أمريكا ترامب وسياسة التصعيد مع المسلمين وإيران ودور آل صهيون وآل سعود فيها (2)
في القسم الأول، من المقالة تعرضنا إلى دوافع السياسة الأمريكية الحالية، وأشرنا الى خلفيات هذه الدوافع، ومنها التحديات الإقليمية والدولية للمشروع الأمريكي في المنطقة والعالم. وقد استعرضنا بشكل سريع التحديات الإقليمية، وفي القسم الثاني نواصل الحديث عن بقية فقرات الموضوع.
التحديات الدولية
كما هو معروف، فأنه في الوقت الذي كانت فيه القوة الأمريكية تتراجع، هناك قوتان تزداد قوة ومنافسة للولايات المتحدة، هما الصين وروسيا، فالأولى تشهد ومازالت صعوداً مضطرداً، اقتصادياً وعسكرياً، وباتت منافساً اقتصادياً للولايات المتحدة على هذا الصعيد، وهذا ما اعترف به المسؤولون الأمريكان أنفسهم وعلى رأسهم الرئيس السابق باراك أوباما.
أما بالنسبة إلى روسيا، فإن المسؤولين الأميركان، سواءاً في الإدارة السابقة بقيادة اوباما، أو في الإدارة الجديدة، عبروا صراحة، عن أن سياسات الرئيس الروسي فلا يعير بوتين تشكل تحدياً للولايات المتحدة ولسطوتها العالمية، وما عزز هذه الرؤية إقدام روسيا على مهاجمة جورجيا قبل عدة أعوام واقتطاع اجزاء منها ومن ثم ضمها جزيرة القرم وفصلها عن أوكرانيا قبل عامين أو أكثر، وتجلى التحدي الروسي بنظر الاميركان بشكل كبير، بعد التدخل الروسي في سوريا وسد الطريق على الولايات المتحدة الأمريكية في تغيير الخارطة السياسية والجغرافية في سوريا وفي المنطقة برمتها. وبالتالي أن هذا التدخل عقد الأمور على الاميركان وعلى عملائهم وأدواتهم في سوريا، بل وفي المنطقة أيضاً.
ولهذه التحديات وغيرها جئ بترامب وطاقمه للتعاطي معها بأساليب وبرامج تختلف عن تلك التي سلكها الرئيس السابق باراك أوباما.
على انه قبل التطرق الى المديات التي سيصلها ترامب باساليبه القطة والعدوانية، نرى من الجدير الإشارة الى الأدوار الصهيونية والسعودية وتأثيراتها على السياسة الأمريكية، سيما سياسة هذا الرئيس الجديد.
آل صهيون وآل سعود هل وجدوا ضالتهم في ترامب؟
مما هو معروف، أن آل صهيون وآل سعود، لعبوا دوراً كبيراً في مواجهة إيران الجمهورية الإسلامية، والصحوة الإسلامية، بشكل مباشر وغير مباشر، فما صرحت به واعترفت به أيضاً وسائل إعلام غربية وأوساط سياسية غربية أيضا وحتى محلية أن النظام السعودي وعدد من انظمة الخليج العربية ساهمت مساهمته فعالة في تقديم الدعم المالي والعسكري والإعلامي والسياسي للنظام الصدامي المقبور، عندما شن حربه الظالمة على إيران، واستمر هذا الدعم طيلة الحرب، أي طيلة السنوات الثمان لهذه الحرب، كما أن رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق في عام 2006 ايهود اولمرت اعترف صراحة بأن دولاً عربية خليجية تتصل بنا سراً وتقول لنا اسحقوا حزب الله في حرب 2006 بين الكيان الصهيوني وحزب الله في جنوب لبنان، وبعد ذلك أفضح الصهاينة عن هذه الدولة الخليجية وهي الدولة السعودية، بل ونقلت أوساط أمريكية غربية، عن مسؤولين أمريكان في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، أن الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز طلب من الرئيس الأمريكي قطع (رأس الافعي) بحسب قوله، أي مهاجمة إيران...
ومنذ ذلك الوقت اتسم الموقفان السعودي والصهيوني بالعدائية والتربص والتحريض ضد إيران وضد الدول والحركات المقاومة، ولقد اعترف الرئيس السابق اوباما بحديثه لمجلة اتلانتيك الأمريكية، بأن السعوديين يريدوننا أن نقاتل ايران نيابة عنهم، وهذا غير ممكن، فعليهم التفاهم والتحاور مع إيران لنزع فتيل التوتر، لأن الذي يهدد هذه الدول هو التحدي الداخلي، وليس إيران".
فطيلة المدة التي بقي فيها أوباما رئيساً للولايات، ظل الصهاينة يحرضون على قيام أمريكا بمهاجمة إيران ومعهم آل سعود الذين دائماً يتعهدون بتغطية نفقات أي عدوان على إيران، وكان لهم دور كبير في توجيه ضربات إلى الاقتصاد الإيراني بتخفيض أسعار النفط عن طريق إغراق السوق النفطية بالفائض النفطي عن طريق رفع الطاقة الانتاجية التي تصل إلى 11مليون برميل يومياً، وكان آخرها وليس أخيرها الخطوة التي أدت تخفيض الأسعار من 80 دولاراً للبرميل الواحد إلى أقل من 30 دولارا للبرميل الواحد وهي الأسعار الحالية، وذلك من أجل إضعاف الاقتصادين الإيراني والروسي وتأخذ خدمة لأميركا وللصهيونية.
الصهيونية وعقدة الإسلام وإيران :
العداء الصهيوني للإسلام معروف، هو عداء تاريخي فالصهاينة يرون أن قيم الإسلام، واستلهام المسلمين لهذه القيم، من شأن ذلك أن يكون إيذانا بزوال ملكهم، هذا الشعور تعمق الآونة الأخيرة عندما اتسعت مساحة الوعي الإسلامي عند الأمة وظهور حركات المقاومة مثل حزب الله اللبناني والجهاد وحماس الفلسطينيين وما إلى ذلك، وعندما أخفقت كل المساعي وكل المؤامرات الأمريكية والصهيونية في إسقاط النظام الإسلامي في إيران، بل العكس، إنما تعززت قدرة هذا الكيان الإسلامي الملهم لوعي الأمة في المنطقة، والانكى من ذلك بالنسبة للصهاينة، هو أن وعياً بات يحتاج الرأي العام الغربي بأن الصهيونية هي الخطر على أمن العالم واستقراره، وأنها تمارس الظلم بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وهي المسؤولة عن الإرهاب في العالم، ولذلك تحركت هذه الصهيونية على جبهتين في السنوات الأخيرة، على صعيد مواجهة الاسلام وتشويهه وطرحه انه " مصدر الإرهاب " وهو الذي يهدد اروربا" عبر إعداد داعش بالتعاون مع أمريكا والنظام السعودي الحاضنة الفكرية للوهابية التكفيرية، ونجح الكيان الصهيوني الى حد كبير في طرح وجه آخر للإسلام أمام الرأي العام، وهو إسلام داعش والنصرة والقاعدة وبقية التسميات التي تجمعها الحاضنة السعودية وفكرها الوهابي التكفيري، وهو إسلام قاتل، لا يعترف بالآخر، يعترف الجرائم المروعة، وأقدمت الصهيونية بالتعاون مع السي آي اي، والمخابرات السعودية على دفع هذه القطعان المجرمة لارتكاب جرائم باسم الله والإسلام في اروبا، بحيث نسيت الشعوب الأوربية الصهيونية وخطرها وانشغلت بالإرهاب الوهابي الداعش والقاعدي والنصروي وما إلى ذلك. وبذلك نجحت الخطة التي دعا إليها شيمون بيريز، لكن هذه الخطة أخفقت في شقها الثاني الذي تمثل في تحرك العدو على صعيد إثارة حرب طائفية بين السنة والشيعة لاستنزاف المسلمين وأنهاكم، وأخفقت في توريط أمريكا في حرب ضد ايران يحشد لها السعودية ودول إسلامية أخرى، لأن اوباما رفض ذلك رغم محاولات الصهاينة وآل سعود الدؤوبة توريط أمريكا في مثل هذه الحرب. بيد أن الصهاينة رغم ذلك ظلوا إلى الآن يمارسون التحريض بهدف دفع امريكا لشن حرب ضد إيران كما سنرى بعد قليل.
السعودية وعقدة البقاء في السلطة :
عقدة آل سعود، هي البقاء في السلطة، فهم مستعدون لبيع البلد كله. للصهيونية ولأمريكا مقابل بقائهم في السلطة، ومستعدون حتى لهدم الكعبة اذا ضمن لهم ذلك بقائهم، أو توقف بقائهم في الكرسي على ذلك، وهذا ما كشفته سياساتهم المفضوحة مؤخراً، سيما ارتباطاتهم وتنسيقاتهم المباشرة والعلنية مع الكيان الصهيوني ومع الدوائر الأمريكية في التآمر على الإسلام وعلى المسلمين، وهم مثل أشقائهم الصهاينة، طلبوا من الرئيس الأمريكي أوباما، شن حرب على إيران مقابل تغطيتها مالياً، وجعلها حرباً طائفية بجلب كل القطعان الوهابية وتحشيد الدول السنية وراءها، ولكن الولايات المتحدة، باعتبارها دولة مراكز بحثية وخبراء ومؤسسات وجدت في هذا المشروع مجازفة كبيرة ويمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية بحسب ما صرح به رئيس أركان الجيوش الأمريكية السابق ديفيد ماتريوس، عندما أعلن نتنياهو انه سيهاجم ايران لوحده، حيث حذره من الإقدام على هذه الحماقة. ولذلك رفضت أمريكا دعوة السعودية في مهاجة ايران، لكنها ظلت تذكي وتحرض إثارة الفتنة الطائفية في المنطقة وإشغال حرب بين المسلمين الشيعة والسنة دون أن تتدخل هي، ذلك كما اعترف أوباما، واشرنا إلى اعترافه قبل قليل.
آل صهيون، وآل سعود، وترامب :
أنا شخصياً، كما نوهت سابقاً لا استبعد، أن تكون الدوائر الصهيونية في أمريكا وفي الكيان الصهيوني وفي بقية أنحاء العالم، هي التي جاءت بترامب لتخوف به العالم من خلال هالة الرعب والخوف التي سوقتها في العالم، حول طبيعة هذا الشخص " الصدامية والمجازفة " والتي لا تفكر الّا بالقوة والعنف، وما إلى ذلك، لان الصهيونية وفي ظل التراجع الأمريكي وظهور بوادر تفكك الاتحاد الأوربي باتت ترى أن المستقبل لا يبشر بالخير، لان القوى الساندة لها والداعمة والضامنة لبقاء الكيان الصهيوني تتقوض وتتآكل باستمرار وفي حال تراجع هذه القوى يعني، بدأ العد التنازلي لوجود الكيان الصهيوني، سيما في ظل صعود قوى جديدة من بينها قوى إسلامية تسعى إلى القضاء على الغدة السرطانية في فلسطين المحتلة. لذلك جاءت الصهيونية بهذا الشخص من أجل تغيير المعادلات الدولية، والإقليمية، ولصالح الصهيونية، حتى ولو تطلب ذلك إشعال حرب عالمية أو إقليمية، ولعل في تصريح كبير مستشاري ترامب ستيف بانون، الذي أشار فيه إلى احتمال خوض حربين في الشرق الأوسط وفي منطقة الصين، ما يرجح هذه الرؤية التي نحن بصددها أما بالنسبة نظام آل سعود، فقضيته معروفه وانخراطه في المشروع الأمريكي الصهيوني معروفة من خلال دعمه للتكفيريين وزجهم في سوريا وفي العراق، ومن خلال نزوله بكل ثقله في الحرب اليمن البلد الفقير المسالم، ولكنه ذو البأس الشديد والمقاتل من الطراز الأول، فهو أي نظام آل سعود، وكما أشرنا فيما مضى يحرض دائماً لقيام أمريكا بإشعال حرب ضد إيران ومحور المقاومة، وتزايد إلحاحه أكثر بعدما أخفق في كل محاولاته من دحر محور المقاومة، ثم فشله في حربه على اليمن، حيث وكما تشير كتابات ومقالات الكتاب السعوديين، بل وتصريحات تركي الفيصل، وأنور عشقي، وحتى وزير الخارجية عادل الجبير، إنهم يتطلعون إلى الحرب الأمريكية على إيران وحلفائها السوريين والعراقيين واللبنانيين وما اليهم...
وبالتالي فأن السعوديين والصهاينة وجدوا في ترامب، الرئيس " المتهور والعدواني والأحمق" في نفس الوقت، الفرصة السانحة التي تمكنهم من دفع القوة الأمريكية الجبارة في إطار مشاريعهم، بتشديد الحملة العدوانية على الأسلام بحجة مواجهة ما يسمونه " الإسلام المتطرف " وبدفع ترامب إلى مواجهة إيران عسكرياً وان تعذر ذلك فمواجهة إيران اقتصادياً وإعلاميا ونفسياً لابتزازها وزرع الأشواك والمتاعب في مسيرتها.
وللإشارة ان أهدافاً أمريكية التفتت مع الطموحات الصهيونية والسعودية، وتتمثل هذه الأهداف في محاولة أمريكا ابتزاز السعودية والدول العربية الخليجية والأخرى مالياً وعسكرياً وعلى كل الأصعدة من خلال التصعيد مع إيران، وتقول معلومات مؤكدة أن السعودية منحت ترامب ال750 مليار دولار، التي كان عادل الجبير قد لوّح بتجميدها في حال صوت الكونكرس الأميركي على قانون جاستا، وهو تهديد لم تنفذه السعودية بعد التصويت على القانون. والى ذلك فأن النظام السعودي تعهد بتمويل أي حرب سوف يشعلها ترامب سواء في المنطقة أو في بحر الصين، أو في أوربا ضد روسيا.كما ان ساسة العدو الصهيوني يروجون ليل نهار بأن لقاء نتنياهو هو القادم مع ترامب سيركز على قضية مواجهة إيران مع التلميح ليشن حرب عليها.
ولكن هل فعلاً، سينساق ترامب إلى مثل هذه الحرب؟ في ضوء المعطيات الميدانية التي تشهدها المنطقة والعالم، استبعد تورط أمريكا في مثل هذه الحرب، إلا إذا ارتكب هذا الرئيس وطاقمه حماقة، حينذاك يكون قد حكم على الكيان الصهيوني وعلى النظام السعودي وانظمه أخرى بالفناء والتفكك، بل وحتى ان هذا التفكك قد يصيب أمريكا نفسها، لان المعادلات المادية، والإمكانات الموجودة عند كل هذه الأطراف تقود إلى هذا الاستنتاج بالتأكيد أغلب الخبراء والمطلعين في الشؤون العسكرية والأمنية في المنطقة والعالم.
بقلم : عبد العزيز المكي
ارسال التعليق