بعد فوز الحلاب بالرئاسة الثانية... الأبقار الخليجية تستعد للحلب
[عبد العزيز المكي]
ما أن رجحت كفة المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية كمالا هاريس في النتائج الأولية لعد الأصوات، حتى سارع شيوخ وملوك دول الخليج العربية الى تهنئة ترامب بفوزه بالرئاسة ثانية، والتعبير له عن الفرح والابتهاج بهذا الحدث الذي سماه ترامب بالحدث التاريخي!!
فكتب أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في حسابه على منصة إكس: "أتمنى لك كل التوفيق خلال ولايتك، وأتطلع الى العمل معاً مرة أخرى لتعزيز علاقتنا وشراكتنا الاستراتيجية وتعزيز جهودنا المشتركة في تعزيز الأمة والاستقرار في المنطقة والعالم!".
فيما كتب رئيس رئيس الامارات محمد بن زايد قائلاً: "أهني دونالد ترامب ونائبه جيمس ديفيد فانس بالفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، متمنياً لهما التوفيق في خدمة الشعب الأمريكي الصديق"! وأضاف ابن زايد قائلا: "على مدى أكثر من خمسة عقود، ترتبط دولة الإمارات والولايات المتحدة بعلاقات استراتيجية وثيقة، وشراكة تنموية متطورة محورها اقتصاد المستقبل، ونتطلع الى مواصلة تعزيز هذه الشراكة خلال الفترة المقبلة لمصلحة بلدينا وشعبينا"!!
وبدورها ذكرت وكالة الأنباء العمانية إن السلطان هيثم بن طارق بعث برقية تهنئة أيضاً الى ترامب بمناسبة انتخابه رئيس جديداً للولايات المتحدة... وكذلك الأمر بالنسبة للكويت..
بينما محمد بن سلمان ذهب أبعد من ذلك أن تصل بترامب هاتفياً ليعبرّ له عن غبطته وفرحته العارمة بفوزه في الانتخابات الرئاسية، بالإضافة الى تهنئته بالفوز، وبحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية (واس) فأن محمد بن سلمان عبر عن تطلع المملكة لتعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تربط البلدين، بدوره شكر ترامب ولي العهد السعودي على تهنئته ومشاعره تجاه الشعب الأمريكي!
ذلك بالإضافة الى ان الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز قد بعث ببرقية تهنئة الى ترامب بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية!! واللافت ان الاحتفاء السعودي بهذا الفوز، فاق بشكل ملحوظ احتفاء الآخرين في قطر والامارات والكويت والبحرين، وكأن النظام السعودي حقق (فتحاً مبيناً)!! وهذا ما انعكس في وسائل الأعلام السعودية السائرة في فلك ابن سلمان، فكما مرّ بنا، أن هذا الأخير كان من أوائل المهنئين لترامب بفوزه عبر اتصال هاتفي!! كما إن أعلامه انحاز منذ بداية الحملة الانتخابية لترامب لتسويق شخصه على العرب الذين يحق لهم الأدلاء بأصواتهم في الولايات المتحدة، حيث استضافته في هذا السياق قناة العربية في أوج حملته الانتخابية ضد منافسته هاريس، وتغزل ترامب حينها برؤية ابن سلمان 2030 ، مضيفاً أنه "قام بأشياء لم يكن ليفكر بها أحد غيره" في إطراء واضح على ابن سلمان!! وقال ترامب أيضا إن ولي العهد السعودي "رجل رائع، ويحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم"!!
ويبدو أن هذا الاطراء الأجوف أطرب وسائل الاعلام السعودية وكتابها ومحلليها المقربين من ابن سلمان، فالإعلامي عبدالرحمن الراشد قال بشكل واضح "إن انتصار ترامب خبر سعيد في الرياض" مضيفاً إن المرحلة المقبلة ستشهد علاقة قوية مع الرئيس العائد وفريقه، وسيأخذ الجميع هذه الحقيقة في الاعتبار".
من جهته ذهب الكاتب مشاري الذايدي في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط السعودية، الى ما ذهب إليه الراشد، حيث وصف ترامب بأنه "الرجل المختلف في كل شيء"!!
وأشاد الذايدي بعودة ترامب الى البيت الأبيض وحمل الرجل ما لا يدعي به هو نفسه، حيث اعتبر ترامب بأنه الرجل القادر على إنهاء الحروب في المنطقة، بين روسيا وأوكرانيا!!
وتساءل الذايدي قائلاً: "الرجل يرفع شعار (أمريكا أولاً) خصوصاً في مجال التجارة.. فهل سيقبل الصينيون والروس ويسار أمريكا اللاتينية ذلك؟ وهل سيتصالح رعادة الإسلامي السياسي(الإخوان) و(الخمينية) مع ذلك، أم سيزيد ذلك من شراستهم؟! أم ستجد أمريكا ترامب طريقة للتفاهم معهم، أو إهمالهم" وواضح أنه يحاول التركيز على فكرة أو مقولة، إن المنطقة وقدرها باتا بيد ترامب لا غير، وعلى الأخرين التكيف معه!؟ أي التسليم له.
وأما الكاتب محمد الساعد، ذهب الى أبعد من ذلك في مقال له بصحيفة عكاظ بحيث أنه وصف فوز ترامب بأنه (فوز المهمشين والبسطاء والطبقة العاملة) وكشف الساعد عن عطشه وشوقه للتطبيع مع العدو، اذ عبر عن أمله في أن يعيد ترامب هذا المشروع ويطلق عجلته في المنطقة! قائلا: "إن المهم ليس في تعليق الآمال على دونالد ترامب وإدارته، من التنظيمات والدول المنخرطة في الفوضى، بل هو عدم تفويت فرص السلام الاستثنائية القادمة، التي ربما لا تعود كما ذهبت فرصة السلام التي طرحها بيل كلينتون عام 2000، قبيل مغادرته البيت الأبيض بالشراكة مع إيهود باراك"!!
ولاحظ أخي القارئ إن هذا الكاتب، كما كل الكتاب السعوديين السائرين في فلك ابن سلمان وكذلك وسائل الاعلام السعودية المماثلة تنكر أن هناك عدوان صهيوني يتعرض له الشعبان الفلسطيني واللبناني، في غزة والجنوب اللبناني!! ويتجاهلون المذابح اليومية المروعة والممنهجة التي يواصلها هذا العدوان، وحرب الإبادة باعتراف الخبراء ومنظمات حقوق الإنسان!! ويعتبرون مثل سيدهم ابن سلمان إن ما تشهده فلسطين وأيضا لبنان مجرد فوضى في محاولة لطمر الحقيقة وتخليص العدو من مسؤولية ارتكابه هذه الجرائم وهذه الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً!!
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا يعني كل هذا الاحتفاء الخليجي بفوز ترامب؟ لا سيما الاحتفاء السعودي المتميز؟!
هل يعني ذلك ان ترامب قد تغيرّ!؟
الجواب أو الأجوبة نختصرها بالنقاط التالية:
1ـ ترامب كان وما يزال ينظر الى ممالك الخليج مجرد (أبقار) حلوبة، وقال ذات مرة "السعودية بقرة حلوب! نحلبها ومتى ما جف حليبها، نذبحها"!! وكان قد وصف السعوديين بالجبناء، وقال في فترة رئاسته الأولى "السعوديون ليسوا سوى أبواق، بلطجية جبناء، لديهم المال، ولكن ليس لديهم الشجاعة او الرجولة" وتباهى ترامب بأنه استطاع حلب البقرة السعودية، وقال أنا قلت ان السعودية يجب أن تدفع المال لنا لقاء الحماية، لأن النظام السعودي لن يبقى في الحكم أكثر من أسبوعين بدون حمايتنا" وأضاف اتصلت بالملك سلمان وقلت له يجب أن تدفعوا لنا الأموال لقاء الحماية، وقال لي أنه لم يتصل أحد من الرؤساء السابقين بنا بخصوص هذا الموضوع، وقلت إنهم لا يفهمون، لا بد أن تدفع لنا السعودية، ووافق الملك سلمان!
وذكرت صحف أمريكية ومسؤولون أمريكيون بأن ترامب استطاع أن يحلب البقرة السعودية أكثر من 450 مليار دولار\، فيما شفط صهره جاريد كوشنر مليارين دولار من ابن سلمان وظفها في صندوق الاستثمار الذي أسسه في (إسرائيل) من أجل دعم وتحريك العجلة الاقتصادية، وتشغيل ورفد المصانع العسكرية الصهيونية كما اعترف بذلك المسؤولون الصهاينة أنفسهم!!
واللافت أنه فيما ظل ترامب يتباهى بمناسبات عديدة أنه استطاع أن يشفط من السعودية أكثر من 450 مليار دولار حل بها مشكلة البطالة باستحداث فرص عمل كثيرة للأمريكيين، كما قلل التضخم الى مقدار النصف..
نقول فيما ظل يتباهى في كل مناسبة بهذا الشفط، لم يقدم الحماية اللازمة للسعودية عندما تعرضت منشآتها النفطية في بقيق وخريص قبل سنوات للقصف اليمني بالصواريخ المجنحة (كروز) والطائرات المسيرة، وتوقف حينها نصف إنتاج النفط السعودي أي بمقدار 6 ملايين برميل يومياً من مجموع إنتاج 12 مليون برميل يومياً! بل إن ترامب أعلن أنه غير محتاج الى النفط السعودي، لأن أمريكا باتت تنتج النفط الصخري وهي اليوم تصدر النفط فهو غير مستعد لقتل جنود أمريكا دفاعاً عن السعودية!! أكثر من ذلك أنه سحب أكثر منظومات الدفاعات الجوية من باتريوت وثاد، مما اضطر السعودية على أثرها استئجار منظومات دفاع جوي مماثلة من اليونان!!
وتجدر الإشارة الى ان ترامب قد صرح قبيل إعلان فوزه في الانتخابات الأخيرة، بأن أمريكا مكتفية ذاتي فيما يخص احتياجاتها من النفط، فهي ـ بحسب قوله تنتج أكثر من السعودية ومن روسيا، وأن احتياطيها من النفط أيضا أكثر من الاثنين، أي روسيا والسعودية، متباهياً بذلك ومؤكداً بشكل غير مباشر تراجع أهمية النفط السعودي بالنسبة لأمريكا، أو حتى يمكن الاستغناء عنه! بمعنى أن نظرته لم تتغير تجاه دول الخليج سوى أنه ينظر إليها كأبقار حلوبة لا غير!!
2ـ إن نظرته للكيان الصهيوني لم تتغير هي الأخرى، فهو رجل يمثل الفريق الصهيوني في الإدارة الأمريكية، وقد ترجم في فترة رئاسته الأولى، هذا الانتماء الى وقائع عملية، فقد ألغى الموافقة الأمريكية على الاتفاق النووي الإيراني، أي أنه انسحب من هذا الاتفاق من طرف واحد، كما أنه شدد الحصار على إيران، وقام باغتيال قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، وأنجز ما يسمى باتفاق (إبراهام) بين العدو والامارات والبحرين والمغرب والسودان وقطع شوطاً كبيراً في انجاز اتفاق تطبيع السعودية، ولا اعتقد أن ترامب سوف يغيرّ من هذه الرؤية التي تمثل مرتكزاً استراتيجيا ومحورياً في الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية والإسلامية، حيث يتفق كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي في قضية حماية ودعم الكيان الصهيوني لأنه يشكل حاملات طائرات أمريكية متقدمة في المنطقة لحماية المصالح الأمريكية والغربية ولذلك قال بايدن قبل شهور الكيان الصهيوني، "حتى لو لم يكن موجوداً لأوجدناه" ولذلك فأن ترامب لا يختلف عن بايدن في هذه المسألة المركزية بالنسبة لواضع الاستراتيجية الأمريكية، وما يعزز ويؤكد ذلك هو قوله في حملته الانتخابية الأخيرة، في آب الماضي: "أنه يرى إسرائيل صغيرة على الخريطة، بالمقارنة مع الدول الأخرى، ويجب توسيعها"!! وعلى أساس هذه الخلفية والرؤية الترامبية حذر أمين عام الجامعة العربية الأسبق عمرو موسى، الزعماء العرب، من توسع الكيان الصهيوني على حساب دول عربية مهمة في المنطقة، كالسعودية ومصر.
يشار الى أن وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريش، سبق وأن أعلن أن (حدود إسرائيل) الكبرى وفقاً لما ورد في التوراة تشمل أجزاء من مصر والعراق والسعودية وسوريا، الى جانب كل فلسطين التاريخية والأردن ولبنان"!!
بل إن نتنياهو أشار الى هذا المعنى مرات عديدة عندما أعلن بعيد اغتياله لزعيم حزب الله حسن نصر الله، أن "هدف الكيان سيكون الهيمنة على الشرق الأوسط والقضاء على المقاومة"!!
وتأكيداً، لما ذهب إليه المحللون حول سياسة ترامب القادمة هو ما أشار إليه صهره جاريد كوشنر حيث قال: "على الأغلب ستكون سياسة إدارة ترامب المقبلة لمنطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) هي استكمال نهجه السابق من فرض الحصار على إيران وبقية المتحالفين معها، وتفعيل اتفاقيات التطبيع خاصة مع السعودية"!
أما ما يتعلق بمعركة طوفان الأقصى، فأن كوشنر لا يختلف برايه إطلاقاً عن آراء المسؤولين الصهاينة الأكثر عنجهية وعدوانية، فقد سبق وأن صرح في شهر آذار الماضي: "بأن على إسرائيل" إخراج الفلسطينيين من غزة وتنظيفيها.." مشيراً إلى أهمية الجزء الواقع على الجهة البحرية من غزة بأنه (قيمّ للغاية)!!
ونختم الحديث ببعض ما جاء في تقرير صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر يوم 8 نوفمبر 2024 حول ترامب وفوزه، حيث انتقدت الرجل بشكل لاذع! فمما جاء في هذا التقرير أنه "لأول مرة في التاريخ ينتخب الأمريكيان مجرماً مداناً كرئيس لهم، وليعيدوه الى السلطة زعيماً حاول قلب انتخابات سابقة، ودعا الى إنهاء الدستور لاستعادة منصبه، وطمع الى أن يكون دكتاتوراً في اليوم الأول وتعهد بالانتقام من خصومه".
ارسال التعليق