خوان كارلوس والمال السعودي القذر
لا يكتفي حكام السعودية بتبذير ثروات البلد وهدر المليارات على البذخ الشخصي الخرافي، والمغامرات العسكرية الحمقاء، والتصفية الجسدية للمعارضين، وإبرام صفقات الأسلحة الفلكية، وابتياع سكوت أقوياء العالم، وتمويل عمليات التجسس على الهواتف والبريد الإلكتروني، والتواطؤ في شبكات الاتجار بالبشر. إنهم أيضاً يتصدرون فئة الأقلية المنخرطة في توظيف البترو – دولار لإفساد ديمقراطيات العالم هنا وهناك وشراء الذمم عن طريق الرشاوي والهبات والإكراميات والتمويلات غير المشروعة.
آخر الضحايا هو ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس الذي قرر مغادرة البلاد واختيار المنفى تحت وطأة التداعيات المتلاحقة لفضائح الفساد التي يحقق فيها القضاء الإسباني حالياً، بعد تحقيقات ذات صلة أجراها القضاء السويسري. وكما هو معروف ترتبط ملفات التحقيق بما تردد عن قيام السعودية بتحويل مبلغ 100 مليون دولار إلى شركة تتبع بشكل غير مباشر للملك الإسباني السابق، وكذلك مبلغ 65 مليون دولار كرشوة شخصية لقاء تدخل التاج الإسباني في تسهيل صفقة القطار فائق السرعة بين مكة والمدينة.
وأول ما تجدر ملاحظته هو أن الاتفاق على التحويلات المالية جرى على أعلى المستويات بين العاهلين السعودي عبد الله بن عبد العزيز والإسباني خوان كارلوس، وأنه استغرق زمناً غير قصير من «التعاون» امتد على أعوام 2007 و2011، كما شهد دخول عشيقة الملك الإسباني السابق على الخط إذ تردد أنها كانت جهة إيداع بعض هذه الأموال درءاً للشبهات. ومن اللافت أن العلاقة تواصلت حتى بعد اضطرار الملك الإسباني إلى التنازل عن العرش لصالح ولده فيلبي السادس في عام 2014، إذْ ظهر في أبو ظبي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد افتضاح اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، حيث أطلقت الصحافة الإسبانية صفة «صورة العار» على اللقطة التي وثقت اللقاء.
وكان الانكشاف التدريجي للفضائح هو الدافع الأبرز وراء مسارعة الملك الجديد الشاب إلى إصدار بيان ينأى فيه بنفسه عن الاستفادة من أموال أبيه، وينكر معرفته بالصفقات المالية مع السعودية، ويعيد التأكيد على تخليه وأفراد أسرته عن كلّ ما يخالف القانون في ميراث الأب، فضلاً عن قرار بوقف صرف مخصصات الملك السابق. وأما في السعودية فإن الوجه الحقيقي لـ«إصلاحات» ولي العهد الشاب سرعان ما تكشفت تدريجياً، فلم تبدأ من شراء اليخوت الفارهة واقتناء اللوحات نصف المليارية، ولم تنته عند مسارح سجن «ريتز كارلتون» ذي الخمسة نجوم أو الترخيص للنساء بقيادة السيارات مقابل اعتقال الناشطات والتنكيل بالمعارضين.
وفي السياق ذاته يمكن للمرء أن يطمئن على مستقبل الديمقراطية الإسبانية ودولة القانون وفصل السلطات، رغم أن الرجل الذي اختار المنفى على خلفية الاتهام بالفساد هو ذاته العاهل الذي تمتع بشعبية واسعة لأنه نقل البلاد من دكتاتورية الجنرال فرانكو إلى نظام ملكي برلماني مستقر منذ العام 1977، وهو الذي كان وراء تجنيب إسبانيا أخطار انقلاب عسكري في سنة 1981. وفي المقابل كيف يمكن للمرء أن يتفاءل بأي خير ينتظر السعودية تحت إدارة هذه الفئة الحاكمة المستبدة، التي تنتهك أبسط حقوق الإنسان وتبدد الثروات الوطنية وتنفق المليارات على وأد التقدم وإشاعة الخراب والفساد؟
علماً بأن مملكة ال سعود قد برعت بدفع التاؤى، وتمرست بتقديم الرشاوى لكافة رؤساء وملوك ومسؤولي دول عالم، فأين ما حل المال السعودي أناخت الفضأئح وبأبسط تحقيق أو هبوب ريح معاكسة تزيل الستار عنها وتكشف نتانتها، حتى أصبحت لعنة ونقمة على متلقفيها ولم يكن ملك أسبانيا السابق خوان كارلوس بأول مَن تلقف هذا المال الحرام، ولم يكن الأخير، فقد سبقه الحلاب العظيم دونالد ترامب الذي أخذ 480 مليار دولار بلقفة واحدة، وكذلك نجيب عبدالرزاق، رئيس وزراء ماليزيا السابق، وأيضاً المخلوع عمر البشير رئيس السودان، والحبل على الجرار، وقطار المال السعودي يسير على سكة الرشاوى ودفع التاوات وينثر الأموال وكأنه صراف آلي معطل.
ارسال التعليق