″عاصفة″ آل سعود على اليمن.. خطيئة الزوال!
بقلم محفوظ التهامي
لم يتوقع الشعب اليمني يوما أن يستفيق على عدوان سعودي غاشم، يجر خلفه جوقة من جيوش العطالة و الإرتزاق، يستهدف اراضيه، يحمل اسم ″عاصفة الحزم″ ، في محاكاة بئيسة للأسماء التي تطلقها (إسرائيل) وأمريكا على عملياتهما العسكرية العدوانية في كل من لبنان وفلسطين والعراق. وإذا اردنا الدقة فليس في الامر محاكاة، بل في العمق والجوهر كما الأهداف هي حرب امريكية اسرائيلية، تعتمد المعطيات الاستخبارية الامريكية الاسرائية، وتدار من غرفة عمليات غير تلك اظهرتها لنا قناة ″العربية″ وباقي قنوات ال سعود، وتعتمد ليس فقط على الطيران الامريكي بل وعلى الخبراء الصهاينة وفريق المستشارين الامريكيين.
ولأن في عقيدة آل سعود ان المال يشتري كل شيء فقد اشتروا فريقا عربيا من سوق النخاسة العسكري، لإظهار عدوانهم الغادر وكأنه يعبر عن موقف عربي، وعن حزم سعودي استحال بعد عقود من (الحلم والصبر والحكمة) عاصفة بنكهة ديمقراطية، طالما ان الهدف المعلن من العدوان السعودي هو الانتصار للشرعية الديمقراطية والمثمتلة بعودة المدعو هادي، مع العلم أن شرعيته انتهت في 15 فبراير 2014 بعد انتهاء فترة السنتين التي حددتها ما تسمى ب ″المبادرة الخليجية″، رغم أن ″أنصار الله″ لم تعترف بها منذ البداية، ثم حصل التوافق بعد ذلك بين القوى السياسية للتمديد له لمدة عام آخر، والآن انتهى العام الثالث، ولم يعد هناك توافق على هادي بين القوى السياسية، ولم تعد له شرعية هذا بمعزل عن استقالته ثم عودته عنها وملابسات كل ذلك.
عشرة دول عربية وبشراكة امريكية اسرائيلية تُغير بطائراتها منذ فجر الخميس على اليمن انتصارا للشرعية! طبعا نعلم ويعلم الجميع أن الامر ليس كذلك، وتطالعنا شاشات ال السعود وقنوات الرجعية العربية بصور الكترونية عن الاهداف اليمنية وهي تدمر، وعلى مدار الساعة يزودنا الناطق الرسمي باسم ″عاصفة العار″بمعطيات السيطرة على المجال الجوي اليمني وعن تحقيق الغارات اصاباتها الدقيقة..مشهد سوريالي يفطم القلوب.
والكارثة ليست في هذا العدوان نفسه فحسب، بل وفي محاولة الاعلام السعودي وتوابعه اقناعنا بانتصارات وانجازات عسكرية وملحمية، ودفعنا بالتالي كشعوب عربية الى الفرح بالنصر والابتهاج بالقوة العربية الضاربة التي داهمت يأسنا وإحباطنا على حين غرة، وما علينا إلا أن نستبشر بأن زمن الحزم قد أزف، فارفع رأسك أيها العربي..واهتف بأعلى صوتك ″ سجل يا تاريخ هاهم العربان في قلب الحداثة السياسية، وها هم ال سعود يبهرون العالم ويجيشون الجيوش لتأديب المارقين عن الشرعية، الهاتكين لحرمة مقام الرئاسة″!
كم صرخ الفلسطنيون في حصار بيروت عام 1982 وبعده في غزة وهم تحت ″الرصاص المصبوب″، والفوسفور المنثور، وكان ان كفر شاعرهم الراحل محمود درويش كما في رائعته ( مديح الظل العالي ) التي كتبها في حصار بيروت، والتي يقول فيها:
سقط القناع عن القناع عن القناع عن القناع
سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي ، لا أصدقاء
يا صديقي ، لا قلاع
لا الماء عندك ، لا الدواء ولا السماء ولا الدماء ولا الشراع
ولا الأمام ولا الوراء
حاصر حصارك .. لا مفر
سقطت ذراعك فالتقطها
واضرب عدوك ... لا مفر
وسقطتُ قربك ، فالتقطني
واضرب عدوك بي .. فانت الآن حر
حر
حر ...
وكم استصرخ الشعب اللبناني؛ ومعه فلسطينيو المخيمات؛ الحمية العربية، في مجازر صبرا وشاتيلا، ومجزرة قانا فى عدوان ″عناقيد الغضب″ وغيرها من اسماء لحملات صهيونية استباحت كل شيء..كم صرخ الفلسطنيون وتقطعت معهم افئدة الاحرار وهم يصدون بالايادي العارية هجمة الصهاينة على المسجد الاقصى وتدنيسهم لباحاته المشرفة. لكن كانت الرؤوس في الرمال، والاذان من طين ونحاس.. وتُرك المستضعفون لمصيرهم ولجراحهم ولغطرسة عدوهم.
فما الذي تغير؟ وإذ تغير الأعراب وانتبهوا لسلاحهم المكدس منذ عقود، ولما دخل ويدخل مخازنهم مع كل تلك الصفقات التي لو استثمر ربعها فقط في مشاريع تنمية لما جاع مواطن عربي واحد..فلماذا يكون اليمن المفقر والمضيّع منذ عقود هو المسرح الذي تضربه عاصفة العار المسماة ″حزما″ ادعاءًا وكذبا؟!
وسواء كان مبرر هذا العدوان الاجرامي هو ″الشرعية″-بحسب الادعاء- ؛ شرعية رئيس خائب ومتآمر ومستقيل ومنتهي الصلاحية والاهلية، أو كان الدافع شبه المعلن هو مزاعم (الأمن القومي العربي) والحاجة إلى تحصينه؛ صح النوم يا عرب. فهل تستدعي تحولات سياسية داخلية مهما كانت حدتها ودخول السلاح عليها، وطبيعة ارتباطات بعض أطرافها، تجييش الجيوش والتنسيق مع الامريكي والصهيوني لشن عدوان عسكري على شعب عربي ومقدراته؟ ناهيك على أن هذا العدوان - وتنزلا- يبقى فاقدا لأي غطاء قانوني على اساس ميثاق الجامعة العربية او مرجعية مجلس الامن الدولي.
والحقيقة ان قصة هذا العدوان مرتبطة باليمن الذي اراده حكام آل سعود على مقاسهم وصورتهم، يمنٌ يشكل عمقا أمنيا للكيان السعودي، دون أن يراوح هذا الدور، يمنٌ فاقد للإرادة والوحدة الوطنية والقرار والسيادة, يمنٌ يعيش على حافة الزمن.. وما استثمره آل سعود في اليمن من مال كان صرفا لشراء الذمم وولاءات بعض شيوخ القبائل والسياسيين، ولإقتطاع مساحات مبعثرة في خارطة اليمن لزرع مدارسها. وفي هذا الرهان وجد النظام السعودي في المخلوع علي عبد الله صالح رجلها المناسب حتى قامت عليه ثورة يناير 2011، والتي اجهضها حكام السعودية عبر ما عرف بالمبادرة الخليجية، شأنها في ذلك شأن باقي الثورات.
لكن وفي سياق هذا اليمن الذي حجّمته ارادة آل سعود وافقره رئيس عميل يدور في الفلك السعودي الامريكي، واستوطن بعض جنوبه الإرهاب القادم من المناخ الديني ″السعودي″، كانت محافظة صعدة تشكل رحم حركة وطنية اسلامية ترفع لواء المعارضة على أساس مطالب جهوية تنموية عرفت بجماعة ″الحوثي″، لكن سرعان ما ستتحول هذه الحركة الى حركة مشروع إنقاذ وطني، وذلك امام تراكم مظاهر الازمة الاقتصادية، وتعاظم الفساد السياسي والذي بلغ ذروته مع مشروع التوريث الذي كان يعد له علي عبدالله صالح، إضافة إلى الاختراق الارهابي القاعدي لبعض المحافظات الجنوبية، فضلا على الوحدة الوطنية التي كانت تتهددها مشاريع الانفصال الجنوبي.
تنامي هذه الحركة ″الحوثية″ كان مبعث قلق للنظام السعودي، حتى انه تدخل عسكريا ضدها في الحرب السادسة عام 2009، قبل ان تحسم الجولة بهزيمة ″السعودية″، واتفاق هدنة مع نظام علي عبدالله صالح.
وزاد من قلق نظام آل سعود من جماعة ″انصار الله″ بتوجهها الفكري والايديولوجي، وبعلاقتها الجيدة مع إيران؛ قدرتها من الإنسياب بسلاسة ملفتة في النسيج السياسي اليمني ودخولها في تحالفات مع بعض القوى اليمنية الاخرى، خاصة وأنها سجلت حضورا ملفتا في اثناء ثورة يناير 2011، وصولا الى تحملها مسؤولية تاريخية ووطنية في النهوض باليمن وتحريره من الوصاية السعودية من مدخل اتفاق ″السلم و الشراكة الوطنية″ الذي وقعت عليه الى جانبها المكونات السياسية اليمنية الأخرى، بما فيها «حزب التجمع اليمني للإصلاح» و«المؤتمر الشعبي العام» و«الحراك الجنوبي».
أدرك آل سعود خطورة النقلة السياسية التي سيفتح عليها الاتفاق، وقرأت في نصه السياسي بوادر نهضة وطنية، وهالها تحول ″الحوثيين″ الى حركة وطنية فوق مذهبية استطاعت ان تصبح طليعة الشعب اليمني ورافعته نحو تحقيق اهداف ثورة يناير 2011، فاوعزوا الى عميلهم الرئيس هادي تعطيل الاتفاق وتفريغه من مضمونه، وهو ما فتح على التطورات اللاحقة بدءا بلعب ورقة الفراغ والتعطيل من خلال استقالة الرئيس هادي، وهو ما رد عليه انصار الله وحلفاءهم بالاعلان الدستوري، ثم ما كان من فرار الرئيس المستقيل الى عدن والشروع في مخطط التقسيم بإيحاء من حكام ال سعود ما استدعى تحركا عسكريا من قبل الجيش اليمني وقوات انصار الله..
في تطورات اليمن ظل النظام السعودي وفيا لنهجه في معاداة اي نزعة تحرر في العالم العربي، لأنه يدرك ان تنامي الحالة الديمقراطية في المجال العربي سيعريه ويجعله مكشوفا كنظام قبلي مستبد مغرق في التخلف والعمالة. وأما ان يتحرر بلد في خاصرته الجنوبية ويبرز فيه تيارا وطنيا معاديا لامريكا و(إسرائيل)، تيارا استطاع ان يدمج في صفوفه قاعدة عريضة من اليمنيين في مختلف محافظات اليمن على اساس برنامج وطني تحرري يقطع دابر الوصاية السعودية ويلحق اليمن بخط المقاومة للمشروع الامريكي الصهيوني كسياق للوحدة والتحرر والتنمية، فذلك الذي اصاب حكام ال سعود بالجنون ودفعهم الى مغامرة ″عاصفة الحزم″، والتي ستتبدد صخرة صمود شعب اليمن الشامخ شموخ جباله العصية على كل المحتلين.
لامجال للشك في أن نهاية هذا العدوان السعودي الامريكي على اليمن المستضعف سيكون الفشل ومعه الخزي والعار الأبديين، بل إنه الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي وقعت فيه مملكة الظلام، وإنه مكر التاريخ وقوانين الصراع وموازين القرآن.. ″وأرادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين″.
ارسال التعليق