هل يتحضر آل نهيان لوراثة آل سعود؟
بقفاز إماراتي تشرع الولايات المتحدة في بسط نفوذها على الساحل الشرقي للقارة السمراء، وإحكام القبضة على البحر الأحمر، وخطوط الملاحة الدولية بعد سيطرة أبو ظبي على جزيرة سقطرى اليمنية، ومحاولتها بسط سيطرتها على مضيق باب المندب وميناء المخا اليمنيين على الضفة الغربية للبحر الأحمر، كنتيجة مرجوة لعملية الرمح الذهبي والمتعثرة حتى اللحظة بفضل صمود وبسالة الجيش اليمني واللجان الشعبية.
وفي جديد الانتشار السريع للقواعد العسكرية الإماراتية على ضفاف البحر الأحمر والمحيط الهندي، إضافة إلى قاعدتها العسكرية في عصب في إريتريا، واستحواذها على مينائي عصب وجيبوتي، كشفت جريدة الأخبار اللبنانية عن إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية جديدة في القرن الإفريقي بميناء بربرة بدولة أرض الصومال، التي تناضل للاعتراف الدولي بها.
وذكرت الجريدة أن برلمان «أرض الصومال» صوت بأغلبية ساحقة، أمس، بالموافقة على إقامة قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة شمال غرب البلاد، إذ صوّت 144 نائبًا لإقامة القاعدة، في مقابل رفض خمسة من أصل 151 نائبًا حضروا الجلسة وجرى اعتقالهم عقب خروجهم من قاعة البرلمان.
وتتميز مدينة بربرة بميناء استراتيجي مهم في منطقة القرن الأفريقي المتوترة، يقع على ممر بحري يربط ما بين قناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي (وتسعى الامارات للاستفادة أيضا من ميناء بربرة في دعم عملياتها العسكرية في اليمن).
ويأتي هذا التطور في سياق متناغم مع ما كشفه سابقا موقع «العربي» الشهر الماضي، من أن «النفوذ الإماراتي المدعوم أميركيًا يتمدد من خلال استئجار قواعد عسكرية في كل من اريتريا وجيبوتي والصومال وجزيرة سقطرى اليمنية، بالإضافة إلى استئجارها للعديد من الموانئ، إما لاستخدامها بما يخدم حركة التصدير والاستيراد لأبو ظبي، أو تعطيلها خوفًا من تأثيرها على ميناء جبل علي الإماراتي، كما يحصل في جيبوتي وعدن».
وقال «العربي» إنه من ضمن التطورات الخطيرة التي شهدتها المنطقة استيلاء الإماراتيين على جزيرة سقطرى اليمنية كثمن لمشاركة أبو ظبي في الحرب، وأنه من خلال سيطرة الإمارات على الجزيرة «يمكن القول إن الأميركيين أكملوا سيطرتهم على المحيط الهندي، بعد 45 سنة من سيطرتهم على جزيرة دييغو غارسيا، التي تبعد ثلاثة آلاف كيلومتر عن سقطرى، وبذلك أصبحت طرق الملاحة الرئيسة، من وإلى شرق العالم، تحت المراقبة الأميركية.
ووفقا لموقع (وور أون ذا روكس) فإن «مرحلة التوسع العسكري الإماراتي في غرب السويس قد بدأت وهي تسعى للظهور كلاعب قوي في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا وغرب المحيط الهندي».
ومما لاشك فيه أن الدور الإماراتي في طريقه ليرث الدور السعودي الذي عانى الإخفاق في أكثر من منطقة، وهو محل اختبار البيت الأبيض كبديل حتمي للسعودية التي شاخت وتعاني من الترهل الداخلي والوظيفي، وهو توصيف تسرب من شيوخ أبو ظبي، وساهم في توتير العلاقة بين السعودية والإمارات، وعكس تكدس شاحنات البضائع بين البلدين تجليا لحالة التوتر التي سادت علاقات البلدين، قبل أن يأتي التحالف العدواني على اليمن ويعيد العلاقات الى سابق عهدها ولو ظاهريا، – تمتلك السعودية قاعدة عسكرية يتيمة شرعت في بنائها أوائل العام 2016م في جيبوتي، وقد نبه مركز واشنطن في تقرير حمل عنوان «الإمارات العربية المتحدة تضع أنظارها على غرب السويس»، إلى نشوء صراع خفي إماراتي سعودي.
وتقدم الإمارات نفسها كدولة يمكنها تقديم خطط واستراتيجيات ذكية لصون المصالح الغربية، وإدارة المواجهة مع إيران العدو اللدود للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع وصول إدارة ترامب إلى السلطة التي لا تخفي إعجابها بالنموذج الإماراتي القائم على النجاح الاقتصادي والخالي من تهم “الإرهاب” على الأقل في الوقت الحالي، وتحقيق الأهداف وفقا لعقلية عقد الصفقات التجارية.
ولعل عدن بما تشهده حاليا من اشتباك مسلح بين الجماعات المدعومة إماراتيا وسعوديا للسيطرة على المدينة ومرافئها الحيوية ستكون أولى محطات الصدام الإماراتي السعودي، بعد عامين من التحالف الظاهري في العدوان على اليمن، صدام امتد إلى محافظة تعز، إذ توسعت الاشتباكات وغدت أكثر عنفا أمس الاثنين بين جماعة أبو العباس المدعومة إماراتيا وحزب الإصلاح المدعوم من الرياض، وأفادت الأنباء بانتشار القناصة والمدرعات التابعة لكلا الطرفين في شوارع المدينة، ومقتل 3 مواطنين وجرح 6 اخرين.
وبعد إفصاح قادة إماراتيين عن عزمهم التخلص من هادي أحد ركائز مشاريع الرياض في العدوان على اليمن، واتهامه بمعاداة دولة الإمارات صراحة، يمكن التكهن بأن الخلاف بين الحليفين في العدوان على اليمن طفا على السطح بعد بلوغ الصواريخ اليمنية مديات غير متوقعة، بقصف الرياض وتهديد النموذج الإماراتي القائم على ركيزتي الأمن والنجاح الاقتصادي، وهو ما فجر خلافات عميقة وجدد الاتهامات الإماراتية الموجهة للرياض بفشلها في إدارة الحرب واعتمادها على الإخوان برغم ثبوت فشلهم وتحولهم إلى عناصر تستثمر الحرب لتحقيق أكبر قدر من الكسب المادي.
كما أنه – أي الخلاف الإماراتي السعودي الظاهر قمة الجليد فيه بما هو حاصل في عدن وتعز يتجاوز العراك على تقاسم الكعكة اليمنية غير الناضجة بعد عامين من الحرب الشرسة؛ ليكشف عن حالة طلاق قد بدأت في التبلور بين الحليفين الأساسيين في الحرب على اليمن يمتد بالأساس الى توجس الطرفين من نوايا كل منهما تجاه الآخر وفي ضوء التودد للإدارة الأمريكية الجديدة ذات العقلية التجارية البحتة.
وفي المقابل فمن المؤكد بأن الاشتباك الإماراتي السعودي في اليمن ماض في التصعيد بعد اعتماد كل منهما على طرف مرتزق بعينه، واستدعاء السعودية قوات محسوبة على تيار الإخوان للعودة الى عدن وترك مهمة الدفاع عن حدودها الجنوبية، ومن نافل القول التأكيد كذلك بأن السعودية التي تقاتل في اليمن للحفاظ على دورها الإقليمي رغم تعثرها في اليمن وفشلها في مناطق أخرى، ليست في وارد التسليم بسهولة لمن يرثها وبخاصة إذا كان من أبناء جلدتها من داخل عباءة مجلس التعاون الخليجي، الذي ينتظر دفنه رسميا في ظل تضارب المصالح لكل دولة فيه على حساب التعاون المعلن ظاهريا.
بقلم : إبراهيم الوادعي
ارسال التعليق