أين اليمن من جوقة النفاق المتباكي على منشآت أرامكو
بقلم: نبيل نايلي“إنّ المستهدَف ليس المملكة العربية السعودية، فحسب بل العالم، ممّا أثّر في إمدادات الطاقة للأسواق العالمية، وبالتالي فإنّ التأثير السلبي يطال كلّ دولة في العالم وكلّ البشر.. إنّ هذا الهجوم يُعدّ هجوماً على البشرية”! وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير.
هل هناك فرق ما بين 10000 شخص يُقتلون خلال غارات جوية وحفنة من الصواريخ تخرج منشأة أو منشأتين من الخدمة لبضعة أيام؟ الجواب ليس مُثيرا للضحك ولا مبعثا للسخرية!!
الفرق الوحيد هو ما قد يهدّد الأسواق العالمية والبورصة وما “لن يتم التسامح” معه كما غرّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لما يقرب عن الخمس سنوات عانى اليمنيون ولا يزالون من أهوال القصف وبلا هوادة لإعادتهم “إلى العصور الحجرية” من قبل تحالف بقيادة المملكة السعودية تقول عنه الكاتبة نسرين مالك في صحيفة الغارديان: “إنّ الحرب العسكرية على اليمن يُشار إليها باسم التحالف العربي، وهو تعبير مهذّب لمقاتلين بزعامة السعودية تضمّ، من بينهم حلفاء السعودية الخليجيين، ومصر والأردن والمغرب إضافة إلى مقاتلين أطفال من السودان الذين تتلقّى أسرهم تعويضات مُجزية حال مقتلهم”!!!
47 صيادا وبحّارا هنا و 137 من المشيّعين الجنازة هناك ثم 20 فردا كانوا يحضرون حفل زفاف و 443 طفلا في عام واحد فقط!!! 44 من هؤلاء الأطفال من كانوا في رحلة مدرسية إلى صعدة ويستقلّون حافلة قبل أن يسحقهم صاروخ في أوت 2018! شريط فيديو التقطه أحد الأولاد وثّق أنّهم كانوا يضحكون ويلعبون داخل الحافلة قبل وقت قصير من إصابتهم.
وبعد أسبوع فقط التقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، Mike Pompeo، وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ولم يرد ذكر حتى اليوم الذي توفيّ فيه الأطفال! كلاّ لم يعتبر كبير الدبلوماسيين الأمريكيين وفاتهم مهمة بما فيه الكفاية لإثارة حفيظة حاكم السعودية، خصوصا أنّ طائراته هي المسؤولة عن ذلك الجرم!
تنافس الجميع بسرعة في اعتبار الضربات الصاروخية على حقول النفط السعودية “جريمة حرب” ونسبها الكثيرون إلى إيران أو إلى وكلائها بالمنطقة. حتى أنّ وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير ذهب إلى القول: “إنّ المستهدَف ليست المملكة السعودية فحسب، بل العالم، ممّا أثّر في إمدادات الطاقة للأسواق العالمية، وبالتالي فإنّ التأثير السلبي يطال كلّ دولة في العالم وكلّ البشر.. إنّ هذا الهجوم يُعدّ هجوماً على البشرية”! البشرية! مرةواحدة!!!
الجبير حمّل إيران مسؤولية الهجوم تجاه منشأتي بقيق وخريص، معتبرا ذلك عملا إجراميا غير مسبوق ومناشدا “المجتمع الدولي” التدخّل: «نعتقد أنّ المجتمع الدولي عليه مسؤولية كبيرة في أن يضع حدّا للتّصرّفات والسياسات الإيرانية العدوانية التخريبية التي تهزّ أمن واستقرار المنطقة»!!! واليمن وأطفاله في كلّ هذا؟ وأمن المنطقة؟؟ لا كلمة..النفط وتدفّقه أهمّ وليُسفح دم اليمنين! غير مهم!!!
قيل يومها إنّ 18 طائرة بدون طيار و7 صواريخ قد أوقفت نصف إنتاج السعودية من النّفط وإنّ على العالم أن يستعدّ لارتفاع أسعار الوقود في أعقاب الانخفاض المتوقّع في الإمدادات! بل قيل إنّ “خسارة 5.7 مليون برميل في اليوم – حوالى 50 في المائة من الإنتاج السعودي و5 في المائة من الإنتاج اليومي العالمي – تسبّبت في “أكبر اضطراب للنّفط في التاريخ”! مؤكّد فقد شهد الإثنين أكبر ارتفاع في سعر النفط لمدة عقد، 14 في المائة ، وأعلن مستقبلا مظلما للمسافرين مع توقّع ارتفاع أسعار تذاكر الطيران بنسبة 15 في المائة.
نفس ذلك المايك بومبيو أعلن أنّ الضربات الجوية بدون طيار “هجوم غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم” و “عمل حرب”و”لن يتم التسامح مع سلوك النظام الإيراني”.
كلاّ، لم يمت أيّ شخص ولم يُصب أيّ أحد بأذى. وبحلول يوم الأربعاء كان وزير الطاقة السعودي يبشّر “إنّ نصف إنتاج النفط الذي تمت إزالته قد أستعيد..ليس ذلك فحسب، بل و”سيتم استعادة الطاقة الإنتاجية في المصانع بالكامل بحلول نهاية الشهر.” تمّ تجنّب “الأزمة العالمية”، بعبارات أخرى.
لسنا نقول إنّه لا ينبغي إدانة أيّ هجوم على مصافي النفط السعودية – أرامكو. بالطبع ولا جدال في ذلك…فالدم اليمني المسفوح كما النّفط السعودي المراق يجب المحافظة عليهما والذود عنهما.
لكن الأمر المخزي والمخجل هو كيف أنّ مجرّد احتمال تأثّر سوق الطاقة العالمية بالفوضى لبضعة أيام عُدّ أكثر أهمية من حرب شارفت على الخمس سنوات وتمخّضت عن أخطر أزمة إنسانية في العالم. فضحايا النزاع بلغ الملايين، بمن فيهم 85000 طفل، يواجهون المرض وأضحوا قاب قوسين من الموت جوعا.
أين إدانات أمريكا لذلك؟ أين غضبها؟ ما الذي سيستفيد منه هذا العالم عندما يُعتبر التأرجح الذي شهدته أسواق النفط أكثر أهمية من ذبح الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الذين يُقتلون يوميا؟
مع ذلك فهذه هي أولويات “القادة” في الغرب كما يتضح من استخدامهم للبيانات وما يختارون إدانته وما يسعدون بالسماح بفعله.
تحليل لحطام الحافلة المدرسية فضح أنّ القنبلة الموجّهة بالليزر والتي يبلغ وزنها 227 كلغ والمستخدمة في الهجوم صُنعت من قبل شركة لوكهيد مارتن الأمريكية وبيعت للسعودية كجزء من مليارات الدولارات من صادرات الأسلحة.
أحد أسباب عدم انتقاد بوميبو للسعوديين ولماذا كان الرئيس ترامب نفسه هادئا جدا عقب مقتل خاشقجي.
عسى صرخة برايس دروزين، Bryce Druzin، أحد المتظاهرين الذي خطّ باللّون الأحمر القاني على جدران مركز لوكهيد مارتن للتكنولوجيا المتقدمة كلمة “اليمن” إلى جانب تاريخ الجريمة، تفيق هذه الضمائر المحنّطة!!!
متى يستوعبون أنّ حياة البشر أهم بكثير من سعر برميل نفط منهوب؟؟؟؟!!_____________________________* باحث في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.
ارسال التعليق