
الدور الخفي لآل سعود في إقامة الكيان الصهيوني
في الفصل السابع من من كتاب “دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة الإسرائيلية” يتصدا الناشران (مركز الجزيرة للدراسات والتوثيق ومركز الحرمين للإعلام الإسلامي) للتطرق إلى الدور الخفي لآل سعود وما مثله من أداة لتنفيذ المخطط البريطاني للتخلص من الشريف حسين وتقسيم المنطقة.
فكان عبد العزيز آل سعود رجل كل المناسبات والذي يقبل القيام بأي دور في مقابل استعادة عرش أجداده، واختياره لم يأت من فراغ فهناك علاقة بين بريطانيا وتلك الأسرة والتي علا نجمها وبدأت في الظهور كقوة منذ عام 1745، وهو العالم الذي سببت آراء الشيخ محمد بن عبد الوهاب إزعاجا للعلماء والمشايخ في منطقة العينية بالجزيرة العربية لمهاجمته البدع والخرافات التي أصبحت في حكم العبادات بل إنه أمر بهدم الأضرحة والقبور التي أصبحت بالنسبة للكثيرين في حكم العبادات وهاجم العلماء. الأمر الذي اعتبره العلماء والمشايخ بداية لفقدان مكانتهم الاجتماعية، وخوفاً على وضعهم طالبوا عثمان بن معمر حاكم العينية بطرده لانتشار آرائه وحركته لدرجة تهديد حاكم الإحساء بوقف المعونة المالية عن حاكم العينية، وأمام هذا الضغط اضطر عثمان بن معمر إلى طرد محمد بن عبد الوهاب والذي لم يجد مكاناً يلجأ إليه سوى الدرعية مسقط رأس آل سعود، وعندما وصل إلى الدرعية زاره محمد بن سعود واشترط عليه عدم مغادرة الدرعية وعدم معارضته في فرض ضرائب مقابل السماح له بالإقامة. وقد وافق ابن عبد الوهاب على الأولى ولم يعط إجابة في الثانية.
ومنذ ذلك التاريخ وجد كل من الطرفين ضالته المنشودة، فالشيخ أصبح له مكان مستقر يساعده في نشر دعوته وآل سعود وجدوا فيه المبرر لتنفيذ أحلامهم السياسية، فالعلاقة بين الحركات السياسية والدينية علاقة تبادلية. فالحركة الدينية تسعى دائما لطلب الحماية في مقابل تقديم المبرر الشرعي في تنفيذ سياساتها.
من هذه العلاقة بدأ نجم آل سعود يعلو وبدأ نفوذهم السياسي يمتذ إلى القبائل المجاورة بعد أن اعتنق الكثيرون آراء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأصبح أعداء الوهابية أعداء الإسلام، وبذلك نجحت الحركة وتحولت إلى أيديولوجية دولة حيث أتاحت لعبد الوهاب الدعم والحماية وقدمت لابن سعود الأيديولوجية والأتباع لتنفيذ أهدافه.
ومن هنا بدأ آل سعود في تأسيس أول دولة لهم في عام 1795 عندما تمكنوا من القضاء على دولة بني خالد في منطقة الإحساء. وفي هذا الوقت كانت علاقة بريطانيا بآل سعود علاقة لا تأخذ أي شكل رسمي سواء من ناحية العداء أو السلم فالإنجليز كانوا يتجنبون الصدام مع الوهابيين طالما كان بريدهم الصحراوي يسير في أمان، ولكن هذه العلاقة تدهورت عندما قرر الوهابيون مهاجمة الكويت والتي كانت بريطانيا قد نقلت إليها مقر بريد شركة الهند الشرقية ولكن قبل وصول الوهابيين كان "نايستي" رئيس الوكالة في شركة الهند قد تمكن من إنزال طرادين بريطانيين إلى بر الكويت لرد هذا الهجوم. وأحدث هذا الهجوم خسائر كبيرة للوهابيين وعزموا على مواصلة الهجوم على البريد الإنجليزي وارتفعت حدة العداء وأحس الإنجليز بالخطر عندما اعتنقت قبيلة القواسم التي كانت تحترف أعمال القرصنة في المنطقة العربية العقيدة الوهابية وأصبحت أعمال السلب والقرصنة نوعا من الجهاد بعد أن قرر زعيم القواسم تأدية خُمس الغنيمة إلى الحاكم الوهابي "آل سعود"، ومع مرور الأيام أصبحت مهاجمة القواسم للسفن في منطقة الخليج لا تهدد انجلترا فحسب بل أصبحت تهدد أيضاً الخليفة العثماني والذي كان خادما للحرمين ومثل هذه الأمور تقلل من مكانته وسط المسلمين.
الأمر الذي دفع الخليفة العثماني إلى تكليف الوالي "محمد علي" حاكم مصر للقيام بحملة تأديبية للقضاء على الوهابية وعندما بدأت قوات محمد علي في التحرك ناحية الجزيرة هرع الأمير سعود بن عبد العزيز إلى المفوض البريطاني في منطقة بوشهر ليخبره أنه منع أتباعه من مهاجمة سفن بريطانيا، ولكن بريطانيا رفضت أن تبرم معه أية معاهدات بعد أن لاحظت أن قوات محمد علي في طریقها إلى سحق الوهابيين وقبل وصول قوات محمد علي إلى معقل آل سعود كان سعود بن عبد العزيز قد توفى وخلفه ابنه عبد الله. وفي عام 1814 وصلت قوات محمد علي إلى الدرعية حيث استسلم عبد الله بن سعود إلى قوات إبراهيم باشا حيث تم اقتياده إلى مقر الخلافة العثمانية وأعدم بعد أن شهر به لمدة ثلاثة أيام وبإعدامه انهارت أول دولة لأسرة آل سعود وظهرت الدولة الثانية لآل سعود عقب اتساع نفوذ أسرة محمد علي بعد أن تمكن إبراهيم باشا من توحيد الإمارات العربية بشكل لا يتفق مع مصالح بريطانيا في منطقة الخليج وزاد من خوف بريطانيا على مصالحها رفض المصريين التعامل أو الدخول في اتفاقيات ثنائية مع بريطانيا.
حدث هذا في وقت بدأت بشائر تمرد محمد علي على الخلافة العثمانية تظهر، الأمر الذي دفع بريطانيا إلى تحريك الأسطول البريطاني في مواجهة خورشيد باشا القائد المصري لمنعه من الاستمرار في التقدم وتوحيد الإمارات العربية لدرجة أن بريطانيا توسطت للخليفة العثماني للإفراج عن "تركي" ابن عبد الله بن سعود من السجن المصري في الوقت الذي كانت القوات المصرية قد دمرت الدرعية وتركت إقليم نجد بلا حاكم. الأمر الذي أحدث نوعاً من الفوضى حتّى ظهر رجل يدعى محمد بن معمر استغل هذه الفوضى وأجبر غبوش أغا الحاكم العثماني على تولية منصب "إمارة نجد" وهذا الحكم لم يدم طويلا عقب الإفراج عن تركي بن عبد الله والذي عاد ليؤسس الدولة السعودية الثانية، حيث بدأ في إعداد وتنظيم الفلول الهاربة من الوهابيين حيث تمكن من قتل محمد بن معمر والاستيلاء على الحكم لتقام بذلك الدولة السعودية الثانية. ولكن هذه الدولة لم تدم كثيرا بعدما قرر فيصل ابن تركي الوقوف أمام محاولات خورشيد باشا توسيع النفوذ المصري على منطقة الجزيرة العربية بإيعاز من بريطانيا، والتي قررت دعمه لمنع توسيع النفوذ المصري والذي كان يرى أن ظهور إمارة جديدة لآل سعود سوف يحول دون توسيع النفوذ المصري. وفشلت محاولات خورشيد باشا في إقناع فيصل بن تركي بالوقوف معه ضد الإنجليز ولكن تجربة السجن علمته هو وأسرته أن الالتصاق بدولة قوية هو السبيل الوحيد للاستمرار في الإمارة والحكم ورفض التحالف مع محمد علي.
ويعد فيصل أول حاكم في أسرة آل سعود يستطيع إبرام اتفاق مع بريطانيا لمنع أعمال السلب والنهب كما أنه أول حاكم يستطيع التعهد لبريطانيا بالتوسط بینها وبين الأمراء العرب لإقامة علاقات ودية. لذا فقد أحدث الدعم البريطاني إلى فيصل زيادة العداء بين خورشيد باشا وفيصل، الأمر الذي أدى إلى صدام بينهما انتهى هذا الصدام بموت فيصل وحدوث خلافات حول تولي الإمارة بين ابنيه سعود وعبد الله، والذي انتهى بانهيار الدولة الثانية عام "1885" ورحيل الأسرة کلها إلى الكويت لتقيم في ضيافة مبارك الصباح.. ومن هناك تبدأ صفحة جديدة من صفحات أسرة آل سعود وهي المرحلة الخاصة بتأسيس الدولة الثالثة وهي الموجودة حتّى الآن.
عقب انهيار الدولة السعودية الثانية لجأت الأسرة بأكملها إلى الكويت في ضيافة حاکمها مبارك الصباح وأصبح حكم نجد كله في يد آل الرشيد. وكانت لمبارك الصباح طموحات في أن يكون له دور في مجريات الأمور والأحداث وأراد أن يوسع نفوذه في منطقة الجزيرة العربية، وكان يرى أن الارتباط ببريطانيا أفضل له من تركيا. لذا فقد قام بمحاولة لمساعدة آل سعود في استعادة حكمهم في نجد، وذلك بإعداد جيش قسم إلى جناحين الأول يقوده مبارك الصباح والثاني يقوده أحد قواده على أن يتولى مبارك الصباح إلهاء ومناوشات آل الرشيد في مقابل قيام قائده الحسيني باحتلال الرياض وتسليمها إلى آل سعود. وفي عام "1901" تحركت القوات للقضاء على عبد العزيز الرشيد حاكم نجد، وقد فشلت محاولة الهجوم وفرت قوات مبارك الصباح وآل سعود من أمام قوات آل الرشيد وأصبح عرش مبارك الصباح مهددا لولا تدخل بريطانيا في الوقت المناسب وإقامتها حائطا دفاعياً حول حدود الكويت الأمر الذي دفع آل الرشيد إلى التراجع أمام الدفاع البريطاني وسميت هذه المعركة معركة الصريف والتي أضافت إلى آل سعود خبرة ودليلاً على ضرورة الارتباط بدولة عظمى لضمان بقائهم، وقربت ولفتت نظر البريطانيين إلى إمكانية استخدام هذه القبائل للحد من النفوذ التركي والذي بدأ بتولي جمعية الاتحاد والترقي الحكم في تركيا وإعادة اهتمامها بالمناطق التي كانت تابعة لها من الناحية الاسمية. وزاد من أهمية أسرة آل سعود والصباح هو التقارب الشديد بين ألمانيا وتركيا وقيام الألمان بالإعداد لمشروع السكة الحديد لربط الحجاز بالإضافة إلى التقارب بين ألمانيا وروسيا وتسوية الخلافات بينهم، هذا المناخ النفعي دفع بريطانيا دفعا لإعادة أسرة آل سعود إلى حكم الرياض في عام "1902" بقيادة عبد الرحمن آل سعود والد عبد العزيز آل سعود.
وكل هذا الدعم البريطاني كان يتم بشكل غير مباشر وعبر مبارك الصباح واستمرت تلك العلاقة تأخذ شكلاً غير مباشر حتّى افتتاح خط سكة حديد الحجاز عام "1908"، وبافتتاح خط السكة الحديد بدأت المخاوف البريطانية تزداد من نمو الوجود الألماني العثماني في منطقة الخليج العربية حتّى جاء عام "1911" وهو تاريخ الحرب التركية ضد الطليان في طرابلس وحروبها في منطقة البلقان. واستغلت بريطانيا هذه الحرب وشجعت آل سعود ودعمتهم للقيام بالإغارة على منطقة الإحساء لاحتلالها في مايو "1913" وفرحا بالنصر أرسل ابن سعود في 13 يونية 1913 رسالة إلى بريطانيا جاء فيها: "بالنظر إلى مشاعري الودية تجاهكم أود أن تكون علاقاتي معكم كالعلاقات التي كانت بينكم وبين أسلافي".
وعقب هذه الرسالة كتب "برسي كوكس" ضابط المخابرات الإنجليزية تقريرا إلى رئاسته جاء فيه: " إن تجاهل محاولات الأمير عبد العزيز المتكررة سوف تحول نظرته إلى نظرة عدائية تجاه إنجلترا"، وأمام اتساع النفوذ التركي في منطقة الجزيرة العربية والتقارب الألماني التركي وخط السكة الحديد الجديد وتقارير المخابرات البريطانية، كل هذه العوامل مجتمعة دفعت بريطانيا في مارس 1914 إلى توقيع اتفاق بینها وبين الأمير عبد العزيز آل سعود جاء فيه:
1 ـ تقوم بريطانيا بالمحافظة على الخليج ومنع التعدي على الأمير عبد العزيز آل سعود.
2 ـ يعاد النظر في فرص أخرى في مسألة إدخال الأسلحة.
3 ـ يحافظ الأمير عبد العزيز على الرعايا الإنجليز وتجارتهم في الخليج.
وبموجب هذا الاتفاق سلمت بريطانيا بالأمر الواقع وأعلنت أن عبد العزيز آل سعود هو والي نجد وتم منحه لقب باشا وصدر فرمان أن تبقى نجد بالوراثة بين أبناء عبد العزيز وهكذا أصبح لأسرة آل سعود معاهدة واتفاق ومعاهدة حماية بريطانية.
وتاريخ توقيع هذه المعاهدة هو بداية العلاقة المباشرة بين بريطانيا وأسرة آل سعود والتي كانت دائما ومنذ ذلك التاريخ تزداد قوة كلما ساءت العلاقة بين الشريف حسين وبريطانيا.
ارسال التعليق