جولة الملك الآسيوية بين الاقتصاد والسياسية.. ماذا عن مظاهر الترف الفاحش؟
تحتل زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى بعض الدول في شرق وجنوب شرق آسيا حيزا هاما من الاهتمام في وسائل الإعلام السعودية وكذلك تحظى بمتابعة من الإعلام العالمي.
ويركز الإعلام المحلي على أهمية الزيارة من الناحية الاقتصادية والسياسية للمملكة والدول التي يزورها الملك لما تتضمنه من توقيع اتفاقيات ستساهم بتعزيز العلاقات مع هذه الدول وهي دول لها ثقلها الاقتصادي والسياسي على الساحتين الآسيوية والعالمية، خاصة أن أغلب هذه الدول تصنف بأنها صاحبة اقتصاديات تتطور بشكل كبير نظرا للقدرات البشرية والمادية الهائلة التي تمتلكها.
بذخ وترف فاحشان.. والشعوب تعاني!!
كما يهتم الإعلام السعودي بفخامة الاستضافة وحسن الترحيب الرسمي والشعبي الذي يلقاه الملك سلمان والوفد المرافق في كل دولة يحل بها بدءا من ماليزيا وإندونيسيا وبالطبع من المتوقع أن سيستمر هذا المسلسل الاحتفالي احتفاء بالضيف القادم في مختلف الدول، أما الإعلام العالمي وبعض الإعلام المحلي تناول جوانب أخرى للزيارة كتوجيه انتقادات صريحة لها كان أبرزها حجم الوفد المرافق للملك ومظاهر البذخ والترف والرفاهية التي ظهرت وتسربت المعلومات عنها في العلن، والحقيقة أن مجرد وجود ما يزيد عن 1500 شخص في زيارة رسمية من رئيس دولة إلى عدة دول هو أمر يثير التساؤلات، ناهيك عن الحديث حول الأعداد الضخمة للغرف والأجنحة الخاصة والمميزة التي حجزت في الفنادق بالإضافة إلى السيارات التي ستستخدم وصولا إلى نقل مصاعد خاصة لتنقل الملك والوفد، وهو ما يثير الاستغراب في الشارع السعودي بشكل خاص وفي مجمل الأوساط الشعبية العربية والإسلامية لما تعانيه هذه الشعوب من مآسي وصعوبات معيشية وحياتية، بينما غيرهم يعيش في عالم آخر ما يؤكد أنه لا يشعر ولا يحس بآلام الناس سواء في بلده أو في بلد آخر.
فلماذا كل هذا الترف والإنفاق في مثل هذه الزيارات وما الهدف منه؟ ومن يتحمل التبعات المالية لكل ذلك؟ أليس هذا الإنفاق من مال الدولة أي من مال الشعب السعودي؟ أليس من سيتحمل تبعات هذا الترف والبذخ والتبذير هو المواطن السعودي؟ أليس الناس في المملكة أحق أن يستفيدوا من هذه الأموال التي تصرف دون جدوى؟ والغريب أن البعض يستغرب من هذا الاستغراب البديهي المطروح حول الأموال التي تدفع دون جدوى، ويذهب للقول إن الهدف من طرح كل هذه التساؤلات هو من باب النكد السياسي أو الإعلامي، إلا أن الحقيقة المجردة تدفعنا للسؤال عن الفائدة من كل ذلك؟ ألا يمكن حصول هذه الجولة الأسيوية التي لها جوانب بالتأكيد مهمة وضرورية دون أن يرافق الملك كل هذا الجيش الجرار من المرافقين سواء كانوا من الأمراء أو الوزراء أو حتى الموظفين الإداريين أو الأمنيين أو غير ذلك؟ والواقع أن مثل هذه التساؤلات سبق أن طرحت في ظل زيارات مشابهة لهذه الزيارة من حيث مراسم الترف سواء مع الملك الحالي أو مع غيره من ملوك السعودية أو الأمراء أو المسؤولين ولم نجد أي جواب شافي لها.
قدرات المملكة والأهداف المرجوة..
أما في مضمون الزيارة فالملك سلمان سيزور في جولته: ماليزيا، إندونيسيا، اليابان، الصين، المالديف، بروناي والأردن، ويتوقع أن تتضمن هذه الجولة اتفاقات استثمارية بقيمة مليارات الدولارات تخص غالبيتها القطاع النفطي وشركة “أرامكو”، علما أن هذه الدول ترتبط بعلاقة متينة مع المملكة السعودية، خاصة أن حجم التبادل التجاري بين هذه الدول والمملكة كبير جدا بالإضافة إلى وجود أواصر علاقات إسلامية تجمع بعض هذه الدول مع المملكة وبالأخص ماليزيا وإندونيسيا.
ولكن بالإضافة للجانب الاقتصادي الهام للزيارة، إلا إنها لا تخلو من دلالات سياسية خاصة في ظل هذا الشكل الذي تحصل به مع كل هذا الاهتمام السياسي والإعلامي، ومن هذه الدلالات يمكن الإشارة إلى:
– إن المملكة تريد التأكيد على دورها الكبير الذي يتجاوز المنطقة وصولا إلى كل قارة أسيا وأنها تمتلك ثقلا سياسيا وإقتصاديا، فهي ليست فقط دولة تتعاطى بشؤون اليمن وسوريا والأزمات الداخلية للشرق الأوسط إنما لها أذرع طويلة عابرة للبحار.
-الانفتاح أكثر باتجاه دول غير الدول الغربية التي تربطها بالمملكة علاقات تاريخية كالولايات المتحدة وبريطانيا، ونسج شبكة قوية من العلاقات للتحصن ضد أي محاولة لتقييدها أو ابتزازها تحت عناوين الحماية والأمن ودعم الإرهاب التي تخرج بين الحين والآخر في الغرب لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية.
-القول إن ما تملكه المملكة من رصيد وإمكانات وعلاقات دولية يجعل التعاطي والتواصل معها حاجة للآخرين يحقق لهم مصالحهم، ما يؤكد أن المملكة ليست مجرد جسر عبور بل يجب التعاطي معها على أساس قدراتها الحقيقية وإمكاناتها الكبيرة في مختلف المجالات.
-إدراك المملكة أن العلاقة مع الغرب وبالأخص مع الولايات المتحدة الأمريكية وأن كان أساسيا في العلاقات الدولية إلا أنه غير كافٍ، انطلاقا من أن لا آحادية اليوم تحكم العالم إنما هناك اقتصاديات ودول تنمو بشكل متسارع والعلاقات معها ضرورية لأنها مؤثرة ولها ثقلها في مجمل المجريات في العالم، خاصة بعدما شعرت المملكة أن هناك خذلانا أمريكيا تجاهها في عدة ملفات.
-الإشارة أن في المنطقة دولا كبرى غير إيران التي سارع العالم إلى التقرب منها للفوز باستثمارات اقتصادية وبناء علاقات سياسية جيدة معها خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي، والتأكيد أن المملكة أيضا تملك من أوراق القوة ما يجعلها مقصدا لمختلف الدول، وهذا إن صح ونجح يمكن أن يعتبر تقدما سياسيا للمملكة التي تحاول البحث عن مخارج سياسية تجترحها هي بنفسها دون مساعدة الآخرين ودون وجود اوصياء عليها.
هل بالإنفاق نحقق كل ما نريد؟
إلا أن كل ذلك على أهميته، يجب أن يُفهم أنه يتم تحت عنوان واحد هو “الإنفاق السعودي الدائم” وفي كل الاتجاهات ولا يغير في جوهر الموضوع الكثير، ففي السابق كانت الاستثمارات تذهب إلى الغرب حصرا بهدف بناء أفضل العلاقات معها واستمالتها نحونا كي تؤيدنا عندما نحتاجها في مختلف المحافل والملفات والمحطات السياسة والأمنية والعسكرية، وها نحن اليوم نقوم بنفس الأمر ولكن باتجاه دول أخرى وانطلقنا لنفس الأسباب نحو الشرق فكانت الاندفاعة إقتصادية في الظاهر لكن لها خلفيات سياسية في بعض جوانبها.
يبقى أن الأكيد أن العلاقات الدولية مع الجميع هي حاجة ومطلب وضرورة يجب عدم تركها بل التمسك بها والتأسيس عليها، إلا أنه من المؤكد أن بدل الهروب إلى الأمام باتجاه دول بعيدة عنا للاستقواء على بعضنا البعض والحصول على دعم في ملفات إقليمية، الأجدر هو العمل على حل خلافاتنا العربية-العربية والعربية-الإسلامية والتصالح مع الذات وحل الخلافات مع الأقربين في اليمن وسوريا وإيران ومصر وغيرها من الدول والتقرب منها وفتح علاقات ايجابية معها، بل ووضع اليد باليد لما فيه مصلحة الجميع وهذا بالتأكيد أنفع وأفضل من بناء تحالفات مع الآخرين، فالأولى البدء من الأقرب والأدنى والانطلاق بعدها نحو الأبعد.
بقلم : مالك ضاهر
ارسال التعليق