أوضاع مأساوية يعيشها معتقلي الرأي في سجون السعودية
السجون السعودية الأكثر رعباً في العالم، هكذا وصفت منظمات حقوقية السجون السعودية ضمن سلسلة مقالات "حقوق السجناء" التي أطلقتها لجنة الدفاع لتكون صوت المعتقلين في السعودية من خلال تسليط الضوء على الانتهاكات الهائلة لحقوق السجناء من اعتقال و احتجاز غير قانونيين وحبس احتياطي مطول و استخدام منهجي للتعذيب أثناء الاستجواب وسوء الممارسة الطبية و الإهمال الطبي المتعمد و عدم مراعاة ضمانات الإجراءات القانونية السليمة إلى انتهاك المبادىء الأساسية الواردة في دليل الأمم المتحدة لحقوق السجناء وبشكل خاص المبدأ القائم على أن لكل سجينٍ الحق في تقديم شكوى تتعلق بمعاملته، وأن يتاح له سبيل فعّال للانتصاف تحدده محكمة مختصة في حال انتهكت حقوقه أو حرياته.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية إنها قامت بزيارة لعدد من سجون السعودية والتقت معتقلين شهدوا موت سجناء بسبب التعذيب وسوء الرعاية الطبية فضلا عن اكتظاظ بعض العنابر بأعداد تفوق طاقتها الاستيعابية ووجود كثير من المعتقلين في أوضاع تخالف النظام الدولي لمعاملة السجناء، وتقول منظمات حقوقية عالمية إن نظام السجون في السعودية لا يتوافق أبدا مع نظام الأمم المتحدة لمعاملة السجناء إذ تمنع السلطات الجهات المستقلة من الزيارات التفتيشية للسجون، كما أشارت تقارير دولية لتعرض المعتقلين للتعذيب والحبس الانفرادي وتعرض البعض للقتل بسبب التعذيب داخل السجون كما أن بعض الذين أفرج عنهم خرجوا باعتلالات نفسية كبيرة بسبب ما تعرضوا له من تنكيل داخل السجون.
التفنن في أساليب التعذيب وانتزاع الاعترافات:
يُمارس التعذيب في المملكة العربية السعودية بشكل ممنهج، سواء لانتزاع الاعترافات أثناء الاستجواب أو كشكل من أشكال العقاب أثناء الاحتجاز، على الرغم من إفادة المحتجزين بأنهم أبلغوا المحاكم عن التعذيب الذي تعرضوا له، إلا أنه لم يجر فعلياً أي تحقيق في مثل هذه الادعاءات، ويتم قبول الاعترافات المنتزعة بالإكراه كأدلة ضد المتهمين بشكل منتظم، ويخلق غياب الضمانات القانونية لمنع التعذيب بيئة مواتية لممارسته، إضافة إلى ذلك، تحتوي تشريعات مثل نظام مكافحة الإرهاب على أحكام تسهل من ممارسة التعذيب إن لم تكن تحث عليه بقوة.
وفي سجن الحائر سيئ الصيت يتعرض معتقلوه لكل أنواع الإهانة والاذلال والتعذيب من صعق بالكهرباء وإيهام بالغرق والمنع من النوم لساعات طويلة، وذكرت تقارير حقوقية كثيرة أن عددا من نزلائه دخلوا في إضراب شامل نتيجة سوء المعاملة التي يتعرضون لها، وأكدت منظمة سند أن من أبشع ما تمارسه السلطات السعودية ضد المعتقلين هو احتجازهم في أماكن غير معلومة فلا يُعرف أين يعتقلون ولا تعلم عائلاتهم عنهم أي شيء، فضلا عن أن بعض هذه الأماكن ليست سجونا رسمية وهي تعتبر سجونا خارج القانون وأشبه ما تكون أماكن اختطاف وإخفاء قسري كالذي تمارسه العصابات تماما.
لقد سجلت السعودية تدنيّاً واضحاً في عدة مقاييس من أهمها العلامة صفر في مقياس التنظيمات السياسية، ودرجات شديدة الانخفاض في مقاييس الحياة الدستورية، والانتخابات العامة، والشفافية، وحرية الرأي والتعبير، إضافة إلى إشكاليات بالغة التعقيد في مختلف هذه المقاييس وخاصة فيما يتعلق بالحريات العامة، واللافت في الأمر أن "بايدن" وفور دخوله البيت الابيض انقلب وبشكل دراماتيكي على كل وعوده الانتخابية، بغض النظر عن بعض الاجراءات الفاشلة التي لم تردع الرياض ولم تمنعها من مواصلة ذات السياسة القمعية، ومع غياب أي قانون يحمي السعوديين من المعاقبة بهذا الأسلوب السادي، لا تنفك أجهزة النظام السعودي عن إصدار الأحكام المُجحفة بحق شعبها، وإن أكثر ما يجعل الرياض غير آبهة بالأنظمة والقوانين، عدم تضحية واشنطن بمصالحها مع السعودية من أجل أي شيء ولو أن ذلك على حساب أرواح الأبرياء، فأمريكا تجد نفسها مضطرة للتعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان على أنه ملك السعودية القادم، ما يعني ضوءاً أخضر منها لمواصلة نهجه الإجرامي.
ولم تهتم مملكة آل سعود للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ "هيومن رايتس ووتش"، ولا حتى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، ولم يصغ المجتمع الدولي لدعوات لجنة "الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية"، التي تطالب بإيقاف الدعم السياسي عن نظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات عديدة حول آلية التعامل الدولية مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها، ويعتقد البعض أن المجتمع الدولي إما منخرط مع السعودية مع إجرامها الداخلي والخارجي، أو أنه يقبض ثمن صمته كما كان يفعل الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب."
إرهاب الدولة:
تؤكّد المعطيات أنّ السعودية انتهجت سياسة "إرهاب الدولة" ضد مواطنيها من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.
ومع وصول ولي العهد إلى السلطة بدعم من والده الملك سلمان، توسعت سلسلة الاعتقالات لتشمل رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء ومن أبرز أولئك المعارضين الشيخ سلمان العودة، الذي كان من ضمن رجال الدين غير الراضين عن سياساته المنفتحة في البلاد، وتنبع سياسات محمد بن سلمان الرعناء من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة خارقة بعد أن كان سابقاً أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة، الشيء الذي دفعه لسجن واعتقال كثيرين.
محاكمات معيبة:
من المعروف بالنسبة للجميع، أنّ السلطات السعودية تحاكم النشطاء في البلاد عادة بمحاكمات معيبة، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، ويُظهر اعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم أنّه لا نية للسعودية بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، في الوقت الذي تحتاجهم البلاد بشدة للسير نحو التقدم والتطور.
وفي وقت سابق، أكّدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنيّة بحقوق الإنسان، أنّ السعودية حرمت بعض المحتجزين البارزين من الاتصال بأقاربهم ومحاميهم، وقد طالبت بزيارة المملكة وإجراء زيارات خاصة لهم في السجون، بسبب مخاوف جدية بشأن سلامتهم، وخاصة أنّ الرياض حظرت الزيارات الشخصية للسجناء في جميع أنحاء البلاد.
ومع غياب أيّ إحصائيّات رسمية حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون آل سعود، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، تقولُ لجنة "حقوق الإنسان الإسلاميّة" التي يقعُ مقرها في المملكة المتحدة، أنّه يوجد أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ في سجون البلاد، وتضيف إنّ السجناء السياسيين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتصفُ السجن السياسيّ في المملكة بالـ "وباء" بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
وعليه، فإنه يمكن القول إنه في السعودية، لا يزال التعبير عن الأفكار المخالفة للتيار الوهابي الأيديولوجي والديني محظورًا ويرتبط بتكاليف باهظة على المواطنين، وبعض الإجراءات الأخيرة السطحية والمحدودة، مثل تخفيف العقوبة وإطلاق سراح العديد من السجناء والنشطاء السياسيين والاجتماعيين، لن يكون له تأثير على الأوضاع المتردية لحقوق الانسان في السعودية، وإن هذه الاجراءات الأخيرة جاءت من أجل تهيئة المناخ مع الإدارة الأمريكية الجديدة، حيث بادرت الرياض بتسريع عملية إغلاق الملفات الساخنة والمثيرة لدى الإدارة الأمريكية والعالم، وفتح صفحة جديدة مع الرئيس الجديد "بايدن" بأقل الخسائر.
ارسال التعليق