إنتاجات سينمائية وشراكات مع مشاهير.. خطة سعودية جديدة لتحسين صورتها
أفكار خارج الصندوق، تتضمن شراكات مع مشاهير وإنتاجات سينمائية عالمية يجري تم تصويرها في جميع أنحاء السعودية، وبث حلقات برامج ترفيهية عالمية كبرى من أرض المملكة.
هكذا شملت خطة مكونة من 109 شريحة، تبحثها السلطات السعودية، منذ أسابيع، في مسعى إلى تغيير الصور النمطية عنها في الغرب، ولا سيما بعد قضية مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في 2018.
الخطة، التي لم يكشف عنها من قبل، وحملت اسم “Search Beyond”، تستمر لمدة 5 سنوات، وتنفذها شركة “إيدلمان” التي تعتبر إحدى أهم شركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة والعالم، حسبما كشف تقرير لصحيفة “بوليتيكو” الأمريكية.
وتوضح الخطة، التي جرى تقديمها باللغة العربية، المدى الذي كان السعوديون على استعداد للذهاب إليه للتخلص من الوضع “المنبوذ”، الذي وضعهم فيه الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، وآخرون في أعقاب اغتيال “خاشقجي”.
ومن خلال تلك الحملة، سيطور السعوديون شراكات مع المشاهير، ويبحثون عن الفرص التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاجات سينمائية عالمية يجري تم تصويرها في جميع أنحاء المملكة، وبث بعض حلقات برامج ترفيهية أمريكية كبرى من أرض المملكة ومن بينها برنامج “ذا ديلي شو”.
وتتضمن الخطة، إشراك مشاهير عالميين مثل “بريانكا شوبرا” و”دي جي ديفيد غوتا”، في مجلس إدارة الحملة، وذلك بالشركة مع مؤسسات وهيئات كبرى أخرى.
وعمدت شركة “إيدلمان” بتقسيم تكاليف العقد إلى 4 فئات: البحث والتخطيط والاستراتيجية، والعلاقات الإعلامية والشراكات الاستراتيجية، وتطوير خطة وسائل التواصل الاجتماعي والتوعية، وإدارة العملاء وإعداد التقارير.
وضمن هذه الفئات، تعهدت “إيدلمان”، من بين أمور أخرى، “بمراقبة المحادثات عبر الإنترنت والتغطية الإعلامية لتحديد الأصدقاء والمنتقدين”، و”بدء برنامج بناء العلاقات لجهات الاتصال الإعلامية القائمة في الولايات المتحدة”، واستضافة “اجتماعات العملاء الشهرية”.
وليس من غير المألوف أن تساعد الشركات في التواصل بين المؤثرين والحكومات الأجنبية.
وفي هذا الصدد يقول “بريان لانزا”، مدير الاتصالات السابق للفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، إن هذه الأنواع من الشراكات بين الحكومات والمشاهير أصبحت “أكثر تواترا”.
وأضاف: “لا يمكنك تجاهل تأثير المال؛ فالمشاهير سيجنون أموالا من خلال الترويج لحكومة أجنبية أكثر من صنع فيلم في هذه الأيام”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن حملات للعلاقات العامة، تقودها شركات أمريكية وعالمية لتحسين صورة المملكة.
فقد أنفقت السعودية، خلال السنوات الأخيرة، مبالغ طائلة من المال لتحسين صورتها على المستوى الدولي، مثل رعاية بطولة دولية جديدة للجولف (إل أي في)، واستمالة نجوما كبارا للمشاركة فيها مثل “فيل ميكلسون” و”داستن جونسون”، وأيضا شراء نادي نيوكاسل الذي يلعب في الدوري الإنجليزي.
كما أن لدى “إيدلمان” تاريخا من العمل في السعودية ومعها.
ففي عام 2020، سجلت “إيدلمان” لدى وزارة العدل لتمثيل الشركة السعودية للصناعات الأساسية، وهي شركة تنتج مواد كيميائية ومواد أخرى مملوكة في الأغلب للحكومة السعودية، وذلك في صفقة بلغت قيمتها حوالي 6.7 ملايين دولار.
كما أنها أدت أعمال العلاقات العامة لشركة “نيوم”، التي تعمل على تطوير “المدينة الذكية” ضمن “رؤية 2030″، التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”.
ويؤكد العقد الذي وقعته “إيدلمان” مع الحكومة السعودية على المواقف المتغيرة للشركات الأمريكية تجاه السعودية؛ فبعد أن رفض متجر الضغط والاتصالات (BGR) التعاون مع الرياض في عام 2018، عاد ليعقد في مايو/أيار الماضي، اتفاق تعاون لتمثيل منظمة رابطة العالم الإسلامي غير الحكومية، والتي تعد المملكة “العضو الرئيسي المساهم فيها”.
وعند سؤاله عن سبب تغيير الشركة لموقفها، أجاب المتحدث باسم (BGR) “جيف بيرنباوم” أن رابطة العالم الإسلامي منظمة غير حكومية/ وليست جزءا من الحكومة السعودية، مضيفا: “لطالما كنت مدافعًا عن التسامح الديني ومعارضًا التطرف الديني”.
كما وقع عدد من الشركات الأخرى عقودا مع المملكة؛ ففي وقت سابق من هذا الشهر، قدمت “إيدلمان” أيضا أوراقا إلى وزارة العدل، وهو أمر مطلوب بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، لإجراء علاقات عامة لشركة إعلانات مقرها الرياض تعمل لصالح وكالة الذكاء الاصطناعي للبيانات السعودية.
وتبلغ قيمة العقد الذي تصل مدته إلى 3 أشهر نحو 208 آلاف دولار.
لكن العقد الحالي لـ”إيدلمان” مع الرياض، قد يكون من أكثر العقود المربحة بين شراكاتها مع المملكة في السنوات الأخيرة.
فبالإضافة إلى استهداف الجمهور في الولايات المتحدة، ستستهدف الحملة الجديدة أسواقا في الشرق الأوسط والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وبقاع أخرى من العالم.
يبدو أن المؤثرين واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، سوف تكون جزء أساسي من هذا الجهد.
وكجزء من الحملة، ستنشئ المملكة قاعدة فعلية للمؤثرين، تُعرف باسم “House Beyond” وتُبث على الأرجح من شبكة “MTV”.
كما كشفت شرائح الخطة أن الشركة كان تعمل بالفعل على إطلاق شراكة مع مهرجان الفن العالمي “آرت بازل” (Art Basel)، وأنها من الممكن أن تفعل الشيء نفسه مع مهرجانات “كوتشيلا” و”بونارو” و”الجنوب الغربي”.
ومن بين المؤسسات الأخرى، اقترحت الشركة أن يكون السعوديون شريكًا لمتحف “متروبوليتان” للفنون، لكن كبير مسؤولي الاتصالات في المتحف “كين وين”، قال إنه لم يكن على علم باقتراح الشركة،
ولم يرد عندما سئل عما إذا كان المتحف سيقبل الأموال السعودية.
وتقترح الحملة أن يطور السعوديون شراكات مع المشاهير العالميين والمؤسسات الكبرى واغتنام الفرص التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاجات يتم تصويرها في جميع أنحاء المملكة، رغم أن الخطة أشارت إلى وجود بعض العقبات في تحسين صورتها مثل “عدم وجود تنوع ثقافي واحترام الاختلافات”.
وفي مجال آخر، وضع “إيدلمان” نموذجًا للرسم البياني لمخاطر السمعة العالمية التي قد يواجهها السعوديون، ومن بينها: “قضايا حقوق المرأة”، “انتهاكات حقوق الإنسان”، “آراء المحافظين” و”تقييد الحريات الدينية والتعصب”.
وأشار موظف سابق في الشركة رفض الكشف عن هويته، إلى أن اختيار المشاهير مثل الممثلة بريانكا شوبر التي تتميز بالنشاط النسوي لتحسين صورة المملكة من المحتمل أن يكون إستراتيجيًا.
ولفت إلى أن المملكة كانت تحاول كسب ود جمهور نسائي وسط انتقادات طويلة الأمد لسجلها في مجال حقوق المرأة.
من جانبه، رفض متحدث باسم شركة “إيدلمان” تقديم تفاصيل إضافية عن صفقتها مع السعودية، والتي يتقاضون مقابلها 2.9 مليون ريال (787 ألف دولار)، على مدار عام.
وقال المتحدث: “نظرا لكون الاتفاقيات سرية مع جميع عملائنا، فلا يمكننا التعليق بما يتجاوز المعلومات المتاحة للجمهور”.
وفي تعليقه، يقول مدير المناصرة في منظمة “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط”، “سيث بيندر”: “يحاول بن سلمان تبييض سمعته خلال جلب المشاهير لإقامة حفلات موسيقية ومن خلال الغسيل الرياضي عن طريق شراء أندية كرة القدم، وعلى أي حال يمكنه محاولة إعادة تأهيل سمعته وصورته”.
ويتابع: “أعتقد أن زيارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن إلى السعودية، هي هذا النوع من إعادة التأهيل الكامل النهائي”.
فيما يرى الباحث في “معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول”، “بن فريمان”: “أعتقد أن الحملات (التي قادت شركات العلاقات العامة والمشاهير) جزء كبير من سبب تمكن بايدن من القيام بهذه الرحلة”.
ويوضح: ” أصبح ذلك ممكنا بسبب شركات مثل إيدلمان والأشخاص الآخرين الذين يعملون لصالح السعوديين”.
ارسال التعليق