أسهم أرامكو لا تبلُغ المُرتجى
في محاولة لاختبار "الحماس" الغربي للاستثمار في "السعودية"، أعلنت شركة أرامكو النفطية السعودية الأحد، أن مستثمرين من خارج المملكة استحوذوا على غالبية الأسهم التي طرحتها للبيع، مشيرة إلى إجمالي المبلغ الذي ستجمعه من هذه الاستثمارات.
الاستثمار في "أرامكو"، استثمار في النفط لا خسارة فيه بالنسبة لرجال الأعمال. أما بالنسبة للنظام السعودي فهو باب لجمع الأموال وتحويلها إلى صندوق الثروة السيادية ومنه إلى مشاريع محمد بن سلمان غير المكتملة على الأرض عدا الورق.
وأوضحت الشركة السعودية أنها ستجمع من خلال هذه الاستثمارات 11.2 مليار دولار، علما بأنها أعلنت في أواخر أيار/ مايو الماضي، عن طرح 1.545 مليار سهم، أي نحو 0.64 بالمئة من أسهمها المصدرة للبيع في السوق السعودية.
ويُعدّ هذا الطرح الثاني بعد طرح عام أولي في 2019 لنحو 1.5 بالمئة من أسهم الشركة، التي تعد خامس أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، وقد جمع 25.6 مليار دولار، ما جعله أكبر طرح عام أولي في العالم.
وقالت الشركة في بيان موجه الى سوق الأسهم السعودية، إن الطرح الأخير "تم بموجبه تخصيص غالبية الأسهم المخصصة لشريحة المؤسسات المكتتبة في الطرح لمستثمرين خارج المملكة".
وأفادت مصادر مطلعة على الملف وكالة فرانس برس، بأن نحو 58 بالمئة من هذه الأسهم خصصت لأجانب، بزيادة عن نسبة الـ23 بالمئة التي اعتمدت في الطرح العام الأولي الذي كان الأكبر في العالم.
وأشارت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها، إلى أن نحو 70 بالمئة من طلبات الاكتتاب من خارج السوق المحلية كانت من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما تنوعت الأخرى بين اليابان وهونغ كونغ وأستراليا.
وينظر إلى الطرح الجديد كاختبار لاهتمام المستثمرين الأجانب بالاكتتاب في الشركة التي يتوقع أن تموّل أرباحها برنامج محمد بن سلمان المعروف بـ"رؤية 2030" الهادفة لتنويع مصادر إيرادات "السعودية" الناتجة بشكل أساسي من النفط.
وكانت أرامكو أعلنت الجمعة عن تحديد سعر الطرح النهائي بمبلغ 27.25 ريال سعودي للسهم الواحد. وهذا الرقم هو أقرب الى الحد الأدنى ضمن النطاق السعري الذي تمّت الإشارة إليه سابقاً، وراوح ما بين 26.7 ريال (7.12 دولار) و29 ريالاً (7.73 دولار).
وأنهت الشركة تداولات الخميس عند سعر 28.30 ريال للسهم الواحد، ما يجعل قيمتها السوقية عند نحو 1.83 تريليون دولار. وبموجب سعر السهم المحدد الجمعة، تناهز القيمة السوقية للشركة 1.76 تريليون دولار.
وكانت أرامكو أشارت الجمعة الى أنه "سيتم تخصيص كافة الأسهم المخصصة للمكتتبين الأفراد بحيث يعطى كل مكتتب ما لا يقل عن 10 أسهم، وسيتم تخصيص الأسهم المتبقية على أساس تناسبي بمتوسط تخصيص قدره 25.13%".
ورأى مصدر أن الطرح يعتقد بأنه أكبر طرح ثانوي في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا منذ العام 2000، وأكبر صفقة في أسواق المال على مستوى العالم منذ العام 2021، وأكبر طرح في الشرق الأوسط منذ الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو، والذي جمع 29.4 مليار دولار في نهاية المطاف.
وأعلنت أرامكو العام الماضي أنها ستبدأ بتوزيع أرباح على أساس الأداء بالإضافة إلى أرباحها الأساسية. وأفادت الشهر الماضي عن توزيعات أرباح أساسية للربع الأول يبلغ مجموعها 20.3 مليار دولار، وتوزيع أرباح مرتبطة بالأداء بقيمة 10.8 مليار دولار سيتم دفعها في الربع الثاني.
وقالت إلين والد من مركز "المجلس الأطلسي" (Atlantic Council) للأبحاث ومؤلفة كتاب عن تاريخ أرامكو، إنه "ليس مستغرباً أن يرغب المتداولون المؤهلون في شراء الأسهم، خصوصاً بعد رؤية كيفية صرف توزيعات الأرباح بغض النظر عن حجم الايرادات التي حققتها الشركة".
وتعد "السعودية" أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم. وقبل الإعلان عن الطرح الجديد، كانت الحكومة تمتلك 82.18 بالمئة من أسهم أرامكو. وباتت النسبة نحو 81.5% بعد الطرح الثاني.
ويسيطر صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي، والشركات التابعة له على نحو 16 في المئة من أسهم الشركة.
لكن أرباح درة تاج الاقتصاد السعوديّ انخفضت بمقدار الربع العام الماضي بسبب انخفاض أسعار النفط.
في سياق غير منفصل، تواجه "السعودية" حقيقة مؤلمة تتعلق بتدني مستوى آمال رؤية 2030، بعد أن واجهت وحيدة واقع محدودية القدرات لديها. شيئا فشيئا تعترف بتراجع الكثير من المشاريع التي بنت عليها الكثير، تراجعها واعترافها يأتي بطيئا بالمقارنة مع الترويج السريع والضخم الذي صعّدت به مشاريعها.
وأظهرت صورا جوية للمكان المقرر بناء نيوم عليه؛ بطئا شديدا بالبناء، حتى شكك مطلعون على الصور بأن القيّمين على المشروع سيُنهون بناءه قبل أن يعتريهم الملل.
تزامنا مع الصور الجديدة لموقع البناء، صدر تصريح جديد لوزير المالية السعودي محمد الجدعان يبرر فيه تعثّر مشاريع البلاد محاولا تبرئة بلاده من هذا التعثّر وتحميل الذنب برقبة الأزمات العالمية. وخلال كلمة له في منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة، أشار الجدعان إلى أن “رؤية 2030 أُطلقت عام 2016، قبل وقت طويل من تفشي الوباء والحروب في أوكرانيا وغزة ومشكلات مثل التضخم وتعطل سلاسل التوريد”، مضيفًا “كل تلك الصدمات الجماعية التي تواجه العالم تدعونا أيضًا إلى إعادة ترتيب الأولويات، والنظر إلى ما نقوم به، وكيف يمكننا تحسين ما نقوم به فعليًا، وتحسين خططنا”. وهذا يعني أن سلطات الرياض بعدما تيقنت من استحالة تنفيذ المشاريع في الوقت الحالي، أرجعت السبب إلى الظروف العالمية التي تتذرع بها لتبرير فشل رؤية محمد بن سلمان.
ارسال التعليق