
الدور العلني لآل سعود في تنفيذ وعد بلفور
في الفصل التاسع من كتاب "دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة الإسرائيلية" تطرق الناشرات (مركز الجزيرة للدراسات والتوثيق ومركز الحرمين للإعلام الإسلامي إلى بداية الدور العلني لآل سعود في تنفيذ وعد بلفور وإقامة وطن قومي لليهود.
ويلفت الكتاب إلى أن تلك المرحلة تختلف عن سابقاتها، فالمرحلة السابقة كان دور آل سعود دوراً خفياً يتسم بالسرية، حرصت بريطانيا على إخفاء دورها في تحريك آل سعود ضد القضية العربية. ولكن وعقب تسليم جدة دخلت العلاقة بينهما مرحلة العلانية وأصبح ابن سعود يجاهر بولائه للإنجليز وتنفيذ رغباتهم، وبدأت بريطانيا على الجانب الآخر تتعامل معه على أنه هو بابا للإسلام.
وجاء المؤتمر الإسلامي الأول الذي عقد في عام 1926 تحت شعار تخليص العالم الإسلامي من الاستعمار هو أول اختبار لموقف عبد العزيز آل سعود من قضية فلسطين، وقد بدأ المؤتمر بالخطبة الافتتاحية والتي فضحت حقيقة عبد العزيز آل سعود والتي قال فيها: "إنكم أحرار اليوم في مؤتمركم هذا وراء ما يفيدكم به دينكم ومن التزام أحكامه إلا بشئ واحد وهو عدم الخوض في السياسة الدولية وما بين الشعوب وحكوماتها من خلاف فإن هذا من المصالح الوضعية الخاصة بتلك الشعوب".
ثم استكمل خطبته طالبا من الوفود أن تقتصر مناقشات المؤتمر حول بحث تحسين الطرق المؤدية بقوله أن استيلاءه على الحجاز أمر جازم.
وبهذه الخطبة أعلن عبد العزيز آل سعود موقفه بصراحة من قضية وضع فلسطين، ولم تكن الخطبة هي الإعلان الوحيد عن دور آل سعود في استغلال المؤتمر الإسلامي.
بل إنه عندما اجتمعت الوفود الإسلامية أمام الكعبة اقترح الشيخ عبد الله بن بلهيد أن تقسم الوفود الإسلامية الحاضرة المؤتمر على أنهم سوف يسعون بكل قواهم لتخليص الأماكن المقدسة من النفوذ الأجنبي وبمجرد اقتراح هذا القسم على الوفود وشرح أغراضه ورد الفعل الذي سوف يحدثه في نفوس المسلمين حين يتصل إلى مسامعهم وقتها، أظلمت الدنيا في عيني ابن سعود وحبذ مستشاريه لتأجيل البتّ في هذا الاقتراح إلى العام المقبل مؤكدا أن النية موجودة لمثل هذا العمل.
وكانت أكثر المواقف بحاجة عندما طرح مستشارو عبد العزيز آل سعود فكرة تنصيب ابن سعود منصب بابوية الإسلام وذلك تحت شعار أن ابن سعود دان له حكم الحجاز لذا وباعتباره حارسا للأماكن المقدسة فلابد أن تكون له سيادة نوعية على العالم الإسلامي.
وهنا تدخل الشيخ الظواهري ممثل مصر ليفضح حقيقة علاقة آل سعود بالغرب، وبدأ كلامه بنقد خطبة الملك ابن سعود وكانت بدايته مقولته أننا لا نقبل تدخلاً أجنبياً في هذه البلاد الطاهرة أيا كان نوعه، وكان رد الشيخ الظواهري على هذه الفقرة أن كلمة أجنبي هذه مجملة فإذا كان المراد بها من يدين بالإسلام فذلك ما يؤيده فيه كل العالم إلا أن تطبيق ذلك مع الجمع بين سلطنة نجد ومملكة الحجاز يحتاج إلى دراسة المعاهدات التي عقدتها نجد مع الدول الأجنبية خشية أن يكون فيها ما يحمل إقرار الجميع بوجه من وجوه التدخل الذي نهى عنه الملك، وضرب مثلاً لذلك بأنه إذا فرض أن لدولة أجنبية حق التدخل في تعيين سلطان نجد من بين آل سعود كان معنى ذلك أن لهذه الدولة حق التدخل في تعيين ملك الحجاز ما دام سلطان نجد هو ملك الحجاز.
وقد سببت هذه الاستفسارات من الشيخ الظواهري إحراجا لابن سعود لدرجة تجنيده لكل مستشاريه للتوسط لدى الشيخ الظواهري لسحب مذكرته مقابل سحب الملك خطبته الافتتاحية.
وقد سحب الملك خطبته وسكت الشيخ الظواهري وماتت قضية المقدسات في فلسطين.
وقد تنبه الإنجليز وقتها وابن سعود بضرورة تعديل معاهدة الحماية البريطانية على الحجاز وكافة اتفاقياتها مع ابن سعود.
لأن المؤتمر كشف إمكانية ثورة المسلمين من أجل الأماكن المقدسة، لذا فقد قامت بريطانيا بتعديل معاهدة 1915 التي من شأنها إثارة مشاعر المسلمين وإبرام معاهدة جديدة تحقق لابن سعود قدراً من الوضع المتميز مع عدم الالتزام ناحيته بأية تعهدات حول وضعها في البلاد العربية خاصة مسألة فلسطين، حتّى لا يحدث لها مثل الذي حدث من الشريف حسين. وبتلك المعاهدة أصبح ابن سعود بابا للإسلام لوقوع الأماكن الإسلامية تحت حمايته وأطلق لبريطانيا العنان لتحقيق حلمها بزرع جرثومة على جانب قناة السويس لتأمن ممتلكاتها عبر البوابة السرية.
وبذلك بدأ ابن سعود بلعب دور جديد يقوم على البعد كل البعد على ما يتعارض مع مصالح بريطانيا ومخططها في المنطقة العربية، ولعل موقفه من ثورة البراق التي وقعت احداثها عام "1929" هو خير دليل على هذا الكلام.
ثورة 1936:
إن ما حدث عام "1936" يعدّ أخطر دور لعبه ابن سعود في خدمة اليهود، وهذا العام هو الذي شهد قيام أول ثورة فلسطينية حقيقية بعد أن تأكد الفلسطينيون أن عدوهم الأول هو بريطانيا. وقد اشتعلت الثورة ولاقت تأييداً من كافة دول العالم الإسلامي، وأصبحت بريطانيا في موقف لا تحسد عليه لدرجة أنها بدأت تعيد حساباتها بشأن وضع فلسطين بعد أن بدأت رياح التمرد تظهر بين المسلمين وتؤيد الثورة.
هنا لجأت بريطانيا إلى بابا المسلمين وحامي الحرمين وبدلا من أن يعلن تأييده للثورة وإعلان الجهاد من فوق منبر الحرمين نجد أنه يلعب أخطر دور في تاريخ المسلمين، فقام يوم 13 يوليو 1936 بإرسال رسالة إلى عبد الله بن الشريف حسين أمير الأردن يقترح فيها التقدم لتوجيه نداء عام يشترك فيه سموكم وجلالة الأخوين الملك غازي والإمام يحيى ندعو فيه أهل فلسطين لتوقف الاضطرابات ليفسحوا للحكومة البريطانية المجال لإنصافهم في جو هادئ.
واستجابت اللجنة العربية وأهل فلسطين لنداء بابا الإسلام وتوقفت المظاهرات وهدأت إلى الحالة التي استطاعت فيها بريطانيا توسيع قبضتها وإحكام سيطرتها على البلاد وانتظر أهل فلسطين نظر بريطانيا إليهم بعين العطف حول مطالبهم.
وكان رد بريطانيا حول مطالب أهل فلسطين هو ما قيل تحت قبة مجلس العموم في 4 نوفمبر 1936 والذي أعلنه وزير المستعمرات البريطاني والذي جاء فيه: لم تتقدم حكومة صاحبة الجلالة بأي طلب على الإطلاق إلى أن من الحكام العرب للمساعدة أو المشورة فيما يتعلق بفلسطين وأن الحكام العرب قد أبدوا تلقائيا وبالطرق السلمية رغبتهم في استخدام نفوذهم لدى عرب فلسطين لصالح السلام، وقد أخبروا رداً على استفساراتهم بشأن موقف حكومة صاحبة الجلالة من القضية أن الحكومة ليس لديها اعتراض على أن يوجه الحكام العرب نداء إلى عرب فلسطين بإيقاف الاضطرابات وحملات العنف شريطة أن يكون غير مشروط، ولم تقدم حكومة صاحبة الجلالة أية تعهدات أو دعوة صريحة أو ضمنية، كما أنه كان واضحا تمام الوضوح للحكام المعنيين أن حكومة صاحبة الجلالة غير مستعدة للدخول في أي نوع من التعهدات على الإطلاق.
وقد أكدت الحكومة البريطانية على أهمية الدور الذي لعبه ابن سعود أثناء الحرب العالمية في تقرير 28 أبريل 1943 والذي أعده تشرشل والذي جاء فيه:
"إن الساسة العرب باستثناء ابن سعود والأمير عبد الله لم يبدوا أي تعاطف نحو بريطانيا أثناء الحرب".
أما عن الدور الذي لعبه ابن سعود أثناء الحرب فكان أوله هو إرسال ابنه على رأس قوة إلى مرسي مطروح للحرب بجانب بريطانيا، في وقت كان يستطيع أن يقطع كل خطوط الإمداد عن بريطانيا لموقعه المتميز.
وأثناء الحرب العالمية الثانية أعلن المسلمون العصيان على بريطانيا وهاجموا القوات البريطانية وكان ينقصهم الدعم المعنوي من حامي الحرمين إلا أنه لم يستطع الإقدام على أية خطوة تهدد حكومة صاحبة الجلالة.
وفي العراق وعلى بعد كيلو مترات منه قامت الثورة العراقية بقيادة رشيد غالي وبدلا من تقديم العون لهم أغلق حدوده ورفض تقديم أية مساعدات وكانت آخر أدوار ابن سعود في خدمة بريطانيا لصالح اليهود هو ما حدث في 8 يونية 1946 أثناء انعقاد دورة طارئة للجامعة العربية لمناقشة الاقتراحات والإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة موقف لجنة البريطانية الأمريكية الخاصة بتحقيق وعد بلفور وإقامة وطن قومي لليهود.
في هذا التاريخ استقر رأى الوفود العربية في فندق بلوردان بسوريا على أن:
1 ـ الحالة في فلسطين تتطور إلى صدام عنيف وقد ينشأ عن ذلك أن يتخذ عرب فلسطين لأنفسهم الحيطة بترتيبات مماثلة ويقع الاحتكاك بين القوتين ولن تستطيع الحكومات العربية منع شعوبها من التطوع بجميع الوسائل لنصرة عرب فلسطين بالمال والسلاح والمجاهدين.
ثم كان الاقتراح الثاني الخاص بإلغاء ما يكون لبريطانيا وأمريكا من امتيازات داخل الوطن العربي هو أهم الاقتراحات.
وقتها أرسل ابن سعود رسالة إلى مندوبه رافضا تلك الاقتراحات متعللاً أن جلالته يرى التزام سياسة الحذر وألا تغامر الدول العربية بأمر لا تثق بنتائجه.
تغير القبلة ناحية واشنطن:
عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية خرجت بريطانيا مدينة للولايات المتحدة الأمريكية بـ 450 مليون جنيه بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة قامت بإلقاء قنبلتي هيروشيما ونكازاكي لتجمع بذلك بين القوة العسكرية والاقتصادية، فكان من الطبيعي أن تتلاشى الامبراطورية البريطانية ويغيب نجمها أمام القوة الأمريكية وتسلم لها میراثها كله في الشرق، لذا كانت أول خطوة اتخذها ابن سعود هو تغيير قبلته من لندن إلى واشنطن ليبدأ في تنفيذ نفس الدور الذي لعبه لصالح بريطانيا في الماضي. وكانت البداية في يناير 1945 عقب نهاية مؤتمر يالطا عندما فاجأ الرئيس روزفلت المستر تشرشل بعزمه الطيران إلى البحيرات المرة بمصر لمقابلة الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود وهيلا سلاسي. وفي اتجاه ميناء جدة تحركت مدمرة أمريكية لنقل ابن سعود إلى الإسماعيلية لمقابلة روزفلت لتصل إلى الإسماعيلية يوم 14 فبراير وعلى ظهر الطراد الأمريكي أعلن روزفلت تبعية ابن سعود لأمريكا وإنهاء سيطرة ونفوذ بريطانيا عليه، الأمر الذي دفع تشرشل أن يقول مقولته المشهورة: "إن هناك مؤامرة لنسف الامبراطورية في تلك الجهات".
وأصبح عبد العزيز يؤدي نفس الدور الذي كان يؤديه لصالح بريطانيا، وعندما أبدى أصحاب شركات التنقيب عن البترول مخاوفهم من خطورة تورط الولايات المتحدة الأمريكية في المشكلة العربية الفلسطينية، رد الرئيس الأمريكي على مخاوفهم بنص رسالة مرسلة إليه من عبد العزيز آل سعود في عام 1943 طلب فيها ابن سعود من الإدارة الامريكية أن تستشيره قبل الإقدام على أي عمل يتعلق بفلسطين وردت الحكومة الأمريكية عليه بأنها لم تتخذ أي خطوة في تأييد إقامة الوطن اليهودي دون مشورته في 26 آبار 1943. هذه الرسالة كانت اللغز الذي ظل لسنوات يبحث عن إجابة على التساؤل حول كيفية قيام دولة يهودية بمباركة أمريكية رغم مخاوف أصحاب شركات النفط على مشاريعهم، وكانت رسالة آل سعود إلى الإدارة الامريكية وطلب المعرفة والمشورة قبل الإقدام هي خير إجابة على السؤال.
فما عاد على ابن سعود وأسرته من أرباح البترول يفوق في أهميته فلسطين فالبترول سلعة استخراجية في بلد متخلف لا تملك وسائل تكريره واستخراجه، والإدارة الأمريكية وشركاتها قدمت المال والمعدات لابن سعود وتأمين الملك وحكمه بعد زيادة النفوذ الروسي وأطماعه في المنطقة العربية. كل هذه الأساليب تؤكد أن ابن سعود كان له دور في إقامة الدولة اليهودية.
ارسال التعليق