أزمات الداخل وتحديات الخارج تهدد عرش ابن سلمان
التعديلات الجديدة التي فرضها الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، والقاضية بتجريد ولي العهد السابق، محمد بن نايف، من مناصبه ونقل ولاية العهد لنجله، تساهم في تخليص نظام الحكم من حالة الزهايمر الملتصقة به منذ عقود، لكنها في نفس الوقت ستنقله إلى حالة من المراهقة السياسية، خاصة أن العديد من مقالات الرأي الصحفية الغربية وصفت الأمير الشاب محمد بن سلمان صاحب الـ31 سنة بالغبي سياسيا، كما وصفته تقارير استخباراتية ومنها ألمانية بالمتهور، وتجلت الأمور في تحركاته الاندفاعية في ملفات المنطقة كاليمن وسوريا ومؤخرًا مع قطر.
تعديلات الملك
التعديلات التي أجراها الملك السعودي مؤخرًا قد تشكل عقبة كبيرة في طريق نجله محمد بن سلمان، وتفتعل العديد من المشاكل داخل الأسرة الحاكمة نفسها، ما سيهدد استقرار النظام السياسي للمملكة، فاللافت في تعديلات سلمان الملكية التي جرت بالأمس، أنها، إضافة إلى عزل ابن نايف وتنصيب ابنه وليًا للعهد، عدلت مادة في النظام الأساسي للحكم تقضي بعدم تسلم أي من أحفاد عبد العزيز من الفرع الواحد الملك وولاية العهد في آن واحد، وهي خطوة يطمئن بها سلمان باقي الأجنحة لامتصاص غضبهم وإعطائهم بريق أمل، بأنهم سيحكمون يومًا ما، لكن السؤال هنا، لماذا يقدم سلمان أصلًا على تنصيب ابنه ملكًا في حياته، إذا كان المُلك سيؤول مستقبلاً لباقي الأفرع، ولن ينحصر في أبنائه من بعده؟
بعد صدور الأمر الملكي من العاهل السعودي بتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، نشرت وزارة الخارجية، صباح اليوم الخميس، مقطع فيديو ترويجي يمهد لتنصيب ولي العهد الجديد ملكا للسعودية، وبالتالي نحن على موعد مع انقلاب آخر لسلمان أو ابنه المدلل على ما تبقى من إخوته وأبنائهم وأحفادهم، فما فعله حتى الآن لا يصب في سيناريو ترك المُلك مستقبلا لباقي الأجنحة من سلالة عبد العزيز، فسلطان وفيصل أخوة محمد بن سلمان خارج اللعبة، لأنّ الأمر الملكي الجديد أضاف جملة تنص على أنه “لا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملك وولي للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس”، ما يعني أن ملك السعودية القادم في حال لم يكن من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز، وكان من أحفاده، فإن ولي عهده يجب أن يكون من فرع آخر من ذرية الملك عبدالعزيز.
ومع استعراض بعض من تبقى من مرشحي ولاية العهد عندما يصبح ابن سلمان ملكا، نجد أن الأمير محمد بن نايف، معزول نهائيًا، والأمير سعود بن نايف عُيّن ابنه عبدالعزيز وزيرا للداخلية وتم إرضاؤه، وهو الآن أمير المنطقة الشرقية، وقطعا لدى ابن سلمان مشكلة معه فهو أخو المعزول، والأمير الوليد بن طلال خلافاته كثيرة مع ابن سلمان، والحديث يدور أنه في الأساس قد تم عقد صفقة معه لإبعاده عن الدوائر السياسية، أما الأمير محمد بن فهد مهمش، وتمت ترضيته وتعيين ابنه تركي مستشارا بالديوان الملكي بمرتبة وزير، والأمير بندر بن سلطان، أعفي في فبراير 2015 بقرار الملك سلمان من منصبه كأمين عام لمجلس الأمن الوطني السعودي.
أما الأمير خالد بن سلطان أقصاه محمد بن سلمان في عام 2013 (في عهد الملك عبدالله) من منصب نائب وزير الدفاع، مستخدمًا اسم والده الذي كان وزيرا للدفاع آنذاك، حيث قدّم ابن سلمان للملك عبدالله حينها طلبًا بإعفائه، وبالتالي قد يمهد هذا لاستمرار أحد أبناء ابن سلمان في الحكم، فرغم أن التعديل الجديد يمنعه من ذلك، إلا أن هيئة البيعة والتي أقرت تعديلات سلمان الأخيرة أصبحت مؤسسة شكلية أكثر من كونها ذات إرادة حقيقية، فالأمير طلال بن عبد العزيز كان قد استقال من الهيئة بسبب أنها لا تعمل بالنظام الأساسي المصمم لها، الأمر الذي يفتح الصراعات داخل الأجنحة الملكية، خاصة أن ابن سلمان مازال شابًا، بمعنى آخر أنه قد يستمر ملكا للسعودية أربعة أو خمسة عقود مقبلة، وهي فترة طويلة مقارنة بالملوك السابقين، ومن دون أي ضمانات بألا يتلاعب بالفقرة “ب” كما فعل والده ويورث الحكم لأحد أبنائه، الأمر الذي قد يقلب العائلة المالكة عليه.
الوضع الداخلي في السعودية
السلاسة الظاهرية التي تم تصويرها في مشهد استحواذ ابن سلمان على منصب ولي العهد، قد تغيب عن التحديات التي تواجهها في الداخل السعودي، ففي الداخل يقف ابن سلمان أمام توترات بدأت تنمو، وليس أدل عليها ما يحدث في المنطقة الشرقية من المملكة، حيث فئات سعودية باتت تجاهر بشعورها بالتهميش والمظلومية، كما أن حالة من الضيق الشعبي بدأت تسود المملكة بعد السياسات الاقتصادية والسياسية الخاطئة لنجل الملك، وأدت إلى انخفاض سعر النفط، الأمر الذي أجبر الحكومة على تبني سياسات تقشفية وفرض المزيد من الضرائب، ورفع الدعم عن الوقود وبعض السلع الغذائية، ما أثقل كاهل المواطن السعودي، حتى أنه ساهم في إرباك المشهد الأمني في الداخل، وزيادة عدد جرائم السرقة.
كما أن سياسته تجاه قطر قد تعقد المشهد الداخلي للمملكة، فهناك صلات عشائرية وقبلية ممتدة بين البلدين، وصحيح أن الملف اليمني، خارجي، لكنه بدأ يطال الداخل، فالكثير من المواطنين السعوديين أصبحوا يعبرون عن امتعاضهم من هذه الحرب، التي بدأت تطال مناطق في الداخل كجيزان والعسير ونجران، بالإضافة لقتلى العوائل السعودية من جنود سعوديون في اليمن، ناهيك على أنها استنزفت المملكة ماديًا.
وفيما يخص الرؤية الاقتصادية 2030، يرى مراقبون أنها الكارثة الكبرى للأمير الشاب، خاصة بعد وصوله إلى موقع القرار الأول في المملكة، وربما أنها ستقود بالإضافة إلى عوامل أخرى لتهديد الوضع في السعودية، وسبب ذلك يعود إلى أنه لا يوجد في السعودية كينونة اقتصادية، فالمملكة تعتمد بشكل كامل تقريبًا على عائدات النفط التي تراجعت من 650 مليار دولار إلى 250 مليار دولار سنويًا، بما لا يغطي تكاليف المملكة، كما أنه لا يوجد قطاع زراعي ولا صناعي ولا خدماتي حقيقي في السعودية، كما أن الرؤية الاقتصادية الجديدة تعتمد على خصخصة الشركات بما فيها أرامكو النفطية.
أزمات ابن سلمان الخارجية
أداء ابن سلمان السياسي لا يؤشر إلى أنه رجل تسويات وحلول، وبرز ذلك في قدرة قطر السريعة على تحجيم مفاعيل القرارات السعودية ضدها، كما أن ابن سلمان يقف أمام بيت خليجي أسهم في تصدعه وأصبح عرضةً للانقسام، ولا يبدو الملك المستقبلي ممسكًا بزمام مصير الحرب التي يشنها التحالف السعودي في اليمن، فرغم تحقيقه مكتسبات تكتيكية، لكنها لا ترقَ إلى مستوى الحل السياسي الذي يعيد للمملكة نفوذها اليمني.
كما أن خسارة الرياض على أبواب دمشق الواضحة ميدانيًا وسياسيًا، تشي بأن الأمير الشاب المجاهر بعدائه لإيران ونقل المعركة لداخلها لن يستطيع مجابهتها، وأن أي تصعيد معها سيربك الساحة العربية والخليجية قبل أي شيء آخر، فابن سلمان لم يستطع الصمود أمام قبائل الحوثي ولم يستطع أن يسقط النظام في سوريا، وكل ما فعله أنه أغرق المملكة بالديون والعجز في ميزانيتها، وربما يرمي ابن سلمان على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لكن الأخير لا يبدو أنه ينوي تبديد المليارات التي جناها من زيارته للرياض في حروب لمصلحة السعودية، ناهيك عن صراحة موقف الرئيس الأمريكي من حروب السعودية، فترامب مستعد لبيع السلاح لها، لكنه لن يضحِ بجنود أمريكان في هذه الحروب، وعلى السعودية أن تقتلع شوكها بيدها.
وبالنسبة للسياسة الجديدة لابن سلمان والتي تتجه علنًا نحو تل أبيب، نجد أن الملك المستقبلي استفاد من تهيئة جو خليجي معادٍ لإيران، ليبدو منقذا من خطر يدهم المنطقة، ويبرر على ما يبدو خطوته المقبلة، فأمامه قطب إقليمي ينتظر التحالف معه وهي إسرائيل، صحيفة هآرتس العبرية، وصفت وصوله إلى ولاية العهد بالخبر الجيد لتل أبيب، ونقلت عن تقارير صحفية أنه التقى مسؤولين إسرائيليين، الأمر الذي أصبح يحكى علنًا عن اقتراب التطبيع السعودي الإسرائيلي بوصفه العصا السحرية التي ينتظرها ابن سلمان ليحجز موقعه القوي في المنطقة.بقلم : خالد عبدالمنعم
ارسال التعليق