وفد سعودي في طهران وخبايا الرسالة التي يحملها
[حسن العمري]
* حسن العمري
مصادر موثوقة كشفت النقاب عن وجود وفد عماني سعودي مشترك منذ ايام في العاصمة الايرانية طهران لمواصلة المباحثات بشأن اعادة العلاقات بين البلدين والعمل على انهاء نقاط الخلاف القائمة منذ بدء العدوان على اليمن، والوصول الى حل لإنهاء الأزمة بما يحفظ ما تبقى من ماء الوجه لسلمان ونجله والخروج من المستنقع اليمني بأقل الخسائر والفضائح، بعد مسلسل الفشل الذي يلاحق قوى تحالف العدوان على الأرض اليمنية وفي العمق السعودي، ما أدى الى انشغال الرياض بها وابتعادها عن عمقها في الشمال الأفريقي حيث باتت الامارات تسرح وتمرح وتنفذ خططها بعيداً عن النفوذ السعودي، وأزمة تونس أحدى بوادرها.
مجلة "فورين بوليسي" قرأت التوجه السعودي الجديد نحو ايران بأنه انعكاس لجدية إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتحويل تركيزها بعيدا عن الشرق الأوسط، وأن واشنطن "توقفت عن طمأنة شركائها الأمنيين في المنطقة" بأنها ستواصل دعمهم دون قيد أو شرط، بغض النظر عن السلوك المتهور الذي ينخرطون فيه، وأن سياسة البيت الأبيض الخارجية تتمثل في انسحابات عسكرية وشيكة من المنطقة، مقابل تعزيز الدبلوماسية الإقليمية.. ومصادر للمعارضة في الأسرة الحاكمة المحاصرة في قصورها كشفت انها توجهت بدعوة طهران لدعمها في بلوغ السلطة والعمل سوياً على عودة المياه الى مجاريها وحلحلة الأزمات التي تعصف بالمنطقة.
عضو الكنيست الصهيوني طالب قبل ايام بالكشف عن تفاصيل اتفاقية "كاتسا"بين تل أبيب وأبوظبي، مشدداً على ضرورة بحث الاتفاقية بتفاصيلها في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست، معتبراً أنه لمن الخطورة عدم الوقوف على محتوى الاتفاقية التي باتت أكثر من سرية لايقف على محتواها سوى نتنياهو ومحمد بن زايد، التي بموجبها تضخ الإمارات نفطها الى البحر الأبيض المتوسط ومنه الى أوروبا عبر خط النفط إيلات عسقلان؛ ما دفع ولي العهد السعودي بتقديم عروض خلال محادثات وفد سعودي وآخر ايراني في بغداد تؤكد وقف قطار التطبيع مع الاسرائيلي
- وفق صحيفة "إسرائيل هيوم".
وسائل اعلام اقليمية أكدت أن السعودية تستعجل عقد جولة إضافية من المحادثات مع المسؤولين الإيرانيين، في إطار التوجّه الجديد الذي أظهرته في الآونة الأخيرة. حيث كشفت مصادر مقربة من المفاوضين إن الجانب السعودي أكد للإيرانيين أن "المملكة لا تريد تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، وترغب في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع طهران". مضيفة أن "السعوديين طلبوا بصورة أساسية وقف الصواريخ والمسيّرات التي يطلقها الحوثيون على أهداف سعودية". وقد شدد الوفد السعودي خلال الجولة الأولى من المفاوضات بين الطرفين في عاصمة عربية إقليمية من إن "ابن سلمان ليس وهّابياً، ولا يكره الشيعة، كما يتمّ تصويره".
مراقبون دوليون يشيرون الى وجود مخاطر كبيرة باتت تهدد سلطة وعرش محمد بن سلمان دفعته للتوجه نحو طهران والعمل مسرعاً على حلحلة الخلافات السياسية القائمة بين البلدين منذ سنوات طويلة، في مقدمتها انسحاب الحليف الإماراتي من الحرب على اليمن بعد توصية ووساطة إيرانية - عمانية لمنع تدفق المسيرات والصواريخ اليمنية نحو الموانئ الاماراتية التي ذاقت مرارتها مرة واحدة ما أدى الى زعزعة في توجه الاستثمارات الأجنبية لتلك الدولة، فما كان لها إلا أن سحبت قواتها من مناطق الحرب القريبة من الحوثيين والتوجه نحو شرخ الانقسام اليمني وتضعيف قوة حكومة الرئيس الهارب منصور هادي.
الحكومة الروسية رحبت بأي تقارب بين السعودية وايران، مؤكدة أن هذه العملية ستؤثر إيجابيا على الأوضاع الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، ولها تداعيات جيدة في كل من سوريا وليبيا واليمن على وجه الخصوص، وتخفف من المخاطر التي يواجهها ولي العهد السعودي المتزايدة هذه الأيام - وفق كبيرة المستشارين في قسم التخطيط السياسي الخارجي بوزارة الخارجية الروسية ماريا خودينسكايا جولينيشيفا لموقع "روسيا اليوم".. وصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كتبت تقول: أن "التقارب السعودي الايراني هو المفتاح لجميع أزمات المنطقة"، مشيرة الى أن "هذا التقارب والمفاوضات الجارية بين الطرفين سبقتها مفاوضات على المستوى الدولي"، لافتاً إلى أنه "مازالت المسافة بعيدة بين السعودية وايران".
الاصرار السعودي على مواصلة اللقاءات مع الجانب الايراني في بغداد تارة واخرى في مسقط تؤكد حجم المخاوف والمخاطر المحيطة بالعرش السعودي وسط استراتيجية واشنطن الجديدة التي تبحث عن اتفاق (شرف) مع طهران بمواصلة محادثاتها السرية في كل من مسقط وسويسرا، ثم انهيار الحلف الرباعي العربي بعد عودة العلاقات بين الرياض والدوحة ما دفع القاهرة وأبوظبي نحو تعزيز التعاون في مختلف الساحات خاصة الشمال الأفريقي، والتقارب مع دمشق ببدء حوارات دبلوماسية لعودة العلاقات واعادة فتح السفارة الإماراتية ، الأمر الذي خلط الأوراق السعودي ودفعها نحو توسيط العراق وسلطنة عمان في تخفيف حدة التوتر مع ايران ومن ثم البحث في اعادة العلاقات والعمل على انهاء نقاط الخلاف القائمة وفي مقدمتها العدوان على اليمن المستمر منذ 7 سنوات دون جدوى.
صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الإيطالية كشفت في مقال للكاتب إيغور سوبوتين، عن نقل مكان الاجتماع السعودي الايراني الثاني من بغداد الى مسقط، حيث سيبحث الطرفان وبمشاركة عمانية حول الأمن الإقليمي وهو ما تمخض من زيارة وزير خارجية المملكة فيصل بن فرحان السلطنة مؤخراً.. فيما قال الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي كيريل سيميونوف:هناك فرق كبير بين مكاني عقد جولات المباحثات، حيث الرياض تعول على حنكة وحكمة السلطنة يمكن لها الولوج في تفاصيل أكثر، فيما الوضع العراقي متزعزع، وإن عُمان تتمتع بخبرة في التحضير لمثل هذه الاجتماعات، يمكن لمسقط نفسها أن تشارك بنشاط في صناعة القرارات وإجراء المشاورات، كما كان الحال قبل العام 2015 عندما أبرم الوسطاء الستة صفقة نووية (الاتفاق النووي) مع إيران".
الرغبة بنقل المفاوضات السعودية الايرانية من بغداد الى مسقط هي رغبة ولي العهد خالصة كانت صريحة وبوضوح كامل خلال الزيارة التاريخية التي أجراها سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سيعد للمملكة، في يوليو 2021، .. فبعد لقاءات محدودة جرت بين مسؤولين سعوديين وايرانيين في بغداد، لمس الجانب السعودي عدم وجود طرف عراقي ضامن أو قادر على أن يمتلك قدراً من الوسطية في التعامل بين الدولتين، وكان لا بد من التفكير بمكان آخر، ومسقط هي الخيار الأنسب في ظل ما تتمتع بعلاقات طيبة مع كل من طهران والرياض.. ثم الرغبة العمانية في إيجاد حل للمشاكل العالقة بين العاصمتين أكثر مما هو موجود في بغداد.. فكل الأسباب تجعل من مسقط مكاناً أفضل للتفاوض والحوار بين الطرفين، وايضاً دبلوماسية أقدر على إيجاد نقاط التقاء تسمح بهدنة إقليمية تسهم في تعزيز الاستقرار بالمنطقة المشتعلة.
مراقبون يؤكدون أن مسقط تحولت الى عاصمة للحراك السياسي لحلحلة الأزمات الأقليمية وفي مقدمتها الأزمة اليمنية، حيث استضافت عدة لقاءات بين الحوثيين والمبعوثين الأمريكي والأممي الى اليمن، كما زارها دبلوماسيون من السعودية والكويت واليمن وايران في إطار محاولات حل الأزمة.. تلتها تحركات على مستوى آخر تمثلت بـ"حمل رسائل شفوية مشتركة تؤكد استقرار المنطقة الذي تسعى اليه السلطنة منذ عقود في إطار جهودها لإحلال السلام والاستقرار بالمنطقة وفي مقدمتها بين السعودية وايران". مشددين أن التقارب السعودي الإيراني يُعد منطلقاً لإنهاء الحرب باليمن واستقرار المنطقة، معربين عن أملهم بأن تعي الرياض أن الوقت حان لاستقرار المنطقة بعد ويلات النزاع.
ارسال التعليق