قمم الرياض الأخيرة ... وما تتعرض له الأمة من عدوان صهيوني غربي!!
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
صحيح ان اكثرية أبناء الأمة الإسلامية ما كانوا يعولون على انعقاد القمة العربية - الإسلامية الأخيرة في الرياض، كثيراً، لأن القمة العربية - الإسلامية المماثلة التي انعقدت في العام الماضي بعيد العدوان الصهيوني الدموي على قطاع غزة، وكذلك القمم العربية والإسلامية السابقة، كلها لم تتمخض سوى عن بيانات ادانة وشجب وخطابات رنانة ، لكنها كلها تبقى عند هذه الحدود وتتبدد وتتلاشى، بانتهاء هذه القمم ...
نقول صحيح ان الانطباع عند اكثرية أبناء الأمة هو ان هذه القمة من حيث النتائج لا تختلف عن سابقاتها .. لكن هذه القمة تميزت عن القمم السابقة بمميزات هامة من المفترض أن تفرض أو تلزم المجتمعين إتخاذ قرارات تاريخية او هامة ولو من مستويات الحد الأدنى، ومن هذه المميزات نذكر ما يلي :
1- إن العدو الصهيوني يقوم بمجازر مروعة ودامية بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، الأول منذ أكثر من شهر، يقترف هذه المجازر بشكل يومي وبدم بارد، لدرجة ان الخبراء صنفوا هذه المجازر التي ترتكب بتدمير المباني والعمارات على أهلها، باستخدام القنابل والصواريخ الأمريكية والغربية، الأكثر فتكاً وتدميرا وتخريباً ، صنفوها بأنها حرب إبادة وجرائم حرب مكتملة الأدلة والمعالم، ذلك على مرأى ومسمع أبناء الأمة الذين يسمعون يوميا استغاثات النساء والاطفال الذين دفنوا تحت انقاض العمارات والبيوت المدمرة بالقصف الصهيوني الهمجي البربري الدموي، إستغاثات تطالب بها هؤلاء النسوة والاطفال بنصرتهم وبإغاثتهم وبتقديم العون والحماية لهم من جحيم العدوان الصهيوني على هؤلاء الناس المظلومين !!.
٢- وفي الوقت الذي يواجه الشعبان الفلسطيني واللبناني هذا العدوان الغاشم بلحم ودم أبنائهما، لوحدهما إلا من مساندة قوى المقاومة في اليمن والعراق وفي إيران، فأن العدو يتلقى الدعم العسكري والاقتصادي والمالي والسياسي من أمريكا والدول الغربية او بعضها، بل أكثريتها، وللأسف حتى من بعض الدول العربية والإسلامية المطبعة مع العدو الصهيوني! كل هذه القوى نزلت بكل ثقلها وقضها وقضيضها لمساندة هذا العدو، لتمكينه من البقاء ومن مواصلة هذا العدوان الذي يستهدف في المحصلة النهائية مستقبل الأمة وعقيدتها وثرواتها، وكان نتنياهو واضحاً في الإشارة الى هذا الهدف عندما كرر القول ولا يزال يحلم، بأن هذا العدو سوف يغيرّ من المعادلات العسكرية والاقتصادية لصالح العدو، وسوف يهيمن هذا العدو على المنطقة برمتها، وتصل يداه لكل من يقف بوجه هذا الطموح ومعاقبته!!
3ـ إتضح للقاصي والداني إن للعدوان الصهيوني على غزة ولبنان أهداف كبرى صرح بها نتنياهو وقال إن العدو سيحقق في هذه الحرب همينته على المنطقة وسيصبح الآمر الناهي فيها، بل أن وزير ماليته سموتريتش قالها صراحة، بأن الفرصة باتت سانحة لتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل بإقامة ما يسمونه (إسرائيل الكبرى) والتي تضم كل فلسطين وكل لبنان وسوريا وجنوب تركيا وجزء من العراق حتى بغداد، وجزء من السعودية حتى مكة والمدينة المنورة، وجزء من مصر حتى القاهرة!! وذلك طبقاً لما نصت عليه التوراة بحسب زعمهم!! وما عزز هذه الطموحات الصهيونية هو إن الرئيس الأمريكي الذي فاز في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، دونالد ترامب قال في حملته الانتخابية، أرى على الخريطة أن (سرائيل) صغيرة لا بد أن تتوسع!! أي لا بد من ضم أراضي الدول العربية المحيطة بها ولذلك عندما فاز ترامب بالانتخابات احتفل سموتريتش بهذا الفوز واعتبر إن تحقيق هذا الطموح بإقامة (إسرائيل الكبرى) بات أقرب الى الواقع بحسب زعمهم.. وفيما نعتبر هذه الطموحات مجرد أوهام وخيال يداعب تفكير الصهاينة، إلا إنه يؤشر لنا الى طبيعة الصراع مع العدو في المستقبل وما يجري حالياً فهو يستهدف كل الأمة، وكل الدول العربية والإسلامية القريبة، ولذلك حذر أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى من هذه الأخطار المحدقة بالأمة طالباً من القمة اتخاذ القرارات والخطوات اللازمة لمواجهة مثل هذه الأخطار حيث قال في لقاء متلفز على قناة (المصري اليوم).. "إن موضوع التوسع (توسع الكيان الصهيوني) قد يصل الى دول مهمة كالسعودية ومصر وهذا من شأنه أن يدفعنا الى الاجتماع والوحدة لمواجهة هذه الخطط".
ولفت موسى الى ما كان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قد صرح به حول صغر (إسرائيل) وضرورة توسيعها، كما مر بنا، وكأنه يريد التأكيد أكثر على إن خطورة هذا المخطط جدية جداً في ظل هذا التناغم بين الرئيس الأمريكي الفائز وفريقه وبين الصهاينة!! لكي يعي قادة الدول العربية والإسلامية هذه الخطورة ويتحفزوا لاتخاذ قرارات تاريخية بشأن مواجهة العدو وأمريكا!! سيما وإن الصهيوني بتسيل سموتريتش تحدى القمة، ودعا في الوقت الذي تعقد فيه هذه القمة بضم الضفة الغربية رسمياً الى الكيان الصهيوني، والذي يعني إبادة أهلها الفلسطينيين وقتلهم وإجبارهم على ترك أراضيهم وبيوتهم وبساتينهم وكل شيء!! بمعنى كان يستخف بهذه القمة الأمر الذي يحتم على المجتمعيين في الرياض اتخاذ قرارات ملزمة وناجزة!!
هذه الخلفية، من التحديات والتطورات الخطيرة، جعلت البعض من أبناء الأمة يعتقد أنها ـ التحديات الخطيرة ـ كافية لأن تدفع المجتمعين في قمة الرياض الى إتخاذ قرارات هامة ورادعة للعدو، ولداعميه ومسانديه من الدول الغربية وأمريكا التي تقف على رأس هؤلاء الداعمين، ولذلك طالب البعض من الذين يعتقدون إن انعقاد هذه القمة يشكل فرصة مهمة لتحريك الماء الراكد في بحر هذه الأمة.. طالبوا القمة بإتخاذ قرارات تاريخية ملزمة، أو على الأقل إتخاذ قرار مطالبة الأمم المتحدة بطرد الكيان الصهيوني من المنظمة الدولية لارتكابه مجازر الإبادة بحق الفلسطينيين واللبنانيين، من جهة، ولعدم التزامه بقرارات الأمم المتحدة من جهة أخرى.. وقال قبيل انعقاد القمة "إن بلاده تعد مسودة مشروع لطرد إسرائيل" من الأمم المتحدة" للأسباب المشار إليها.. واعرب رئيس الوزراء الماليزي عن تطلعه في أن يناقش الأصدقاء والجيران العرب تلك الموضوعات في القمة العربية ـ الإسلامية المشتركة!!
من جهته السفير المصري السابق الدكتور عبد الله الأشعل، وجه رسالة الى القمة شرح فيها كل التحديات والأخطار المحدقة بالأمة على خلفية العدوان الصهيوني الأمريكي الغربي عليها، حيث تشكل فلسطين ولبنان خنادقه المتقدمة، وبين لهم إن هذا العدوان يستهدف حاضر الأمة وتاريخها ومستقبلها والقضاء على حضارتها وقيمها والسيطرة على ثرواتها، ما يعني ذلك، قال الأشعل، ضرورة أن تعي هذه القمة المسؤولية، وإن تتخذ قرارات مناسبة ترضي الأمة التي يجتاحها الغضب العارم بسبب تقاعس الأنظمة عن نصرة الفلسطينيين واللبنانيين، لأن الأمور أوضح الأشعل أبعد من عدوان على فلسطين ولبنان، إنما هو مقدمة للهيمنة الصهيونية الأمريكية على الدول العربية والإسلامية والسيطرة على ثرواتها وامكاناتها واستعباد شعوبها.. وكنا قد أشرنا في بداية الحديث أيضاً الى مطالبة أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى القمة باتخاذ قرارات ملزمة وناجزة لردع العدو، لأنه يريد تحقيق الحلم التوارتي بالتوسع على حساب الدول المجاورة وإشار الى الأخطار المحدقة بالسعودية ومصر خاصة في هذا المشروع!!
حركة حماس أيضاً طالبت هي الأخرى، القمة بأتخاذ قرارات ومواقف جدية تجاه العدو، و"دعت الحركة الى وضع الخطط والإجراءات اللازمة لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتوفير مستلزمات الإيواء لهم، الى جانب تشكيل تحالف عربي وإسلامي ودولي لتمكين الفلسيطيني من حقوقهم وإقامة دولتهم".
وجددت الحركة مطالبها بطرد سفراء الاحتلال من الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع العدو، ومقاطعة الكيان الصهيوني وإلغاء جميع الاتفاقيات الموقعة معه".
واستطرادًا طالب عضو المجلس السياسي لأنصار الله اليمنية محمد علي الحوثي القمة بوضع الكيان الصهيوني على قائمة الإرهاب، لأنه يمارس إرهاب الدول بحق أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني، وتلك الخطوة تمثل أضعف الإيمان!! قبال الإمكانات والخيارات الهائلة التي تمتلكها الدول العربية والإسلامية والتي لو استخدمت هذه الخيارات لقلبت المعادلة في المنطقة رأساً على عقب لصالح الأمة.
وإلى جانب هذه المطالب من شخصيات سياسية وإعلامية، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمطالبات المتابعين والمعلقين لهذه القمة باتخاذ قرارات ولو في الحد الأدنى، من مثل قطع النفط عن الدول الغربية الداعمة للعدو، وسد المنافذ المائية والبرية المؤدية للعدو والتي يستخدمها الأخير في تغذية اقتصاده وآلته الحربية لمده بمستلزمات استمرار الوجود والصمود العدوان على الشعبين الفلسطيني واللبناني، أو منع العدو من استخدام القواعد الأمريكية العسكرية في بعض الدول العربية، لدعم آلته الحربية، أو مقاطعة أمريكا والدول الغربية دبلوماسياً.. وما الى ذلك من المطالبات..
ولكن بدلاً من أن تتخذ القمة اجراءاً واحداً يخفف معاناة الشعبين الفلسطيني واللبناني، جاءت قرارتها هزيلة وخالية من أية آلية أو اجراء يردع العدو والداعمين له، قرارات مماثلة ومشابهة لقرارات عشرات القمم العربية والإسلامية من حيث هزالتها ومن حيث أنها عبارات انشائية لا تغني ولا تسمن، والذي يرجع الى البيان الختامي لهذه القمة تتأكد له تلك الحقائق، فهذه القمة لم تلزم حتى بعض أعضائها العرب بقطع علاقاته مع العدو مثل مصر والأردن والامارات والبحرين!! بل في بيانها الختامي تطلب من المجتمع الدولي التدخل لوقف المجازر وعمليات الإبادة الجماعية التي يواصلها العدو بحق أهلنا في كل من فلسطين ولبنان، وفيما يعلم أعضاء القمة علم اليقين إن هذا المجتمع الدولي الذي تمثل ثقله أمريكا والدول الغربية يقف بكل ثقله الى جانب الكيان الصهيوني بمده بالأسلحة الفتاكة ويشجعه على مواصلة تلك المذبحة، وكان بالإمكان معاقبة الدول الغربية بقطع النفط عنها واحداث أزمة كبرى، لكن القمة لم تتخذ مثل هذا الاجراء وهي قادرة عليه.. و.. و.. ما يعني ذلك إن القمة عقدت لأهداف أخرى تنشدها الأطراف الأساسية التي دعت الى عقدها ونذكر منها ما يلي:
1ـ امتصاص واحتواء الغضب الجماهيري العارم الذي يتزايد يوماً بعد آخر وينذر بانفجار عارم يكتسح كل المنطقة، بسبب مواصلة العدو المجازر بحق النساء والأطفال في غزة وفي لبنان، وبسبب تقاعس بل وتواطئ بعض الأنظمة العربية المطبعة مع العدو في هذا العدوان.
2ـ قطع الطريق على أي تحرك جاد من قبل الأمة لمواجهة العدو ونصرة المظلومين في غزة ولبنان، من خلال اطلاق الوعود بتشكيل هيئة متابعة أو ما شابه ذلك، بينما الهدف الأساسي منح العدو الصهيوني الوقت الكافي لمواصلة تلك الأبادة والسيطرة على الأرض كما يعلن ذلك صراحة أمام مرأى ومسمع العالم كله!!
2ـ التغطية على خيانة بعض الأنظمة العربية والإسلامية في هذه المعركة المصيرية، فللأسف وكما تؤكد التقارير والمعلومات بل ويؤكد المسؤولون الصهاينة إن بعض الأنظمة العربية تقدم الدعم العسكري واللوجستي للعدو الصهيوني على حساب دماء الفلسطينيين واللبنانيين، ولأن باتت هذه الأنظمة مفضوحة خصوصاً مع تقاعسها في نصرة المقاتلين في جبهات القتال، قامت بهذه المناورة للتغطية على خيانتها وعمالتها عبر الدعوة لعقد هذه القمة!!
ولا استبعد أن تكون أمريكا والدول الغربية وراء دفع عملائهم لعقد هذه القمة لتحقيق الأهداف المشار إليها وأهداف أخرى لا تغيب عن المتابع والقارئ الحاذق.
ارسال التعليق