مملكة الذهب الأسود.. بين الاستحلاب والمنبوذية
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري..تحتدم المنافسة وبشكل تصاعدي بين الفيل والحمار لإبتزاز البقرة بذرائع مختلفة بين الحماية وبين المنبوذية والهدف واحد وهو إرجاع بلاد الذهب الأسود الى بداية القرن الماضي يعيش شعبها في الخيام ويمتطون الجمال ويأكلون الخبز واللحم، عيشة بدوية قبلية جاهلية يتنافس سكانها على سرقة مال وعرض واحدهم الآخر ويسرق منه لقمة يومه مريق دمه بكل برود.
مجلة "نيوزويك" الأميركية كتبت قبل أيام، أن السعودية أصبحت دولة منبوذة عالميا بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الانسان.. وتحولها الى "الترفيه" ليس سوى لتطهير نفسها من سلوكها السيء، فهي واحدة من أسوأ ألأنظمة الديكتاتورية في العالم، ووصلت الى وضع “المنبوذ العالمي" لدور محمد بن سلمان ولي عهدها في جريمة القتل الوحشي للصحافي جمال خاشقجي، وحملات القصف الدموي على اليمن، والتي تسببت بوفاة حوالي 100 ألف شخص، وأسفرت عن كارثة إنسانية خلفت حوالي 85 ألف رضيع على وشك المجاعة، وهناك استمرار في سجن وتعذيب النشطاء في داخل المملكة.كلَ يعمل على شاكلته في سياسة إبتزاز "البقرة الحلوب"، فتارة تستند على سياسة "الفزاعة الايرانية" ما يدفع بالرياض للهرولة الى إحضان الكابوي مقدمة عروضاً سخية على طبق إخلاصها لشراء خردة مصانع الأسلحة الأمريكية وحلفائها الغربيين بمئات مليارات الدولار تكدس في الصحراء الرملية دون فادة تذكر وهزائم جيش ال سعود في حرب اليمن الفقير خير دليل، يرفق ذلك بالتنكيل والإهانة والإستهزاء علناً في صورة غير طبيعية يتشدق بها الرئيس الأمريكي بين الحين والآخر.
اعلان "السعودية دولة منبوذة" لكثرة إجرامها وإنتهاكاتها لحقوق الانسان السعودي والإقليمي صورة جديدة من مواصلة إبتزاز بقرة العم سام تتم هذه المرة على يد الفيل يطلقها "جو بايدين" مرشح الحزب الديمقراطي بصراحة وشفافية وهو يبدأ منافسته الانتخابية مع المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" وسط مساعي أنصار الفيل لعزله من السلطة لسبب إستغلاله منصبه لأغراض شخصية مع تجاوزات كبيرة على الدستور والقانون.
نبرة "بايدن" تجاه الأسرة السعودية الحاكمة لا تختلف بالموضوع والمضمون مع نبرة "ترامب" حتى قبل دخوله معترك التنافس الرئاسي مطلقاً تسمية "البقرة الحلوب" عليها بقوله "آل سعود يشكلون البقرة الحلوب التي تدر ذهباً بحسب الطلب الأمريكي، ومتى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب؛ عند ذلك سنأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا ذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وأعداؤها وعلى رأسهم آل سعود" وهو كلام كان ولا يزال موجهاً لسائر الأنظمة الخليجية ايضاً.
اللافت لطبيعة الإبتزاز الإستخفافي والإستحقاري الأمريكي للدولة السعودية هو تواصله وتداومه وإستمراريته ليس بالخفاء فحسب بل بالعلن وورد في أكثر من مرة وبعيد كل البعد عن السياسة الأمريكية حتى عهد الرئيس السابق "باراك أوباما" الذي طالما خاطب الرؤساء الأمريكان ملوك آل سعود باحترام وتوقر، وهو ما أخذه عليهم المخبول ترامب بقوله "اتصلت بالملك (سلمان بن عبد العزيز)؛ فأنا معجب بالملك، وقلت: أيها الملك، نحن نخسر كثيراً في الدفاع عنكم، أيها الملك لديكم أموال كثيرة، حينها قال ملك السعودية: لكن لماذا تتصل بي؟ لا أحد أجرى معي اتصالا كهذا في السابق، فرددت عليه (والقول لترامب): هذا لأنهم كانوا أغبياء".
تركي بن فيصل بن عبد الـعزيز آل سعود الرئيس السابق للإستخبارات العامة الـسعودية بمرتبة وزير (1977–2001)، أعترف بمنبوذية المملكة في نظر الحليف الستراتيجي الأمريكي وسائر الحلفاء الغربيين خلال لقاء له في برنامج على قناة "سي إنإن" الأميركية بالقول: "أن المملكة وقفت الى جانب أمريكا في وقت كانت فيه أمريكا منبوذة في الشرق الأوسط خلال الخمسينات والستينات والسبعينات ومازلنا عالقين بأمريكا ونتحمل عبء تلك الصداقة معها حتى يومنا هذا".
"ريبيكا كيل" وفي تقرير لها على موقع "ذا هيل" الذي يتابع شؤون الكونغرس الأميركي، كشفت عن تعهدات المرشحين الديمقراطيين المتنافسين لخوض حملة 2020، بإعتبار السعودية دولة منبوذة في حال تم انتخابهم، وانهم سيحددون تحديد العلاقة مع الرياض على هذا الأساس، مشيرة الى أن ذلك يعد تطورا مهما وخطيراً في مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية".
نائبة مدير السياسة في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط "أندور ميللر" قالت: "أن العلاقة بين واشنطن والرياض ستتغير، فهناك مشرعون يشعرون بالغضب الشديد من سياسة سلمان ونجله ويأخذون الحيطة والحذر بخصوص السعودية وينتقدونها مباشرة، ما يشير الى مشكلة حقيقية تواجه المملكة ومحمد بن سلمان.. فإن كانت هناك أي إدارة غير إدارة ترامب، فإن السعوديين سيجدون صعوبة كبيرة في إدارة هذه العلاقة خاصة بعد مقتل خاشقجي والحرب التي تركت أثرها المدمر على المدنيين في اليمن".
السيناتور الديمقراطي عن نيوجرسي "كوري بوكر" هو الآخر فقد شجب بشدة "انتهاكات حقوق الانسان في المملكة"، وتزويد واشنطن الوقود للمقاتلات السعودية لقتل أطفال اليمن؛ في وقت قالت فيه السيناتورة عن مينسوتا "آمي كلوبشتر": "نريد سياسة خارجية جديدة لبلدنا تجاه السعودية، فهي ديكتاتورية وحشية تفعل كل شيء لسحق الديمقراطية.. عندما نقوم بإعادة النظر في سياستنا فسنكتشف أن السعودية ليست حليفا يوثق به".
الكلام هذا يعيد بالذاكرة لنا جملات ترامب التي أطلقها في فترات مختلفة بخصوص حقيقة العلاقة بين أميركا والسعودية، فهو لم يخف إستحقاره للأسرة السعودية الحاكمة ، ولم يمل مطالبتها بـ "على السعودية أن تدفع"، بل وطالبهم بـ "أن يدفعوا ثروة مطلقة كي يحميهم ويحمي ثرواتهم بالتريليونات"، ليأتي ويكسر سنوات "الحذر الشديد" في العلاقة بين سلفه باراك أوباما وبين حكام البلدان الخليجية برمتها. وقد ثبت عدم إعتنائه بأمنهم بعد ما أغمض عينيه، تعرضت شركة أرامكو بسببه لقصف بطائرات يمنية مسيرة في 14 سبتمبر الماضي رغم كل القوات والمعدات العسكرية الأمريكية المتواجدة على أرض المملكة للدفاع عنها - حسب قوله؛ ما تسبب بموجة ذعر كبيرة لدى القصور الملكية ونظيراتها الخليجيات- وفق "صنداي تايمز" البريطانية.
"ترامب" وبدلاً من الإعتذار لما حدث أعاد سمفونيته بمطالبة الرياض بالدفع لحمايتها وكأنه فعل ذلك بخصوص أرامكو أو قاعدة الملك خالد الجوية أو مطاري جيزان ونجران وغيرهما من المنشآت السعودية الحساسة التي طالها السلاح اليمني، فقال: "أعتقد أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على السعودية في الدفاع عن نفسها، وإذا كانت هناك حماية منا فإنه يقع على عاتقها أيضاً أن تدفع قدراً كبيراً من المال، وأعتقد أيضاً أن السعوديين يجب أن تكون لهم مساهمة كبيرة إذا ما قررنا اتخاذ أي إجراء، عليهم أن يدفعوا، هم يفهمون ذلك جيداً".
"ترامب" طالما كشف عن نواياه بإستحلاب البقرة دون خجل رغم حصوله على أكثر من تريليون و460 مليار دولار على شكل أتفاقيات مختلفة منها شراء أسلحة وشراء مستندات من الخزانة الأمريكية، معترفاً بأن المال السعودي حقق 3 ملايين فرصة عمل للمواطنين الأمريكيين فيما نسبة البطالة تتنامى في وسط الشارع السعودي؛ وهو يخاطب سلمان بقوله: "ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك، لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب أن نحصل عليه".
لا أختلاف بين الفيل والحمار في إستحلاب البقرة، ما يهم الأثنان بترول ومال المملكة ليس إلا وإذا ما أقتضت الضرورة فبالإمكان إستبدال السلمانية بغيرها، أو آل سعود بغيرهم بصورة تدخل مباشر أو عبر وسيط، أو قرارات مجلس الأمن الدولي تضع من خلالها السعودية تحت الفصل السابع، وهو كغيره من المسؤولين الأمريكيين يشدد على أنها "دولة منبوذة" خاصة وأنه طالما أتهمها بالدفع لتنظيم الدولة، قائلاً: "السعودية تدفع لداعش"!!.
ارسال التعليق