أمريكا ترامب وسياسة التصعيد مع المسلمين وإيران ودور آل صهيون وآل سعود فيها (1)
منذ ظهوره على مسرح الترشيحات لخفض المنافسة على الرئاسة الأمريكية، ومن ثم خوضه الانتخابات، وحتى بعد فوزه بالرئاسة، كشف الرئيس الجديد دونالد ترامب، وجهاً عدائياً للمسلمين وإسلامهم، وللجمهورية الإسلامية في إيران، فخلال حملته الانتخابية، اتسم خطابه بالفجاجة والعدوانية ضد المسلمين وإسلامهم، متوعداً بمنع اللاجئين المسلمين إلى أمريكا، وبمنع المشكوك فيهم أو في دولهم بدعم الإرهاب من دخول أمريكا، ومهدداً بسحق " الإسلام المتطرف " أو الإسلام الراديكالي ".
وبالنسبة لإيران، فقد اتهمها (بدعم الإرهاب)، واعتبروا الاتفاق النووي معها سيء، وتوعد بإلغائه والتخلص منه، وادعى أن التوصل إلى هذا الاتفاق كان خطأ استراتيجياً ارتكبته الإدارة الأوبامية السابقة.
وفيما اعتبر البعض من المحللين والمتابعين أن المفردات ونوع الخطاب الفج والعدواني الذي يستخدمه ترامب مجرد تصرف انتخابي، فأن الإجراءات والقرارات التي اتخذها بعيد تسلمه الإدارة، تؤكد أن الرجل لم يكن سوى أنه رجل أعد لمرحلة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية، وبنظري أن المؤسسات العميقة في الولايات المتحدة، أو ما يصطلح عليه بالدولة أو الحكومة العميقة هي التي جلبت ترامب وأعدته باعتباره الشخص المناسب لهذه المرحلة، ذلك أن الرئيس الأسبق جورج بوش الابن أرهق الدولة الكبرى بسياساته وبحروبه الخارجية وأسقطها أخلاقيا وحتى اقتصادياً، فجئ باوباما لكي يعيد للولايات المتحدة وجهها السابق ويُصلح ما تصدع من جدرانها، سيما على الصعد الأخلاقية والاقتصادية، وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة، تخلت في عهد أوباما عن سياسات الغطرسة والإرهاب أبداً، إنما استخدام القوة الناعمة، وخوض الحروب بالأدوات والعملاء، ويبدو ان الدولة العميقة في أمريكا تريد إعادة الهيبة الأمريكية التي فقدتها في عهدي بوش الابن واوباما، عبر شخص متهور فج مثل ترامب، عبر توظيف العامل النفسي بامتياز، والذي تابع ومازال يتابع الإعلام الغربي والأمريكي وكل الإعلام الأجير الذي يدور في فلك الإعلام الغربي والصهيوني، يلاحظ أن هالة ضخمة صنع هذا الإعلام حول هذا الشخص، بأنه شخص (جسور) و(صدامي) ويمكن أن يقوم على شن الحروب وما إلى ذلك من التوصيفات من أجل إرعاب العالم ودول منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وساهم في تكريس وتعزيز هذه الصور عن شخصية ترامب التصريحات والقرارات التي اتخذها بعد تنصيبه رئيساً في البيت الأبيض الأمريكي، والتي تصب في إطار هذه الصورة (المرعبة) لهذا الرئيس الجديد!!
ذلك إضافة إلى أن الأشخاص المقربين من ترامب والذين انتخبهم لمناصب حساسة هم أو جلهم من الصقور، من مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يوصف "بالكلب المسعور" من قبل الإعلام الغربي، وكبير مستشاري الرئيس للأمن القومي ستيف بانون، الذي قال ينبغي أن تخوض الولايات المتحدة حربين واحدة في الشرق الأوسط والأخرى في المحيط الهادي مع الصين، وبالتالي فأن هذه الصور " المرعبة " لطاقم الإدارة الأمريكية الجديدة يراد منها تسويق "الرعب" للعالم ولمنطقة الشرق الأوسط بهدف إضافة الصين وإيران وباقي دول محور المقاومة.
دوافع سياسة " البلطجة " الأمريكية
في الحقيقة أن السياسة الأمريكية منذ التأسيس لهذا الكيان، مبنية على (البلطجة) وعلى الغطرسة والظلم، وسحق الشعوب وقتلها واستغلال ثرواتها، غير أن الأساليب تختلف، فترامب هو بالحقيقة يواصل هذه السياسة لكن دون يلبس قفازات يخفي بها الأنياب والمخالب الأمريكية، والتي لبسها أكثر الرؤساء السابقين، ولهذا فهو كما قال قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد خامنئي، أن ترامب وفر علينا جهداً وأظهر الوجه الحقيقي لأميركا...ماكنا نقوله طوال 38 عاماً عن الفساد الاخلاقي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي المستشري في الإدارة الأمريكية قد عراه هذا الشخص وجعله علينا أثناء حملته الانتخابية وبعدها...."
أما لمعرفة أسباب ودوافع إظهار الوجه الحقيقي للسياسة العدوانية الأمريكية، فلابد من الإشارة إلى التحديات التي واجهتها أمريكا وعملاؤها، إقليميا ودولياً.
* إقليمياً، وأهم هذه التحديات على مستوى الإقليم كما هو معروف انتصار الثورة الإسلامية في إيران وما أوجدته من وعي عند الأمة على مستوى المنطقة برمتها، هذا الوعي الذي أفرز بدوره مقاومة متصاعدة، للتبعية الاستعمارية وللكيان الصهيوني...
وللتصدي إلى هذا التحدي، اتبعت الإدارة عدة إستراتيجيات من أجل التخلص من النظام الإسلامي في إيران، وبالتالي إن ذلك سوف يسهل عملية إجهاض وضرب الصحوة الإسلامية وموجه الوعي عند الأمة.
1- محاولة ضرب النظام الإسلامي وإسقاطه من خلال التعاون مع عملاء الداخل وواقعة طبس المعروفة شكلت مفصلاً مهماً في هذا الإطار.
2- عندما تعذر الأمر، وصُعب على أمريكا إسقاط الحكومة الإسلامية في طهران استخدمت أمريكا النظام العراقي ومدته بكل أنواع الأسلحة، وبتمويل وسند ودعم خليجي، سيما السعودية والكويت.
3- بعد خروج النظام الإسلامي من هذه الحرب التي دامت ثمان سنوات، منتصراً لجأت أمريكا وحلفاؤها إلى الحصار الاقتصادي والإعلامي والتشويه والقصة معروفة.
4- في حرب 2006 مع حزب الله أرادت الولايات المتحدة تغيير وجه المنطقة بالقضاء على المقاومة ومن ثم محاصرة إيران وتطويعها وإسقاط نظامها، وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية كوندليزا رايس يوم ذاك، حيث " بشرت المنطقة والعالم" بولادة ما سمته الشرق الأوسط الجديد، الصهيوني الإدارة الأمريكية الضاربة في المنطقة، وباقي العملاء يكونون خدماً وممولين لهذا الكيان في مواجهة الأمة وإسلامها.
5- بعد فشل هذه الحروب وهزيمة الكيان الصهيوني، نزلت أمريكا بكل ثقلها، وجيوشها في عهد بوش الابن وعزت العراق وأفغانستان وأسقطت نظامي صدام وطالبان، ولكن هذه التدخلات العسكرية أرهقت أمريكا وأضعفتها، ولأول مرة باتت تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية بسبب تداعيات التدخلات العسكرية الخارجية، ذلك ما دفع أوباما إلى سحب القوات الأمريكية من العراق وتبني سياسة واستراتيجية جديدة ترتكز على توظيف أدوات من قبل السعودية وقطر ودول أخرى، وأيضاً تُسلح من قبل هذه الدول وتعد فكرياً وعقائدياً، في المدارس الوهابية السعودية في مملكة آل سعود وفي المدارس السعودية المنتشرة في أصقاع العالم، فظهرت القاعدة، ثم داعش والنصرة وما إليها من التشكيلات التكفيرية. وفي الحقيقة ان هذه الجحافل الوهابية التكفيرية التي يقودها الاميركان والصهاينة حققت أهدافاً جمة للاميركان والصهاينة على صعيدين خطرين جداً، هما: تشويه الأسلام من خلال الصورة الوهابية المنحرفة عن الإسلام وهذا ما ساعد امريكا والصهيونية من شن الحملات العدائية للاسلام وتبرير التدخلات العسكرية والسياسية في شؤون دول المنطقة وحتى تبرير الحروب عليها، مثلما يلوح اليوم الرئيس ترامب وطاقمه بها.
هذا أولاً، وثانياً: ان هذه القطعان ساعدت أمريكا في تدمير الأوطان واستنزاف الشعوب عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فالعراق دُمر وسوريا كذلك، وأفغانستان وليبيا ومصر على الطريق وهكذا.
على انه، ورغم كل هذه الانجازات التي حققتها أمريكا من خلال حروب الأدوات الوهابية، لم يتحقق للولايات المتحدة ما كانت تريده، وهو نهوض مشروعها على أنقاض هذا الخراب والدمار الذي لحق بالأوطان، إذ تعذر ذلك حتى مع زج أمريكا السعودية بكل إمكاناتها في الحرب على اليمن، بعد ما كان دورها في تمويل وتسليح وجلب القطعان التكفيرية كما أشرنا قبل قليل، فمرت قرابة سنتين على هذه الحرب الظالمة دون أن تحقق السعودية ما أرادته أمريكا في السيطرة على اليمن، ليكون ذلك الانجاز منطلقاً لقلب المعادلات العسكرية والسياسية في المنطقة لصالح نهوض المشروع الأمريكي الصهيوني المدعوم من الأنظمة العربية الرجعية مثل النظام السعودي ونظيره والقطري وغيرهما....
صعود محور المقاومة
صحيح أن أميركا والكيان الصهيوني وعملائهما في المنطقة، نجحوا كما قلنا في توجيه ضربات ساحقة لبعض الأوطان الإسلامية، مثل ليبيا والعراق وسوريا وحتى اليمن، على حد التدمير والقتل والتشويه للعقيدة الإسلامية، إلا أن مقابل ذلك نهضت شعوب الدول التي تعرضت للتدمير، من القتل والدمار، وراحت تلحق بادوات أمريكا ضربات كبيرة وساحقة، فالعراقيون بجيشهم وحشدهم دحروا الدواعش وهم اليوم على وشك تحرير الموصل بعد تحريرهم الرمادي وصلاح الدين والفلوجة وما إليها، والسوريون حرروا أغلب مدنهم، ومنها حلب، ومازالوا يواصلون ضرباتهم للإرهابيين، والشعب اليمني أيضاً يواصل صموده ويلحق الهزائم بالعدوان، ما يؤشر ذلك كله إلى أن هذا المحور في حالة صعود، ما يعني بالمعنى الاستراتيجي هزيمة ساحقة للمشروع الأمريكي وبالتالي تهديد الكيان الصهيوني وخروج الولايات المتحدة من المنطقة سيما بعد الاندفاعة الروسية القوية إلى هذه المنطقة من خلال الأزمة السورية.
أما التحديات الدولية، فهذا ما سنتعرض له في القسم الثاني من هذه المقالة بإذن الله، وفيه نتعرض إلى مباني السياسية الأمريكية الجديدة، و دور النظامين الصهيوني والسعودي فيها.
بقلم : عبد العزيز المكي
ارسال التعليق