ائتلاف حقوقي يطالب بحرية معتقلي في السعودية
طالب ائتلاف مكون من 19 منظمة حقوقية دولية بحرية معتقلي الرأي في السعودية قبيل انعقاد منتدى حوكمة الإنترنت 2024 (IGF)، الذي تستضيفه في مدينة الرياض هذا الشهر.
وحث الائتلاف حكومة المملكة على إطلاق سراح جميع المعتقلين الذين اعتقلتهم السلطات السعودية بسبب تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت، وبتعزيز الشفافية والمُساءلة قبل انعقاد منتدى حوكمة الإنترنت.
وفي يوم 6 سبتمبر/أيلول 2024، أي قبل أكثر من شهرين، دعت أكثر من 40 منظمة مجتمع مدني السعودية إلى الإطلاق الفوري من السجن لكل الأشخاص المحتجزين تعسّفياً بسبب تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت، إلّا أن هذه المطالب لم تُستوف إلى حد الآن.
ومع اقتراب موعد منتدى حوكمة الإنترنت، فإنّ القمع الرقمي المُمنهج الذي تُمارسه المملكة العربية السعودية، الدولة المُستضيفة لمنتدى هذا العام، يتناقض بشكل صارخ مع مبدأ المنتدى القائم على تعزيز فضاءات رقمية شاملة ودعمه المتواصل لحقوق الإنسان.
إذ تستمر السلطات السعودية في تصعيد قمعها لحرية التعبير من خلال استهداف المدافعين/ت عن حقوق الإنسان والنشطاء في مجال حقوق المرأة والصحافيين/ات حيث حُكم بعضهم بعقوبات سجنيّة طويلة وصلت إلى 45 سنة بسبب التعبير عن معارضتهم/ن عبر الإنترنت.
كما أساءت السلطات السعودية استخدام أدوات المراقبة، بما في ذلك برنامج التجسس بيغاسوس الغنيّ عن الذكر، بهدف متابعة النّاقدين/ات والمعارضين/ات واستهدافهم سواء كان ذلك داخل المملكة أو خارجها، وهذا ما يدلّ على القمع المُكثّف العابر للحدود الذي تُمارسه السعودية.
ويُبرز الرقم القياسي للإعدامات التي نفذت هذا العام في المملكة، والتي بلغت 300 شخص بينهم أكثر من 100 أجنبي(ة)، مدى تفاقم أزمة حقوق الإنسان، مما يُسلّط الضوء على تجاهل الدولة للإجراءات القانونية الواجبة والحرّيات الأساسية.
إذ ُتمارس السلطات السعودية بشكل روتيني اعتقالات تعسفية ومحاكمات غير عادلة، مصدرة أحكاماً قاسية بحق أولئك الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير على الإنترنت.
وتُبرِز قضية محمد بن ناصر الغامدي وإخوته كيف يُولّد القمع الحكومي تأثيراً مُريعاً يردع الآخرين عن ممارسة حقهم في حرية التعبير. حيث حُكم عليه في البداية بالإعدام بسبب منشورات انتقادية على منصّتي “أكس” و”يوتيوب”، رغم أن عدد متابعيه لا يتجاوز عشرة أشخاص ثم صدر في حقّه حكم مُخفّف في 24 سبتمبر/أيلول 2024 لتُصبح عقوبته 30 عاماً في السجن.
وفي حين أن تخفيف العقوبة يعد خطوة مهمة، إلا أن احتجازه التعسفي المطوّل لا يزال يُشكّل ظلماً شديداً يُؤكّد القمع الحاد الذي تشنّه الدولة على حرية التعبير. فيما يلي بعض الحالات الرمزية التي تبرز مدى تشفي القمع في البلاد:
أسامة خالد: طبيب وإداري على منصة ويكيبيديا يقضي حكماً بالسجن لمدة 32 سنة بتهم تتعلق بـ “إثارة الرأي العام” و”انتهاك الأخلاق العامة”.
زياد السفياني: طبيب أطفال وإداري على منصة ويكيبيديا العربية، اعتقل بسبب مساهمته في تحرير صفحات ويكيبيديا ، مثل صفحة ناشطة حقوق المرأة لجين الهذلول.
مناهل العتيبي: مدربة رياضة وناشطة في مجال حقوق المرأة حُكم عليها بالسجن 11 سنة إثر محاكمة سرية مخالفة للإجراءات القانونية الواجبة، بسبب منشورات على الإنترنت تدعم حقوق المرأة وصور نشرتها على تطبيق سناب شات دون ارتداء عباءة.
سلمى الشهاب: طالبة دكتوراه وأم لطفلين تقضي عقوبة بالسجن لمدة 27 سنة وحظراً من السفر بعد محاكمة جائرة للغاية بسبب نشرها لتغريدات تدعم حقوق المرأة.
عبد الرحمن السدحان: عامل في المجال الإنساني اختفى قسراً في سنة 2018 وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 سنة بسبب نشره تغريدات ساخرة، بناءً على اعتراف أخذ منه تحت الإكراه.
لجين الهذلول: ناشطة في مجال حقوق المرأة وإحدى أبرز منتقدي المملكة العربية السعودية، والتي استُهدفت بواسطة برنامج التجسس التابع لشركة “إن أس أو” في سنة 2017، ثم تم اعتقالها وتعذيبها وسجنها إثر ترحيلها من الإمارات العربية المتحدة في سنة
تندرج هذه الحالات في إطار استراتيجية الحكومة السعودية الموسّعة لقمع المعارضة والسيطرة على السرديات عبر الإنترنت. إن هذا القمع الصارخ لحقوق الإنسان الأساسية يتناقض بطبعه مع مهمة منتدى حوكمة الإنترنت من تعزيز النقاش المفتوح حول حقوق الإنسان والشمولية في العصر الرقمي.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى السعودية إلى جذب استثمارات الشركات التكنولوجية الكبرى بحجة “إنشاء مجتمع حيوي” في إطار رؤية السعودية 2030، بينما تعمل في الوقت نفسه على إخماد أصوات مُعارضيها، كما في حالة أسعد بن ناصر الغامدي، وهو مدرس سعودي حُكم عليه بالسجن لانتقاده رؤية ولي العهد السعودي.
وهو ما يدق ناقوس الخطر بشأن تواطؤ الشركات التكنولوجية في انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، حيث تُواصل شركات مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون شراكاتها مع الحكومة السعودية، رغم غياب الضمانات اللازمة للتخفيف من المخاطر في بلد يشتهر بالقمع المُمنهج ويفتقر للرقابة القضائية.
وفي الوقت نفسه، تحُول المخاوف من المراقبة والمضايقة والأعمال الانتقامية دون المشاركة الفعالة للمجتمع المدني في منتدى حوكمة الإنترنت لهذا العام.
إذ أنّ غياب ضمانات تكفل سلامة المشاركين/ت من شأنه أن يُقلّص من دور المنتدى كمساحة حيوية متعددة الأطراف، حيث يلعب المجتمع المدني دوراً أساسياً في نقاشات السياسات التكنولوجية.
وتستعد السعودية في غضون يومين لقيادة النقاشات حول مستقبل الحوكمة الرقمية في نفس الوقت الذي تُسكت فيه الأصوات المطالبة بالتغيير على الإنترنت وخارجها. وما لم يتم اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة هذه الانتهاكات، فإن منتدى حوكمة الإنترنت مُعرّض ليصبح منصة أخرى تُضفي الشرعية على القمع.
وطالب الائتلاف الحقوقي السلطات السعودية بالإفراج فوراً ودون قيد أو شرط عن جميع الأفراد المعتقلين بسبب آرائهم، بما في ذلك الحالات الرمزية الستة التي سلطنا الضوء عليها في بياننا الأول.
وأكد على ضرورة اعتماد تدابير شفافة لضمان سلامة المشاركة وحريتها بالنسبة لجميع الحاضرين في المنتدى، وخاصة منهم ممثلي المجتمع المدني، وحمايتهم من الأعمال الانتقامية والقمع العابر للحدود بمجرد عودتهم إلى بلدانهم.
ارسال التعليق