آل سعود والتحكم في لبنان.. الرهانات الخاسرة
بقلم: يارا بليبل/ كاتبة لبنانية...
يورد أمين الريحاني المفكر والأديب اللبناني في كتابه "تاريخ نجد الحديث وملحقاته"، والذي يوثق فيه تجربة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود وملكه، أنه في عهد السلطان أحمد الثالث (1703-1730)، لم يكن للسلطنة العثمانية أثر يذكر في شبه الجزيرة العربية. حيث كانت محكومة من قبل الأشراف في الحجاز وعسير، والعلويون في اليمن، وكان أمراء وشيوخ القبائل كلٌ في قُطره يحكمون باستقلال عن الأمراء الآخرين وتحكمهم العداوة، على ما ينقل الريحاني في مؤلفه.
ويضيف بأن السيف كان "الفاصل والواصل"، باعتبار أن الغزو شكل سبيلاً إلى الاستيلاء والرزق والثراء. وفي عهد محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، والذي تنسب له تأسيس "الدولة السعودية الأولى"، والمعروف بالإمام المؤسس وكان حينها "أميرا" على الدرعية. وفي عهده ظهر محمد بن عبد الوهاب وعقد بينهما العهد، وكان أمير الدرعية واخوانه ثنيان ومشاري وفرحان أول من باشروا "الجهاد" في سبيل الديانة الوهابية.
لا يمكن الفصل بين سياسات آل سعود القائمة على شبكة من العلاقات الخارجية والممارسات الداخلية التي شكلت ركيزة النظام السعودي وسبب استمراره، وبين السردية التاريخية لنشأة الكيان.
وبالتالي إن فكرة مقاربة الدور "السعودي" ونفوذه في المنطقة، لا بد وأن تنطلق من زاوية مروحة من المصالح التي عملت على ترسيخها. سواء كان بتدخلها المباشر أو عبر تبنيها الشراكة مع طرف ثالث أو من خلال دعم وتمويل أطرافا داخلية.
وفي هذا السياق، شكل لبنان تاريخياً ساحة هشّة تتجاذبها الأطراف الدولية. فمنذ الانتداب الفرنسي لم يتوحد اللبنانيون على كلمة سواء تجاه أي قضية، مهما كانت سيادية. ولطالما وجد تياران يحكمان المشهد السياسي: الأول مسيحي ينادي ببقاء القوات الفرنسية والحفاظ على "الهوية المميزة للبلد، لكونه ذو وجه عربي"، والثاني عروبي يطالب بالاستقلال والوحدة مع سوريا.
ومع تبدل الظروف، تتغير الشعارات المنادى بها مع الحفاظ على لُبّ القضية الأساس، المتمثل بسؤال جوهري : أي لبنان نريد؟
وإزاء هذا الواقع الممتد، مارست "السلطات السعودية" نفوذاً طال العديد من المجالات في الساحة الداخلية، انطلاقاً من تزخيم وهج الوهابية ورفد انتشارها لدى الفئة السنية في المجتمع اللبناني، وخاصة تلك الفئة المُعدمة مادياً وأكاديماً والتي تشكل ركيزة قوية للانطلاق، بالإضافة إلى بناء مشروع سياسي والاستثمار بشخص رفيق الحريري ومشروعه الاقتصادي، إلى الاستثمار باغتياله عام 2005، وما تبعه من خلط للأوراق وصعود لقوى 14 آذار والحملة التي شنّت على الطائفة الشيعية وحزبها "حزب الله" في لبنان وحلفائها واتهامهم بالوقوف وراء عملية الاغتيال، وكل ما تلاها من أحداث تصب في خانة التشكيك بحزب الله وأهدافه وصولاً إلى ما يسمى "الربيع العربي".
نستطيع أن نجزم، وبراحة ضمير، أن أحداث العام 2011 في سوريا شكلت الموقف الأكثر وضوحا على إصرار الرياض على انتهاج كل السبل التي قد تؤدي للتخلص من الطائفة الشيعية، حيث تمثلت الخطة بضرب سوريا كصلة وصل بين طهران وبغداد وبيروت.
وفي حين ثبُت فشل المشروع الذي بذل لأجله الكثير عربيا وغربيا. تظهر لنا اليوم عودة عربية إلى دمشق من بوابة دولة الإمارات، بالتوازي مع زيادة الضغط على الساحة اللبنانية، التي لم يتمخض عن الاستثمار فيها إلا وأداً لمحاولات اطلاق شرارة الحرب الأهلية فيها، وخسارة الرهان بقدرة سعد الحريري في المضي بمواجهة "حزب الله".
في هذه القراءة، نحاول رصد البذور السعودية الأولى في لبنان في سياق دولي وإقليمي متغيّر، حيث طُبِع دورها في فترة معينة بالاتفاق مع سوريا على إدارة البلاد وما كان يعرف حينها باتفاقية سين-سين، إلى أن تم الانفصال واعلان انتهاء الود بين الطرفان، الأمر الذي ساهم بإشعال فتيل المواجهة الداخلية.
نسعى من خلال هذه القراءة لتقديم محتوى متكامل يرصد فترة زمنية تسبق قيام "السعودية الثالثة" عام 1932، لتبيان مدى التغلغل "السعودي" وآلياته وأشكاله وأدواته.
إن أهمية ما نقدمه يكمن في رفد القارئ بمحتوى توثيقي وتحليلي يبرز حقيقة السردية السعودية للبنان ربطا بقرار الرياض القاضي بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وكذا الحركة الاقتصادية ونت ثم إعادت وصل ما قطع بما يتوافق مع موجبات الانتخابات النيابية، في نهج ستطال تبعاته حلفاء الرياض في الداخل قبل خصومها.
كما تهتم القراءة بتقديم استشراف لمستقبل العلاقات ما بعد الانتخابات النيابية، بوصفها أول استحقاق سياسي وشعبي يلي "الحراك الشعبي" في العام 2019 وإطلاق صفارة الانهيار الاقتصادي والمالي.
وفي حين أعلن محمد بن سلمان رفضه السماع باسم لبنان في أي مجلس، ها هو يعود من بوابة الانتخابات النيابية، فما هي حظوظ فؤاد السنيورة في خلافة سعد الحريري؟ وهل يكفي دعم الرياض لحزب القوات اللبنانية؟ وما هو مصير القاعدة السنية والفراغ الناتج عن إبعاد سعد الحريري؟
أسئلة كثيرة سنحاول خلال حلقاتنا القادمة الإجابة عنها.
ارسال التعليق