها " في العراق ولبنان في اشارة الى حزب الله ، والحشد الشعبي، وحركة فاطميون وغيرها!!، هنا تجدر الإشارة، والتوقف قليلاً مع ما قام به بن سلمان وبالتعاون مع الولايات المتحدة والدول الغربية بالإضافة إلى الكيان الصهيوني من جهد تصعيدي خدمة للمشاريع الأمريكية- الصهيونية، بل لاحظنا كيف ان سفيرا المملكة في لبنان وفي العراق كانا يتحركان على المكشوف في التدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية لدرجة ان بعض الجهات السياسية وبعض الشخصيات اشتكت لدى القيادة السعودية من تحركات هذين السفيرين وإرباكهما المشهدين السياسي والأمني والمجتمعي في هذين البلدين ووصل الأمر الى إقدام بعض الأطراف العراقية الى تهديد هذا السفير واخراجه بالقوة من العراق بسبب تحركاته المثيرة للفتنة الطائفية وللصراعات داخل المكونات السياسية والاجتماعية العراقية خدمة للمشروع الأمريكي الصهيوني الغربي في المنطقة!!
أما في اليمن، فبن سلمان، وبحسب ما اشار كولن باول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ووزير الخارجية الأسبق أيضاً، كان قد تعهد للاميركان باحتلال اليمن وإخضاعه للهيمنة السعودية والأمريكية خلال أيام أو خلال أسابيع على أكثر تقدير!! كما يمكن الإشارة في هذا السياق الى توتير الأجواء مع قطر والتهديد باجتياحها عسكرياً لأنها عارضت التوجه السعودي الجديد في استخدام القوة العسكرية والبطش في فرض وتنفيذ المشروع الأمريكي الذي سيكون فيه بن سلمان رأس الحربة لإخضاع ومحاربة ومعاداة كل من يواجهه أو يعترض، وحينها لم يشفع وجود قاعدة العديد العسكرية في قطر لهذه الأخيرة عند ما فرض بن سلمان الحصار على هذا البلد، لأن التحرك السعودي يجري بتنسيق أمريكي صهيوني، لأن أمريكا تريد قوة في المنطقة بالإمكانات التي تتمتع بها المملكة السعودية لتلعب دوراً شرطياً بالتعاون والتحالف مع الكيان الصهيوني، حتى يتسنى لأمريكا الانسحاب من المنطقة والتفرغ للصين وروسيا!!
على أنه رغم العمل الدؤوب للنظام السعودي على مدى عقد من الزمان والذي جند له كل الإمكانات المالية والمادية والإعلامية والعسكرية وحتى الدينية الهائلة، لم يستطع بن سلمان تحقيق طموحاته وطموحات أسياده الاميركان والصهاينة، ليكون كلب الحراسة الأمريكي في المنطقة، ووجد بن سلمان ان الطموح شيء ومجريات الميدان شيئاً آخر، أكثر من ذلك ان مجريات الميدان أوصلته إلى قناعات كنا قد اشرنا إليها في مقالاتنا السابقة نعيد التذكير ببعضها بصورة مختصرة جداً ومنها ما يلي:-
1- تأكد لدى بن سلمان أن الاستمرار في أساليب الخشونة والتهديد والحروب، ليس لا توصله إلى طموحاته كشرطي في المنطقة لخدمة أمريكا وحسب، وإنما الاستمرار في تلك الأساليب ستفقده عرش المملكة لأن فشله يجعل منه شخصا غير مؤهل لتولي العرش، بل ان البعض من المحللين اعتبر أن الإصرار على تلك السياسية يمكن أن تؤدي إلى انهيار النظام السعودي برمته.
2- وجد بن سلمان ان الأميركان فقدوا زخمهم السابق في حماية والدفاع عن النظام السعودي، وأيقن انه سيظل مكشوف الظهر إذا حصل عدوان جدي يستهدف المملكة، بل جرب بن سلمان ذلك عند ما ضربت منشآت النفط في بقيق وخريص وتوقف نصف إنتاج النفط، حيث أعلن حينها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انه لا يمكن الدفاع عن السعودية لأن أمريكا يمكن ان تستغني عن نفطها، في حين أعلن بعظمة لسانه مراراً وتكراراً أنه نجح في استحلاب النظام السعودي مئات المليارات من الدولارات لقاء الحماية!! بينما شفط تلك المليارات ولم يفِ بالحماية إنما أعلن متحججاً انه لن يضحي بجندي أمريكي واحد من أجل السعودية، تماماً مثلما أعلن الرئيس الديمقراطي باراك اوباما !!
3- زيادة منبوذية وعزلة بن سلمان نتيجة سياساته الإرهابية وجرائمه الوحشية التي يرتكبها أتباعه في لبنان والعراق واليمن وفي ليبيا وفي أماكن أخرى، خصوصاً المجازر الكثيرة التي ارتكبت في اليمن، لدرجة ان المملكة بسبب هذه الجرائم ومنها جريمة قتل المعارض جمال خاشقجي، فقدت مركزيتها في العالم الإسلامي " السني" وفقدت دورها ومركزها الإسلامي الذي كانت تتمتع به قبل مجئ الملك سلمان وابنه..
على أي حال، ومثلما اشرنا قبل قليل، ان بن سلمان أدرك ولو متأخراً ان المضي في سياسة " فتل العضلات" سوف يؤدي الى انهيار المملكة او اضعافها لذلك قرر التراجع والتحول إلى الأسلوب الناعم، أي الانتقال إلى استراتيجية أخرى ومحاولة التخلي عن استراتيجية استخدام القوة وفرض الوقائع بالقوة العسكرية والاقتصادية.. وحينها بارك المحللون والمراقبون والمقربون من بن سلمان هذا التحول واعتبروه دليلاً على " ذكائه " و"قدرته "، والبعض الآخر اعتبر تحوله وتغيّر سياسته تمرداً على الإدارة الأمريكية وخروجاً سعودياً من الدائرة الأمريكية وهكذا، ولكن في الواقع أن بن سلمان لم يتغيّر كما توقع هؤلاء وإنما انتقل من خندق استخدام القوة والعدوان إلى خندق الأساليب الناعمة، كما فعل أسلافه من قبل من دون أن تتغير الطموحات والأهداف وهذا ما تؤشر إليه عدة أمور نذكر منها ما يلي:-
1- لم تتأثر قبضة النظام الحديدية والدموية تجاه المعارضين، ولم تشهد أي انفراجه، مثلما يتوقع البعض كما يقود المنطق والعقل، ان مثل هذا التوجه من شأنه ان يجبر النظام السعودي اذا كان جاداً في هذا التحول الى التغيير والانفتاح على المعارضة والتصالح مع الشعب، فيما النظام السعودي تحرك بالاتجاه المعاكس تماماً، ما يعني انه لم يتخل عن خندق القمع والقتل، كما أشارت عمليات الإعدام الأخير بحق معارضي الرأي من المنطقة الشرقية، وحتى من البحرين!!
2- مازال النظام يطمح كما تشير تحركاته الناعمة إلى لعب دور بارز في المنطقة في إطار محاولات تولي القيادة والريادة والتسيّد على المنطقة!
3- استخدام الأموال الطائلة في الزحف على بعض الدول لفرض النفوذ السعودي فيها مثل العراق ولبنان ومحاولة الوصول إلى مفاصل هذه البلاد الحساسة بشراء الولاءات واستقطاب الشخصيات وكسب ود الناس بإقامة مشاريع وما شابه ذلك، الناس في أشد الحاجة إليها كما يجري ذلك في العراق!!
4- لم تتخل السعودية عن طموحاتها وأطماعها في اليمن، رغم أنها تبحث عن تلمس طريق يخرجها من مستنقعه، وكادت الخروج لولا ان أمريكا منعتها وأجهضت محاولتها كما هو معلوم، فما يجري اليوم في حضرموت ومحاولاتها قضمها من اليمن بشكل وآخر، لا يؤشر إلى أنها جادة في الخروج من المستنقع اليمني، ولا يؤشر إلى أنها جادة في تغيير سياساتها بالتخلي عن سياسة " العنتريات" إلى سياسة عقلانية وواقعية كما يروج بعض الإعلام العربي والغربي وحتى الأمريكي!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق