وقفة مع "يديعوت أحرونوت" وتقريرها عن الإتصالات الإسرائيلية السعودية
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
التقرير الذي نشرته أمس الجمعة صحيفة يديعوت أحرونوت عن إتصالات متقدّمة برعاية أميركية تجري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من أجل التوصّل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين الطرفين، يستدعي بعض الملاحظات التي قد تساهم في حسم التقدير السياسي سواء لجهة انتقال العلاقات بين الطرفين الى مستوى رسمي او بأن تظل العلاقة الاستراتيجية و المتطورة بين الجانبين دون مستواها الرسمي والمعلن.
اللافت في تقرير الصحيفة الإسرائيلية هو الطابع الإستعجالي في هذه الإتصالات، فبحسب ما أورده التقرير فإنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبل بنيامين نتنياهو باشر وفور إعلان النتائج بفوز معسكره في الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإجراء إتصالات مكثفة مع "السعودية" عبر واشنطن، بهدف تمهيد الأجواء لإتفاقية سلام وتطبيع معها. أي أن تشكيل حكومته اليمينية، بما تتطلبه من مفاوضات صعبة وتفاهمات حول توزيع الحقائب الوزارية، وصفقات الحصص التي تقتضيها حكومة ائتلافيّة من أحزاب يمينية متطرفة؛ كل ذلك لم يشغله عن المبادرة وفور نجاحه الإنتخابي إلى مباشرة الإتصال المكثف مع محمد بن سلمان. وهذا ما يُفهم منه بأنّ الأمر مرتبط بالوضع الإقليمي وفي القلب منه إيران. ويتأكد ذلك إذا إنتبهنا إلى أن التقرير يتحدث عن اتصالات تجري تحت إشراف القيادة المركزية للجيش الأميركي "سينتكوم".
تقرير صحيفة "يديعوت أحرونوت" لم يخل من إشارات عن قوة العلاقة بين الكيان الصهيوني ومملكة آل سعود، والتطور الذي عرفته خاصة منذ عام 2018، ما يجعل موضوع التطبيع مسألة شكلية منحصرة في العائد السياسي من ترسيمها والذي يحرص نتنياهو أن يُسجَّل ذلك بإسمه كإحدى نجاحاته السياسية والدبلوماسية الكبرى. من هنا يمكن القول بأنّ الأمر يتجاوز التطبيع الرسمي وإنضمام السعودية الى ما يسمى باتفاقات ابراهام . وهذا ما كشفه تقرير الصحيفة، فوفقاً لهذه الأخيرة "هناك أمور مهمة تحدث. والآن نستعد لحرب مع إيران، ونعمل على ضم السعودية إلى جانبنا الآن".
في موضوع إيران هناك الإضطرابات الأخيرة التي تفجرت قبل أكثر من ثلاثة أشهر، والتي تورط فيها جهاز المخابرات الاسرائيلي "الموساد" ميدانيا وفقا لما أعلنته مصادر أمنية إيرانية، واستنفرت لها "السعودية" أذرعها الإعلامية وفي مقدمتها قناة "إيران انترناشيونال فارسي" في عمل تحريضي خارج معايير العمل الإعلامي الى حدّ أنّ القناة المموّلة سعوديا دعت المتظاهرين إلى قتل عناصر الشرطة والبسيج! وقد وجد الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي السعودي أنّ التظاهرات في إيران كشفت جبهتها الداخلية، وأن ذلك يستوجب أولويات جديدة تخدم هدفا رئيسيا وهو إسقاط النظام الإيراني، ولبيان حجم رهان هذا الثلاثي على إستغلال الوضع الداخلي في إيران فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، صرح في ذروة الإضطرابات بالداخل الإيراني بأنّ الاتفاق النووي الإيراني "ليس محور تركيزنا في الوقت الحالي"، مشيرًا إلى أنّ الإدارة الأمريكية تركز بدلا من ذلك على دعم المحتجين في إيران، حيث وصلت جهود إحياء الاتفاق النووي إلى طريق مسدود آخر" ! على صعيد ذي صلة فإن التقديرات من داخل الكيان المحتل تذهب إلى أن بنيامين نتنياهو سيشن هجوما على إيران خلال ولايته الحكومية القادمة من أجل تدمير منشآتها النووية، بزعم أنه لن يكون هناك خيار آخر أمامه، ولتفادي أن تواجه (إسرائيل) تهديدا وجوديا. ويبدو أنّ الأمر يلاقي تجاوبا أمريكيا تعكسه المناورات العسكرية للجيشين الإسرائيلي والأمريكي قبل شهر تقريبا والتي كانت تحاكي هجوما على المنشآت النووية الإيرانية.
ويمكن الإستنتاج بناءً على ما تقدم أن جوهر الإتصالات الاسرائيلية السعودية يتمحور بالأولوية حول عنوان الضربة العسكرية المحتملة لإيران في ضوء تعثر إحياء الإتفاق النووي من جهة، وفي ضوء ما اعتبره الحلف المعادي لإيران إنكشافا لجبهتها الداخلية يجب استثماره سياسيا وأمنيا من جهة أخرى، على أن يكون ذلك مسبوقا بإعلان عن إتفاقية تطبيع بين النظام السعودي و(إسرائيل) ترضي تطلع نتنياهو وطموحه الشخصي في إلحاق بلاد الحرمين الشريفين بحلقة الدول العربية المطبّعة مع (إسرائيل)،وكتحضير دبلوماسي ضروري للضربة العسكرية المحتملة لأن السيناريو يفترض أن تتعرض "السعودية" أيضا لرد صاروخي إيراني في حال تمت مهاجمتها.
وفي الحسابات الأمريكية والإسرائيلية يُنظر إلى التطبيع السعودي؛ ولمكانة بلاد الحرمين الشريفين؛ بقيمة استراتيجية عالية جدا إذ سيعمل تلقائيا على عزل النظام في إيران ؛ الذي يواجه مشاكل داخلية بحسب إعتقادهم؛ والتظاهر بإجماع إقليمي على أن المشكلة الكبرى في المنطقة هي إيران ونظامها الثوري وليست (إسرائيل)!
ولأن الإتصالات إستعجالية في هذا السياق الإسرائيلي وقبل حتى تشكيل الحكومة اليمينية الجديدة، وبإشراف القيادة المركزية للجيش الأميركي "سينتكوم"، كل ذلك معطوفا على الوضع الداخلي في إيران، يمكن الإستنتاج والقول بأن هناك ضغطا على الحكم السعودي للدخول العلني في التطبيع بإعتبار ذلك من المقدمات الضرورية للحظة المواجهة العسكرية مع إيران. ولأن هناك علاقات بمستوى إستراتيجي بين السعودية و(إسرائيل) صارت معروفة للجميع، فإنّ خطوة تظهير العلاقة وأمام هذا الضغط تبدو راجحة جدا، خاصة وأن تقرير "يديعوت أحرونوت" ركّز على شروط محمد بن سلمان بما يعني أن المسألة تجاوزت التحفظ السعودي المتصل بالحرج الدبلوماسي بسبب المكانة الدينية والرمزية لبلاد الحرمين الشريفين.
ومن عمليات التضليل والخداع التي تمارسها "السعودية" المتورطة في الشأن الداخلي الإيراني، هو ما أكده وزير خارجية هذه الأخيرة ل "أمير عبد اللهيان" وزير الخارجية الإيراني على هامش مؤتمر بغداد المنعقد في الأردن قبل أيام أن بلاده مستعدة لمواصلة الحوار مع ایران! كما كتب عبداللهيان عبر صفحته الموثقة على تويتر.
ولن نتفاجأ إذا طبّع الحكم السعودي مع (إسرائيل) من جراء هذه الإتصالات المكثفة والإستعجالية بينما البعض ينتظر أن تلتئم الجولة السادسة من الحوار الإيراني – السعودي!
ارسال التعليق