«نيوم» السعودي خطوة أولى لمشروع تقسيم العمل الإقليمي
منذ توليه زمام السلطة بحكم الأمر الواقع في مملكة آل سعود، لم يكن إعلان محمد بن سلمان عن مشروع NEOMالمرة الأولى التي يدشّن فيها ولي العهد مشروعا عملاقا في إطار رؤية 2030، المنوط بها إنقاذ مستقبل المملكة اقتصاديا وإعدادها لعصر ما بعد النفط.
الحقيقة، أن المشروع ذاته لم تتبلوّر جميع عناصره بعد رغم كل الحماسة التي أظهرها رأس المال الأجنبي ومؤسساته العملاقة تجاهه، حماسة طبيعية في ظل إتاحة المشروع لفرص استثمارية بالمليارات ستسهم في مراكمة أرباح خيالية لتلك المؤسسات حال إتمامه، مع الاتجاه الحالي للمملكة لإيصال صندوقها السيادي إلى مرتبة الأكبر في العالم بطموح أن تبلغ أصوله 1.5 تريليون ريال (400 مليار دولار) بحلول عام 2020، وكون الصندوق الجهة السعودية التي ستطلق بداية الاستثمار في المشروع الذي يبلغ إجمالي تكلفته 500 مليار دولار.
المشروع الذي ستتم المرحلة الأولى منه عام 2025، سيبدأ من أقصى شمال غرب المملكة وسيمتد، وفقا للنص الرسمي للإعلان عن تدشينه، ليعبر حدود مصر والأردن، وسيضم مجمل مساحته 26500 ك.م مربع، إضافة إلى 460 ك.م مربع من الشواطئ، ولم يصدِر الجانب الرسمي للدولتين أي تصريح عن شمول المشروع لأراضٍ حدودية تحت سيادتهما، ولا عن الاستقلالية المُعلنة للمشروع عن النُظم الضريبية التقليدية وقوانين العمل والتعريفات الجمركية، سمة تطبع هذا النوع من المشروعات وتمثّل منطلقا أساسيا له كـ”منطقة حرة” على شاكلة دبي، حيث لا قيود من أي نوع على “البيزنس” وصناعة وتراكم الربح غير المشروط في مساحة يديرها رأس المال والسوق وحدهما، باستثناء ضوابط سيادية ستحددها المملكة وحدها بمؤسساتها الحاكمة والعسكرية، وفقا للإعلان.
جغرافيا، وطبقا للوصف المعلَن، سيضم المشروع سواحل خليج العقبة المحاذية لمحيطه والتي ستخدم أنشطته أي ميناء العقبة الأردني ووادي رُم جنوب غرب الأردن، ونويبع ودهب وشرم الشيخ المراكز السياحية المهمة والنادرة في سيناء، وجزيرتيّ تيران وصنافير المصريتين، الأمر الذي يشير بديهيا إلى تضمُن المشروع لقطاع جنوب فلسطين المحتلة، وميناء أم الرشراش المصرية المحتلة – إيلات بواقع وجودها على رأس الخليج مباشرة، كميناء تجاري ومركز لوجيستي نظير للعقبة الأردنية، ومنفَذ وحيد للكيان الصهيوني على البحر الأحمر يرتبط بعلاقات اقتصادية “طبيعية” مع الجانبين المصري والأردني، يمكن القول إنه حال إتمام المشروع وإنشاء ميناء تجاري وسياحي سعودي شمال غرب المملكة، على ساحل الخليج، سينفتح الباب أمام مثلث تجاري بحري تُستثنى منه مصر، التي تعتمد في هذا النشاط على مينائي العين السخنة والسويس في خليج السويس، بلا مرتكز للتجارة والنقل البحريين في خليج العقبة وفي ظل تخلّي السلطة المصرية عن سيادتهاعلى مدخل خليج العقبة، جزيرتيّ تيران وصنافير المصريتين، لصالح مملكة آل سعود.
مجموعتان اقتصاديتان عملاقتان بادرتا باللاستثمار والشراكة في المشروع، الأولى مجموعة SoftBankالعابرة للقارات وذات الإدارة اليابانية، والعاملة في مجال الاتصال عن بعد، التي تمثل المملكة في العام الحالي أكبر المستثمرين في صندوقها VisionFundالذي تم إنشاؤه عام 2016، ووقّعت عقدا مبدئيا مع الصندوق السيادي السعودي بخصوص مشروع نيوم يشمل تزويد المشروع بالكهرباء، ويتضّمن أيضا شراء المجموعة لنسبة كبيرة من سندات شركة الكهرباء السعودية المملوكة للدولة هناك، والمجموعة الثانية Blackstoneالأمريكية العاملة في مجال الخدمات المالية وإدارة الأصول النقدية والتمويل، التي ستضخ استثمارات في المشروع في مجال الطاقة الشمسية والذكاء الاصطناعي.
يمكن قراءة نمط الشراكة الإقليمية في المشروع من كونه سيضم دولا عربية ثلاث هم عمليا في حلف سياسي واحد، ومن تزامُن تدشينه مع خطوات سعودية عملية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني إلى جوار مسعى مصري مُعلَن إلى تطبيع وضع الكيان من بوابة المصالحة الفلسطينية، فضلا عن شراكة اقتصادية مصرية معه ترعاها اتفاقية الكويز، التي تربطه تجاريا بالصناعة المصرية وخاصة في مجال النسيج وبثلاثة مناطق صناعية مصرية “مؤهَلة” بمعايير الكونجرس الأمريكي، وعلى جانب آخر، يقوم المشروع على قطاعات اقتصادية رئيسية: التكنولوجيا الحيوية، والطاقة والمياه، والغذاء، والعلوم التقنية والرقمية، والتصنيع الفائق، والإعلام، والترفيه، في مشهد سيوفر للكيان الصهيوني فرصة لأن يكون الشريك الاقتصادي الأقرب جغرافيا وسياسيا ليضطلع بدور في المشروع في مجالات تحلية المياه والزراعة والطاقة الشمسية، التي بلغ الكيان مرتبة بالغة التطور فيها، لاسيما تحلية المياه، فضلا عن شراكة اقتصادية قديمة في مجال الزراعة مع مصر جاءت لصالحه مطلقا وعلى حساب الزراعة المصرية كما تقول شواهد الواقع.
الفكرة حول شراكة اقتصادية وتجارية إقليمية تعوّض أطرافها ما ينقص بعضها بعضا ليست بجديدة، وظهرت سابقا في أطروحات داخل الكيان الصهيوني، ثمانينات القرن الماضي، تفيد مصلحة صهيونية على المدى البعيد وأهمية كبيرة لإقامة شراكة بين المال والمواد الخام والأيدي العاملة من الخليج ومصر، والتكنولوجيا من الكيان، في نمط لتقسيم “إقليمي” للعمل تكون فيه بلدان العرب في محل المَصدَر للمواد الأوليّة والقوى العاملة الرخيصة، والمركز للخدمات اللوجيستية، والمستهلِك، والكيان الصهيوني في محل الصناعة والإدارة والتخطيط وصنع وتشغيل التقنيات الفائقة والحديثة.
بقلم : محمود عبدالحكيم
ارسال التعليق