أهالي القطيف يفزعون لمساندة أهالي العوامية، والسلطات تتوعد المُساندين بالعقاب!
تفاقمت الأزمة الإنسانية التي يعيشها أهالي العوامية بعد اضطرار الآلاف منهم للنزوح إلى البلدات والمناطق المجاورة, وقد عمد أهالي القطيف إلى تشكيل لجان تطوعية أهلية بشكل طارئ للعمل على الحدّ من الأزمة الإنسانية التي تمًر بها البلدة وذلك بعد أن دفعت السلطات السعودية بنحو 23 ألفاً من سكان العوامية إلى النزوح باتجاه البلدات والمناطق المجاورة تحت وطأة القصف المدفعي العنيف والرصاص الثقيل، بعد فرض قوات الطوارئ الخاصة السعودية حصاراً خانقاً على البلدة منذ 3 أشهر بحجة وجود مسلحين ثم قطعت التيار الكهربائي عن عدد من أحيائها، وسرعان ما تابعته باجتياح عسكري عنيف استخدمت فيه المدافع الثقيلة وقذائف الآر بي جي والقنابل الحرارية المحرّمة دولياً.
وامتدّت الحملة العسكرية الممنهجة ضد أهالي العوامية إلى منصات التواصل الاجتماعي كتويتر والفيس بوك، حيث يعمل “الجيش الإلكتروني” التابع للداخلية السعودية بكثافة على تسويق مصطلحات طائفية مسيئة للشيعة وينشر توصيفات عنصرية أشهرها “الروافض، أبناء المتعة، عملية تطهير العوامية، محو العوامية، وسحق العوامية”.
وقد أدّى الاجتياح الأخير إلى مصرع 12 مدنياً خمسة منهم من العمالة الوافدة ليرتفع عدد الضحايا إلى 26 شهيداً منذ بدء الحصار على البلدة فجر العاشر من مايو الماضي, بالإضافة إلى إصابة وجرح ما يزيد على الـ70 مدنياً حسب رصد ومتابعة نشطاء محليون.
أهالي القطيف يفتحون بيوتهم ومراكزهم تضامناً مع معاناة العوامية
أكثر من أربعة آلاف أسرة بما يعادل 23 ألف شخص هُجِّرت قسراً من العوامية خلال الأيام العشرة الماضية مما استدعى تشكيل لجان أهلية طارئة في مختلف بلدات وقرى القطيف لاحتواء الأزمة عبر توفير المسكن والملبس والمؤونة الغذائية والخدمات الصحية، وقد شاركت مختلف فئات المجتمع القطيفي في مساندة أهالي العوامية النازحين وتخفيف معاناتهم.
لم يكتفِ أهالي المناطق المجاورة للعوامية بفتح بيوتهم وتأمين متطلبات الأسر المُهجرة والهاربين من جحيم الدمار وانفجارات القذائف وحِمم الرصاص التي تطلقها القوات السعودية بشكل مكثف طوال ساعات اليوم ليلاً ونهاراً, بل امتد ذلك لفتح وتجهيز بعض الحسينيات ومقرّات الجمعيات الخيرية وتزويدها بالأثاث والحاجيات اللازمة لتخدم النازحين كمأوى مؤقت.
السلطات تمنع أي نشاط تضامني مع المهجرين من أهالي العوامية
السلطات السعودية أصدرت من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية عبر فرعها في القطيف تحذيرات وأوامر مباشرة تمنع الجمعيات الخيرية في القطيف من مساعدة الأسرة النازحة من العوامية بحجة عدم دخول أهالي العوامية ضمن النطاق الجغرافي لعمل تلك الجمعيات، فيما عمدت وزارة الداخلية إلى إرسال فرق من المباحث العامة إلى بعض الجمعيات لتتأكد من قيامها بإخراج جميع الأسر اللاجئة في مقراتها.
وذكر مصدر محلي لـ“مرآة الجزيرة” أن بعض أهالي القطيف أعلنوا في وسائل التواصل الاجتماعي عن استعدادهم لتوفير مساكن للأسر المُهجرة من العوامية سواء في بيوتهم أو عن طريق التكفل بدفع تكاليف الإيجار للمساكن والشقق المستأجرة إلى حين تمكنهم من العودة الآمنة إلى منازلهم في العوامية -تحتفظ مرآة الجزيرة بأسمائهم-, الأهالي أكدوا أن السلطات السعودية رصدت أسماء المتبرعين والمساندين وقامت باستدعاء العشرات إلى فرع المباحث ببلدة عنك، فيما استدعي آخرون إلى مقر محافظة القطيف وتم إجبارهم جميعاً على توقيع تعهدات بعدم إيواء أو مساعدة أي أسرة أو فرد من نازحي العوامية تحت أي ظرف وإلا سيتعرضوا للمحاسبة القانونية لمخالفتهم للأوامر الرسمية!
سيناريو السلطات السعودية في إيواء الأسر المُهجَّرة وتعويضهم
تلاقف الإعلام الرسمي والمحلي التابع للسلطات السعودية خبر تعويض أهالي حي المسوّرة وتوفير سكن للراغبين في مغادرة العوامية بهالة من التضخيم الإعلامي، فيما كشفت الصور التي حصلت عليها “مرآة الجزيرة” عن مساكن رديئة ذات مستوى متدني جداً تفتقد إلى النظافة والمعايير الصحية وتتنافى مع أبسط مقوَمات العيش الكريم.
وأشار بعض النازحين إلى اتباع المحافظة أسلوب مذل للراغبين في الحصول على سكن بديل كمفاجأتهم بتواجد الصحافة والتصوير التلفزيوني وإرغامهم على الإدلاء بتصريحات لا تعكس قناعاتهم ولا حقيقة الأوضاع داخل العوامية.
أحد النازحين من بلدة العوامية صرّح لـ“مرآة الجزيرة” كشاهد عيان عايش محاولات السلطات السعودية في إخفاء حقيقة تهجير أهالي البلدة والتهوين من المآسي والمعاناة التي يعيشها سكانها “الحكومة خلقت قصة التعويضات المهينة والمذلة التي لا تُمثل حتى جزء بسيطاً مما سلبتنا إياه عمليات التدمير والقصف الوحشي.. لقد خسرنا نحن أهالي العوامية مادياً ومعنوياً منذ بداية هذا الحصار، حُرقت وهُدمت بيوتنا وسياراتنا ومدارسنا.. دمّروا كل شيء في بلدتنا وحياتنا ثم قدموا لنا مساكن لا تصلح إلا كزرائب للحيوانات” حسب تعبير المتحدث نفسه.
لماذا العوامية؟
العوامية.. بلدة شيعية يعود تاريخ تأسيسها إلى ما قبل ظهور الإسلام حيث يربو عمرها على 3000 آلاف عام كواحدة من أقدم بلدات القطيف, وتحوي البلدة آثاراً في غربها حيث كنوز البرّ الممتد حتى قرية الأوجام, وفي شرقها حيث “الزارة” المدينة التاريخية المشهورة, وفي الوسط حيث حي “المسوّرة” الذي يتجاوز عمره الـ400 سنة, وتحاول السلطات السعودية هدم “المسوّرة” والتخلص منها بذريعة تنفيذ خطة تنموية ـ حسب زعم السلطات السعودية ـ فما يقول أهالي البلدة ونشطاء حقوقيون أن السلطة تستهدف “المسوّرة” ومن ورائها بلدة العوامية انتقاماً من احتضانها للحركات الاحتجاجية طوال 100 عام هو عمر الدولة السعودية الحالية, حيث برز دور “العوامية” في مشاركتها الفعالة والواسعة في الحراك المطلبي الذي انطلق بعد أحداث الربيع العربي بقيادة الشهيد الشيخ نمر باقر النمر الذي ولد وتربى في البلدة وما لبث أن برز كرمز شيعي, حيث أعدمته السلطات السعودية في الثاني من يناير2016.
وتجدر الإشارة إلى أن الخطاب الإعلامي السعودي شهد تغيراً ملحوظاً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بتقديم ذرائع ومبررات أمنية لإزالة الحي الأثري, ويردُّ الأهالي في العوامية بأن السلطة السعودية تمارس عملاً ممنهجاً لتهجيرهم ضمن مخطط أوسع يستهدف إجراء تغيير ديموغرافي في المنطقة.
فيما يشير باحثون سياسيون أن السلطات السعودية تستهدف إخلاء مناطق الشيعة الواحدة بعد الأخرى في القطيف والأحساء بهدف التوسع في عمليات استخراج الغاز والنفط, وإبعاد الشيعة عن المناطق الغنية بالثروات الهائلة والحساسة أمنياً بحكم تواجد كبرى الشركات العاملة في الصناعات النفطية.
6/8/2017
ارسال التعليق