طوفان الأقصى قض مضجع السعودية والإمارات
أكد الصحفي البريطاني الشهير ديفيد هيرست في مقال له بموقع “ميدل إيست آي” الذي يرأس تحريره، أن الاحتلال الإسرائيلي لم يحقق أهدافه في تدمير حركة المقاومة الإسلامية حماس أو إعادة تشكيل الشرق الأوسط متسائلاً عما سيحصل بعد ذلك.
ومع اقتراب مرور 100 يوم على شن الاحتلال إسرائيلي هجومه الوحشي على غزة وورود تقارير تفيد بأن الحرب “ستنتقل” إلى مرحلة جديدة وتلوح بالأفق كارثة إقليمية وحرب أوسع محتملة بالمنطقة المشتعلة، وفق ما ذكره الصحفي البريطاني هيرست.
وأياً كان القرار الذي ستتخذه محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن ادعاء جنوب أفريقيا بأن إسرائيل مسؤولة عن الإبادة الجماعية، فمن المؤكد أن إسرائيل خلقت كارثة إنسانية في غزة ــ وقد فعلت ذلك عن عمد. وحتى لو توقفت الحرب غداً، فإن غزة أصبحت موطناً للوباء، حيث أفادت منظمة الصحة العالمية أنه في المتوسط «كل 220 شخصًا بغزة يشتركون في حمام واحد، وفي ملاجئ أونروا هناك وحدة استحمام واحدة لكل 4500 شخص.”
وذكر ديفيد هيرست أن الجيش الإسرائيلي ادعى أنه انتزع شمال غزة من سيطرة حماس لجعل الأمر يبدو كما لو أن عملية سحب القوات كانت عملاً صادراً عن دولة ذات سيادة، وليس نتيجة لضغوط مستمرة من واشنطن.
وإلى جانب كونها نهاية نتنياهو ستكون الحرب الإسرائيلية نهاية للرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تورط بهجمات دامية في اليمن. وبدأ حملة قصف غير مسبوقة قد تهدد باشتعال المنطقة إلى حرب إقليمية وصفها ديفيد هيرست بالكارثة.
يوم الخميس، قصفت الطائرات الحربية الأمريكية والبريطانية مواقع الحوثيين في اليمن، وهي ضربة سيكون الحوثيون قادرين على تحملها، بعد أن نجوا من سبع سنوات من القصف من قبل المملكة العربية السعودية، وفق مقال ديفيد هيرست.
وستتبع ذلك حرب جديدة في البحر الأحمر. وهذه هي نتيجة أسبوع من الدبلوماسية الأمريكية التي حاولت الحد من نشوب حرب إقليمية.
وفي العراق، بعد أن استهدفت الغارات الجوية الأمريكية أحد قادة الخط الثاني في ميليشيا النجباء، أحد الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي في العراق، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على الفور أن حكومته ستغلق جميع القواعد العسكرية الأمريكية في العراق – وهو الهدف الرئيسي لإيران منذ مقتل سليماني.
وقال ديفيد هيرست إن ما وصفه بـ”حرب الاستنزاف على حدود إسرائيل أصبحت محسوسة. وهذا يترك الولايات المتحدة وبريطانيا، القوتين اللتين تتحملان المسؤولية الأكبر عن المذبحة في غزة، مع القليل من الأوراق التي يمكن اللعب بها، والوقت ينفد بسرعة.
الكاتب البريطاني قال أيضا “إن هذه الأيام المائة تبدو وكأنها الطلقات الأولى لحرب أكبر وأطول بكثير، والتي ستكون كارثية على الجميع – اليهود والعرب على حد سواء.”
وأعلن الجيش الإسرائيلي إصابة أكثر من 103 جنود في القتال خلال الـ 24 ساعة الماضية. وبعد ذلك بيوم أعلن جيش الاحتلال مقتل تسعة جنود . وفي الفترة نفسها، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن 126 فلسطينيا استشهدوا في الهجمات الإسرائيلية.
وذكرت الوزارة الفلسطينية أن 147 آخرين استشهدوا في غزة خلال الساعات القليلة الماضية، ورأى هيرست أن الخسائر التي يتكبدها الاحتلال الإسرائيلي والمدنيون الفلسطينيون في غزة بشكل يومي تتعارض مع ادعاءات حرب جديدة “أقل حدة”.
وفسر الكاتب البريطاني في مقاله أن هذه الأرقام تعكس بوضوح أن الخسائر البشرية مستمرة، وبعد 100 يوم تدور حرب لا تقل شراسة عن الماضي وحماس مصرة على استكمال المقاومة وعدم الاستسلام.
وتابع أنه بعد مرور مائة يوم على أعنف قصف جوي شهده العالم منذ قصف الحلفاء لدريسدن وهامبورغ وطوكيو في الحرب العالمية الثانية، احتفظت حماس بقدرتها على القتال وإلحاق الخسائر بالدبابات والجنود الإسرائيليين.
وهناك الآن بعض الحساسية في إسرائيل بشأن حجم الخسائر التي تتكبدها. وبعد التقارير المتواصلة عن ارتفاع عدد الجنود المصابين، يقول هيرست.
وبعد مقتل العاروري، تعهد أمين عام حزب الله حسن نصر الله بالانتقام في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الرابعة لمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، لكنه أبقى على رسالته الأساسية بشأن الخطوط الحمراء لحزب الله.
ورداً على مقتل العاروري، ضرب حزب الله قاعدة جبل ميرون الجوية الإسرائيلية في الشمال بـ 62 صاروخاً؛ وشن هجوماً بطائرة بدون طيار على القيادة الشمالية لإسرائيل. وهذه أهداف عسكرية ذات قيمة عالية، وكأن حزب الله يرسل رده الخاص إلى إسرائيل حول دقة وتعقيد المدى العسكري للحزب.
وسخر ديفيد هيرست بطريقة غير مباشرة من تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي وعضو مجلس وزراء الحرب الذي يتباهى بمزاعم غير صحيحة حول فرض الاحتلال سيطرته على شمال غزة “على الأقل فوق الأرض”.
وتساءل الموقع البريطاني: “ما الذي حققته إسرائيل من إلقاء كامل قوتها الجوية والبرية على غزة، بغض النظر عن التكلفة في أرواح المدنيين، ومع النية الكاملة لجعل الأرض غير صالحة للسكن لسكانها الذين يبلغ عددهم 2.3 مليون نسمة؟”.
واستذكر الكاتب أهداف الاحتلال من الحرب وهي ثلاثة بعضها أعلن عنها وبعضها لا: “محو حماس من على وجه الأرض، بغض النظر عن مصير الرهائن المحتجزين”.
والهدف الثاني: “تغيير التوازن الديموغرافي غير المواتي بين اليهود والعرب” والثالث: “إجبار أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الخروج من غزة لتغيير المشهد حتى لا تتمكن أي جماعة مسلحة أخرى من القيام مرة أخرى بما فعلته المقاومة الفلسطينية يوم طوفان الأقصى”.
ولفت هيرست بمقاله إلى أن الأنظمة العربية، ودول الخليج على وجه الخصوص، تهربت من أي دور قيادي ضد تصرفات إسرائيل الوحشية. والمسؤولون الأكبر هم السعوديون، الذين جرت تحت رعايتهم آخر محاولة جادة لإنهاء الصراع من خلال مبادرة السلام العربية في عام 2002.
ولكن الرياض لا تستطيع أن تنظر إلى ما هو أبعد من قدرتها على البقاء. فهي تنظر إلى حماس باعتبارها تهديدًا لخططها الخاصة للمطالبة بقيادة العالم السني من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
الحرب على غزة: لماذا تريد السعودية والإمارات الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل؟
وكان الهجوم الذي شنته حماس يوم 7 أكتوبر على الاحتلال، والمقاومة الشرسة منذ ذلك الحين، بمثابة نموذج منافس ـ وهو النموذج الذي كان من المعتقد أنه مات ودُفن ـ للوحدة العربية. ويرتبط هذا ارتباطًا وثيقًا بالثورات الشعبية التي اندلعت خلال الربيع العربي، والتي أمضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر في قمعها عقدًا من الزمن.
وخلص الكاتب إلى أن الاحتلال لم يحقق أهدافه وفقاً لروايات إسرائيلية رسمية، وبات واضحاً أن اعتماد حماس المتزايد على الأنفاق وجهود البناء المتقنة التي تبذلها قد أتى بثماره.
وأكمل: “لم يسبق في تاريخ حرب الأنفاق أن تمكن أي مدافع من قضاء أشهر في مثل هذه الأماكن الضيقة. إن الحفر بحد ذاته، والطرق المبتكرة التي استخدمت بها حماس الأنفاق، وبقاء الجماعة تحت الأرض لفترة طويلة، كانت أمورًا غير مسبوقة”.
ورأى ديفيد هيرست أن الاحتلال الإسرائيلي لا يتصرف بعقلانية و يعرف نتنياهو أنه سينتهي في اللحظة التي تتوقف فيها الحرب. فالجمهور الإسرائيلي ـ حتى بعد مائة يوم ـ لا يستطيع الحصول على ما يكفي من الدم لتلبية مطلبه بالانتقام وفق تعبير الكاتب البريطاني.
ارسال التعليق