ثأر بن سلمان يمتد لتونس
بقلم: فوزي بن يونس بن حديدلعلكم تذكرون آخر مقال كتبه جمال خاشقجي عن حرية التعبير في الدول العربية وذكر أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي تنعم بحرية التعبير إذقال بالحرف الواحد في مقاله في جريدة الواشنطن بوست: “كنتُ أبحث على الإنترنت مؤخرًا للنظر في مؤشر حرية الصحافة لعام 2018 الذي نشرته مؤسسة ‘فريدوم هاوس’ وتوصلتُ لإدراك خطير. هنالك دولة واحدة فقط في العالم العربي نالت تصنيف ‘حرّة’، تلك الدولة هي تونس″، ولم تكن تلك المظاهرات التي سبقت زيارة بن سلمان لتونس إلا دليل واضح على حرية التعبير هذه ولذلك هي لم ترق لبن سلمان نفسه، ربما كان يتوقع ذلك وربما ظن أن الحكومة التونسية ستفعل ما بوسعها لتجعل الزيارة ناجحة، لكن ما حدث عاصفة من الرياح استقبلته كما استقبلته عاصفة من الاحتجاجات من فئات كبيرة من الشعب، ولعل تصريحات حركة النهضة وبعض الأحزاب الأخرى والمثقفين والصحفيين وغيرهم كانت كافية لإغضاب بن سلمان ولذلك ربما قرر معاقبة هذه الحكومة التي تشارك فيها النهضة، فلا تهمّه الفئة الشعبية التي أدارت ظهرها له بل تهمّه الطبقة السياسية التي لها وزن في البلاد، وحيث إن الحكومة في تونس وعلى رأسها يوسف الشاهد الذي مال إلى النهضة على حساب النداء تركت النداء يغرد وحده في الاستقبال والاهتمام بولي العهد السعودي.
هو أراد أن يقطع لسان خاشقجي ويبين للعالم أن ما تشدق به جمال غير صحيح فلا حرية ولا هم يحزنون في تونس بل فوضى عارمة وانهيار سياسي واقتصادي واجتماعي وبالتالي هي جاءت الآن تتوسل بن سلمان أن يتدخل فورا لإنقاذها من الانهيار والإفلاس، فثأره كما يبدو امتد لتونس ليقطع بذلك جميع التكهنات أنها بلد حرّ لذلك لم تدم الزيارة إلا أربع ساعات وهي لا شك زيارة خاطفة لا معنى ولكن المعنى الحقيقي أن بن سلمان جاءها من مصر ليعلن أن النظام في تونس لا بد أن يتغير وأن الإخوان المسلمين وهم يمثلون حركة النهضة في نظره لا بد أن يقصوا من الحياة السياسية بأي طريقة لأنهم في نظره المفسدون في الأرض، وإلا بم نفسر تصريح رئيس الجمهورية التونسية أن هناك تنظيما سريّا تقوده النهضة يهدّده شخصيا ولا يسمح هو بذلك، وكيف نفسّر حالة الهيجان التي عليها مجلس النواب والصراخ والسباب المتبادل والشتم العلني بين أطياف الشعب التونسي، وماذا نفسر حالة الانحطاط الأخلاقي على ركح قرطاج حين أقدم ممثل أجنبي على التعري أمام الجمهور وهي حادثة سابقة في التاريخ التونسي.
يبدو أن بن سلمان من خلال ما يقرأ المشهد التونسي ساءه ما حدث أثناء الزيارة ويريد أن يعبر عن احتجاجه لما يحصل في تونس، وما عسى أن يفعل الشاهد الذي يزور السعودية في وقت كان الكونجرس الأمريكي يصوّت على مشروع قرار بالإجماع على توجيه اللوم لبن سلمان واعتباره المسؤول الأول عن اغتيال جمال خاشقجي، وفي وقت تعيش فيه تونس ازمة سياسية واقتصادية حادة فهل تفرض السعودية اجنداتها السياسية على الشاهد حتى تعين تونس على أزمتها الاقتصادية لكن ربما تتغير الأحوال بعد مشروع القرار الأمريكي ويكثر الضغط على ترامب لفك الارتباط مع بن سلمان، فالأحداث تتسارع وتتشابك والمشهد السياسي يتغير بين الفينة والأخرى.
يبدو أن بن سلمان سيثأر لنفسه من تونس التي لم تستقبله ولم يجد حفاوة كبيرة، ولا تشجيعا كبيرا كالذي وجده في مصر، واراد أن يقول إن تونس سوف تصبح مثل مصر، بعد أن تتهيأ الظروف المناسبة للانقلاب على الحياة السياسية الراهنة وربما وجد بن سلمان في الشاهد الرجل المناسب للتغيير في تونس وفرض حالة جديدة من النظام السياسي وتبني الرؤية الإصلاحية الجديدة التي فرضها بن سلمان في السعودية وبنى عليها منهجه السياسي وربما مساره الاقتصادي والاجتماعي، وهو غير مستبعد تماما في ظل الظروف الراهنة التي عليها تونس والحالة الي وصلت إليها من الضعف والوهن السياسي والاقتصادي، وعليه يمكن أن نشهد تغيرا جوهريا في تونس قبل الاستعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2019م.
لا شيء يمكن أن يعيق هذه التغيرات خاصة بعد تذمر الأحزاب اليسارية من تدخل حركة النهضة في المسار السياسي وربما الاقتصادي والاجتماعي، وهي حركة حامت حولها الشكوك والظنون وما زالت في نظر بن سلمان تعتبر جذرا من جذور الاخوان المسلمين ينبغي أن يقطع من أصله في أقرب وقت ممكن، حتى تنعم تونس بالديمقراطية التي تريدها السعودية.
ارسال التعليق