هادي وتمرد الانتقالي.. هل أصبح اتفاق الرياض من الماضي
أكثر من نصف عام على اتفاق يمني - يمني، رعته السعودية لإنهاء التوتر جنوبي البلاد، غير أن لا شيء تغير، باستثناء استمرار مصدر الإزعاج والقلق المتمثل بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات.
وبينما كان الجميع يترقب نتائج جيدة لتنفيذ الاتفاق الذي وُقع في 5 نوفمبر 2019، فوجئوا بإعلان الانتقالي الجنوبي "حالة الطوارئ" وما سماها "الإدارة الذاتية"، قبل أن ينفذ مؤخراً انقلاباً جديداً في سقطرى.
وكشفت الخطوات المستمرة لـ"الانتقالي" فشلاً كبيراً لـ"اتفاق الرياض" الذي تشرف السعودية على تطبيقه، في وقتٍ تضغط الرياض مؤخراً على الحكومة اليمنية لقبول الأمر الواقع في جنوبي البلاد، والسير نحو تعديلات هي الثانية في الاتفاق الذي لم يُنتج سوى مزيد من التدهور الأمني والاقتصادي، وتوسع في المجاعة بين اليمنيين.
تحركات سعودية جديدة:ومع استمرار المعارك في أبين جنوبي اليمن، وتنفيذ "الانتقالي الجنوبي" انقلاباً بسقطرى على السلطات الحكومية في 20 يونيو 2020، بدأت السعودية عقب ذلك بتحركات للضغط على الحكومة و"الانفصاليين" لتنفيذ "اتفاق الرياض".
وعقد السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، في 26 يونيو 2020، اجتماعاً بمستشاري عبد ربه منصور هادي وهيئة رئاسة مجلس النواب اليمني، في وقت كان الشارع اليمني يترقب اجتماعاً يرأسه هادي معهم.
وفي 27 يونيو 2020، عقد عبد ربه منصور هادي، اجتماعاً مع كبار رجال الدولة ومستشاريه، وألقى خطاباً، جدد فيه دعوته إلى تنفيذ "اتفاق الرياض" كاملاً دون نقصان.
لكن بعض المصادر العربية نقلت عن مصادر مطلعة، قولها إن هناك ضغوطاً سعودية وإماراتية على هادي لتنفيذ الشق السياسي من "اتفاق الرياض" وتأجيل شقَّيه الأمني والعسكري، وهو ما يرفضه هادي.
وينص التعديل الجديد من "اتفاق الرياض"، وفقاً للمصادر، على "البدء في تشكيل حكومة شراكة مع الانتقالي وتعيين محافظ ومدير أمن لعدن، وتأجيل تسليم المجلس الانتقالي الممول من أبوظبي، سلاحه ودمج قواته بعد تشكيل الحكومة".
اتفاق من الماضي:
ويعتقد معظم اليمنيين أن "اتفاق الرياض" الذي جاء عقب انقلاب نفذه "الانتقالي" في أغسطس 2019، أصبح من الماضي؛ لكونه لم يؤسس لواقع على الأرض، ويقول الخبير الاستراتيجي والعسكري اليمني د.علي الذهب: إنه "بات عدماً وأصبح من الماضي".
وذكر "الذهب"، أن الأحداث التي أوجدها المجلس الانتقالي نقلت التصرفات والإجراءات التي قام بها إلى أطوار أخرى، وهو ما يعني أن الاتفاق أصبح من الماضي.
وأضاف: "لم يعد مطلب الحكومة الشرعية إخراج المجلس الانتقالي من عدن، لأنه أصبح الآن يسيطر على سقطرى، ويتطلع حالياً إلى المحافظات الشرقية، كالمهرة وحضرموت".
ويشير إلى أن "اتفاق الرياض" نص على عودة الحكومة إلى عدن، وهو عكس ما حدث بالواقع، "حيث إن المجلس الانتقالي طرد الحكومة وأعلن الإدارة الذاتية وحل محلها، وأصبحت لديه سلطات تنفيذية من اختصاص الحكومة، وهذه مسألة تُعقِّد تنفيذ اتفاق الرياض".
ويؤكد أن قادة المجلس الانتقالي "هم من أعلنوا سابقاً عن انتهاء المدة الزمنية لتنفيذ الاتفاق والمقدرة بـ90 يوماً واعتبروه منتهياً، وهو ما دفعهم إلى التوسع في المناط،ق وفرض الإدارة الذاتية، وممارسة السلطة التنفيذية، والسيطرة على الأموال والمؤسسات".
وعن خطاب عبدربه منصور هادي، يقول "الذهب": "الرئيس كان واضحاً بألا كون هناك انتقائية، واحتج على ممارسات الانتقالي في سقطرى".
ويرى أن "الخيار العسكري هو الخيار الوحيد لإنهاء ما يحدث جنوباً، لأنه سيعيد المياه إلى مجاريها، خصوصاً أنه لا توجد قواسم مشتركة وأرضية مشتركة لحل سلمي، لأن الانتقالي توجُّهه انفصالي والرئيس يريد دولة اتحادية".
الإمارات وراء الفشل:
وغالباً ما توجَّه الاتهامات إلى الإمارات بعرقلة تنفيذ "اتفاق الرياض"، من خلال المجلس الانتقالي ومليشياته، وهو ما يراه أيضاً الدكتور فيصل عليّ رئيس مركز "يمنيون" للدراسات، الذي قال: إن ذلك يحدث "بمباركة الرياض عملياً في الميدان".
ويشير في سياق حديثه، إلى أن هادي "لا يزال مُصراً من جهته على تنفيذ الاتفاق بصيغته القديمة"، مؤكداً أنه لا يمكن اعتبار الاتفاق شيئاً من الماضي إلا "إذا أصرت الإمارات ومِن خلفها الرياض على تعديل الاتفاق بصيغة جديدة تقدم الجانب السياسي على الجانب الأمني".
وأضاف عليّ: "هذا يعني أن السعودية باتت تترنح في اليمن؛ تضع اتفاقاً ثم تنقضه بعد مرور الوقت، وتضع الانتقالي في طريق هادي وحكومته كحجر عثرة، وهذا يعد تناقضاً في سياسة الرياض ويشير إلى مدى تخبُّطها في الملف اليمني".
ويتوقع أن ترغم السعودية "عبدربه وحكومته على تنفيذ الشق السياسي قبل العسكري"، مشيراً إلى أن ذلك سيحدث "بمساندة مباشرة من رئيس مجلس النواب وأطراف في الشرعية".
نصف عام من الفشل:
كان يُفترض ألا يمر اليوم الخامس من عام 2020 إلا وقد اكتمل تنفيذ "اتفاق الرياض" بجميع بنوده الموقع عليها، وفي مقدمتها تشكيل حكومة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، وتعيين محافظين جدد للمدن الجنوبية، وإعادة تشكيل قوات الجيش والأمن، غير أن ذلك لم يتحقق.
وفي منتصف يناير الماضي، وُقّع اتفاق تفصيلي ضمن "اتفاق الرياض"، يشمل مصفوفة الانسحابات المتبادلة وعودة القوات إلى مواقع متفق عليها، وتبادل الأسرى، وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن، غير أنه لم يرَ النور أيضاً.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، ففي 25 أبريل الماضي، أعلن المجلس الانتقالي حكماً ذاتياً، من خلال فرض سيطرته على المحافظات الجنوبية، وسط صمت من السعودية راعية "اتفاق الرياض".
وفي 19 يونيو 2020، بسطت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتها على محافظة أرخبيل سقطرى، رغم انتشار القوات السعودية في الجزيرة.
ارسال التعليق