إهمالُ أحياء مكة المكرمة المتعمّد
في العام 1986 بدأ رسميا إطلاق لقب خادم الحرمين الشريفين على "ملك السعودية", وبالتالي إن سلسلة من "الملوك" توالت على الحكم والجبر في شبه الجزيرة العربية وصولا إلى سلمان عبد العزيز.
وبالرغم من اهتمام آل سعود بإلصاق هذا اللقب بسلالتهم، إلا أن المثير للاستغراب والتساؤل في آن، يكمن في كون مكة، والتي تعد أهم مدينة للمسلمين ربطا بما تحويه من أهم معلم ديني ورسالي للإسلام المتمثل في الكعبة الشريفة، تعاني من تقصير كبير لناحية الخدمات والبنى التحتية، وذلك على الرغم من وجود هيئة مخصصة لتطوير المدينة. الأمر الذي قد يوحي بوجود عناية خاصة بالمدينة ولو نظرياً.
في العام 2019، ظهر أمين العاصمة المقدسة، حينها، محمد القويحص على القناة السعودية الرسمية، وهلل للإنجازات في مكة بالقول "العاصمة المقدسة لديها العديد من مجالات العمل في مكة المكرمة، منها عملية الطرق والإنارة، والانفاق وعملية السيول والأرصفة. إلى جانب الخدمات التشغيلية من أعمال النظافة والإصحاح البيئي"، لكن القويحص حينها خانته ذاكرته وتناسى أنه وقبل 4 أشهر من تاريخ المقابلة استقبل حوالي 500 مواطن من أهالي شمال مكة شاكيين له سوء الأوضاع الخدماتية في المدينة، حيث وعدهم بتطوير الخدمات فيها دون أن يتحقق أي شيء.
هذا وتعاني مدينة مكة المكرمة من مروحة من المشاكل. أهمها كثرة الحفر في شوارع المدينة، ففي طريق مكة-جدة القديم وحده تتمترس في الشارع أكثر من 100 حفرة. وبحسب أحد التقارير التي نشرتها صحيفة "المدينة"، هناك 7915 ملاحظة على الحفريات الأخيرة خلال الستة الأشهر الأولى خلال هذا العام، وقامت بتقديمها كل من شركة المياه الوطنية، الشركة السعودية للكهرباء، شركة الاتصالات الوطنية، شركة موبايلي وشركة إضاءات.
إن آثار هذا الإهمال دفع ثمنه المواطن بالدرجة الأولى، سواء بخسارة الأرواح أو حتى التكاليف المادية الناتجة عن أي حالة اصطدام للسيارات يكون سببها الأول تلك الحفر. مع العلم أن القضية لا تقف عند هذا الحدّ، بل تتعداها لمشاكل الإنارة على الطرقات لتفاقم من سوء الأوضاع.
ما ورد يقودنا إلى المعضلة الأخرى المتمثلة بسوء وإنعدام الإنارة بشكل متفاوت بين المناطق. وفي هذا الصدد نذكر طريق الشرائع وطريق "الملك فيصل"، حيث تغيب الإنارة المناسبة عنه، ما أدى بطبيعة الحال إلى زيادة منسوب الحوادث المقرونة بارتفاع السرعة الكبيرة للسائقين.
أما بالحديث عن حيّ العسيلة في مكة، ويعد من الأحياء التي أنشأتها البلدية قبل 20 عاما، ويسكنها حوالي الـ50 ألف نسمة، وليس ببعيد عن الحرم المكي. لكنه بالرغم من ذلك يفتقر مخطط الحي منذ رسمه على الخرائط وتنفيذه إلى الخدمات البسيطة والتي ما دأب المواطنون يطالبون بها دون أن يلقوا آذانا صاغية. أضف إلى ما ورد، لا بد من الإشارة إلى غياب الأرصفة والحواجز في واحد من الشوارع الرئيسية في مخطط الحيّ.
يأتي ما تم ذكره، في معرض تقديم بعض الإضاءات على بعض أشكال التقصير والإهمال المتعمد دزن الولوج في تفاصيل مشاكل الخدمات الصحية والمواصلات وغيرها.
سياسة الإزالة والهدم:
لا تقتصر سياسات النظام السعودي على الإهمال ومنع حصول المواطنين على حقهم الطبيعي من الخدمات الحياتية الضرورية، بل تجاوزه للسعي وتحت مسميات عديدة مبتكرة سعوديا إلى تهجير أهالي الأحياء الأكثر سكانا .
وفي هذا الإطار ، أعلنت “الهيئة الملكية” لمدينة مكة والمشاعر المقدسة، في وقت سابق، استهدافها إزالة ما يزيد على 4500 عقار بحي النكاسة في جميع المراحل.
ـ وقالت إمارة منطقة مكة المكرمة، عبر حسابها الرسمي في “تويتر”، إن المرحلة الثانية يتخللها إزالة 620 عقارًا خلال مدة لا تتجاوز 10 أسابيع.
ففي الوقت الذي كانت أعمال المرحلة الثانية من مشروع “تطوير منطقة قوز النكاسة” مستمرة بمكة المكرمة، والذي يهدف بحسب الإعلان الرسمي إلى معالجة الآثار السلبية الناجمة عن تمدد البناء العشوائي والحفاظ على الهوية الحضرية لمدينة مكة المكرمة. كانت وزارة الشؤون البلدية أصدرت توجيها، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لأصحاب العقارات الواقعة في نطاق مشروع تطوير الساحة المحيطة بالحرم المكي، بمراجعتها مصطحبين جميع الوثائق الثبوتية التي تؤكد ملكيتهم للعقارات.
ـ كما كانت هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة قد أطلقت بمشاركة أمانة العاصمة المقدسة حملة لإزالة أكثر من 102 عقار ضمن المرحلة الأولى لتطوير منطقة النكاسة بمكة المكرمة. ويذكر أن عدد العقارات المستهدف إزالتها في المرحلة الأولى يبلغ 102 عقار ضمن 12 مرحلة، ویزعم المشروع توليه مهمة إنشاء العدید من المرافق الترفیهیة والتجاریة والسكنیة.
انتهج النظام السعودي ما كان قد تبناه في ترويجه لهدم أحياء في جدة، حيث أخذت عمليات الهدم طابعاً أمنياً و صورت الحي على انه مخالف رغم وجود الكهرباء و بعدادات رسمية مما يضحد رواية المخالفات فلا يتم توصيل خدمة الكهرباء لعقار مخالف دون حجج شرعية وهو قانون متبع في كل بلاد الأرض.
كما تم وصف الحي بأنه بؤرة ـ للفساد والجريمة المنظمة للتستر على الهدف الحقيقي من إزالته ـ وهو الإستيلاء على الأراضي التي تقدر بالمليارات لإنشاء مشاريع تجارية لحساب ولي العهد محمد بن سلمان الذي اطلق الذباب للنيل من سكان الحي لكسب الرأي العام وحتى لا يلقى اعتراضاً عند الإزالة وهو ما حدث فعلا فاغلب التعليقات تدور في فلك انعدام الأمن في حي النكاسة، وهو اسلوب الشيطنة الذي تنتهجه السلطات السعودية لتمرير مشاريعها لحساب الأمراء على حساب الناس. من جهته، تبنى الإعلام الرسمي “السعودي”، حينها، الترويج لعملية التهجير القسري لأهالي الحيّ حيث بثّت قناة الإخبارية مشهداً لما وصفته “نوعية المساكن التي يقطنها معظم أهالي هذا الحي”، والتي بُنيت بالطوب الأحمر، وما أحدثت من “تشوه بصري” للقادمين من الدائري الثالث من ناحية غرب مكة المكرمة”، وفقاً للقناة.
ارسال التعليق