ابن سلمان يفشل في تلميع صورته في الولايات المتحدة
رغم مليارات الدولارات التي ينفقها محمد بن سلمان من أجل تلميع صورته في العالم، وتحديداً لدى الشعب الأميركي، لا يزال منبوذاً في المجتمع الأميركي، إذ إن معظم الناس لا يعرفونه والبقية يعتقدون أن العالم سيكون أفضل من دونه.
جاء ذلك في استطلاع رأي أجرته مؤسسة Morning Consult، بعنوان " The World Would Be a Better Place Without President Putin, American Voters Say "، نشر في 18 أبريل/ نيسان الحالي، وتبيّن أن 37 بالمئة من الأمريكيين يرون أن العالم سيكون أفضل من دون محمد بن سلمان، و53 بالمئة منهم لا يعرفون من هو أصلاً.
يعمل على تلميع صورته في الغرب منذ سنوات حيال العديد من الملفات، لا سيما الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب اليمني، وقمع المعارضة، وقتل الصحافي جمال خاشقجي، وانتهاكات حقوق الإنسان في داخل السجون السعودية. جهود لم تتردّد وسائل الإعلام الغربية عن كشفها وإدانتها في مسعى لإحباط سياسة التلميع التي يعتمدها ابن سلمان، سواء من خلال الرياضة والحفلات الموسيقيّة والغنائيّة، والتغيير الثقافي في البلاد.
اللافت أن ابن سلمان يخصّص ميزانيّات ضخمة من أجل سياسة التلميع، وفي المقابل يفرض الضرائب على الأهالي بهدف استخدام عائداتها في تبييض صورته. فسبق وأن توقّعت المالية السعودية إيرادات الضرائب لعام 2021 ستصل إلى 257 مليار ريال، بارتفاع نسبته 30.8 في المائة مقارنةً بالضرائب التي جرى الحصول عليها في 2020. وهي توقّعات جاءت نتيجة الأثر المالي من رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المائة، إضافة إلى زيادة الرسوم الجمركية لعدد من السلع. في المقابل، أبدى مغردون "سعوديون " امتعاضهم من الأموال التي يدفعها النظام السعودي من أجل تلميع صورة في الدول الأوربية، في وقت لا تستثمر تلك الأموال في تطوير عملية تنمية البلاد.
كان للرياضة النصيب الأكبر من سياسة التلميع، إذ إن محمد بن سلمان أمر باستضافة الأنشطة الرياضيّة، مع العلم أن الاقتصاد لا يمكن قيادته بالأوامر، بل يجب أن يكون هناك تفاعلات بين قوى معينة تنتج اقتصادات قوية.
المنظّمات الدوليّة لطالما تتبعت أنشطة ورصدتها بالأرقام، إذ كشفت منظمة "غرانت ليبرتي " عن قيمة المبالغ التي أهدرها ابن سلمان على استضافة فعاليات رياضية في "السعودية " بهدف تبييض صورته. المنظمة الحقوقيّة أوضحت أن ابن سلمان أنفق ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار أمريكي على الأحداث الرياضية الدولية رفيعة المستوى.
وبحسب المنظّمة أيضاً، بلغت قيمة صفقة استضافة مدينة جدة لسباق الفورمولا 1 650 مليون دولار أميركي. فيما كشفت المنظمة أن دفع 200 مليون دولار لبطولة العالم في الملاكمة للوزن الثقيل، إضافة إلى 182 مليون دولار لرعاية "ريال مدريد " من خلال مشروع القدية، وهو مشروع ضخم للسياحة والترفيه بالرياض.
لا تقتصر جهود محمد بن سلمان على الترويج للرياضة من داخل البلاد لتلميع صورته، بل تعدّى الأمر إلى تقرير دولي كشف معلومات للمرة الأولى تتطرق لوسائل وطرق تبيض صورة ابن سلمان بالغرب وإخفاء سجله الحقوقي الأسود، إذ قالت صحيفة "واشنطن بوست " إن شركات علاقات أمريكية تتولى المهمة. فسبق ونشرت صحيفة "واشنطن بوست " تقريراً بعنوان "الديكتاتوريون يقمعون المعارضة والشركات الأمريكية تبيض صورهم " كشفت فيه أن ابن سلمان على صلة بشركات لوبي تواصل تقديم خدماتها له، وأشارت إلى أن ذلك يحصل رغم توقف عدة شركات لوبي عن تقديم الخدمات للرياض عقب جريمة قتل جمال خاشقجي في 2018. التقرير كشف عن نيل شركات ضغط أمريكيّة 73 مليون دولار لصالح تمثيل المصالح "السعودية ".
في هذا الإطار، عقد محمد بن سلمان صفقة رياضية أثارت انتقادات الجهات الحقوقية، وهي شراء نادي "نيوكاسل " التي بلعت 300 مليون جنيه إسترليني (408 ملايين دولار). الصفقة أثارت الكثير من الجدل من قبل المنظمات الحقوقية، وقبل إبرامها حضّت "منظمة العفو الدولية " رابطة الدوري على النظر في سجل حقوق الإنسان "المروع " في "السعودية ". فيما قال رئيس حملات المنظمة في بريطانيا "فيليكس جاكنز " لـ "فرانس برس " إنّ الصفقة "تمثّل محاولة واضحة للغاية من قبل السلطات السعودية للتبييض الرياضي لسجلها المروع في مجال حقوق الإنسان باستخدام بريق الدوري الممتاز ".
أما مجلة "تايم " الأميركية، فكشفت أن الرياض أنفقت نحو 900 مليون دولار لضمان حقوق استضافة سباق الفورملا 1 لمدة 10 سنوات. فيما كشفت اللجنة الأولمبية السعودية في وقت سابق أنها ستنفق 694 مليون دولار لإنشاء نحو 90 اتحاداً رياضياً، وإعداد الرياضيين للفوز بالبطولات كما فعلت الصين قبل عقود. "التايم " أشارت إلى أن كل هذا جزء من استراتيجيّة وضعت بعناية، يديرها ابن سلمان وهي "رؤية 2030 ". الرؤية التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد والانفتاح على الاستثمار الأجنبي والسياحة مع عوامل الجذب السياحي مثل الأحداث الرياضية الكبيرة، من أجل توفير فرص عمل للجيل الجديد، لكن نشطاء حقوق الإنسان يؤكدون أن الرياض لها هدف آخر وهو "الحفاظ على امتثال الجيل الجديد لنظام ملكي استبدادي "، خاصة وأن الرؤية لم تحقّق حتى الآن أهدافها الاقتصاديّة بما في ذلك توفير فرص عمل للشباب.
وصفت "هيومن رايتس ووتش "، الاستثمارات الرياضيّة العملاقة للرياض، بما في ذلك في الغولف وكرة القدم، بأنها "جهود ممولة تمويلا جيدا لتبييض صورتها، على الرغم من تزايد القمع على مدى السنوات القليلة الماضية ". فيما يشير مراقبون إلى أن اتهامات "الغسيل الرياضي " لا تلقى صدى لدى عدد كبير من "السعوديين " الذين يرون في الأحداث الرياضيّة في بلادهم استهداف لثقافة البلاد، ويطرح عدد كبير منهم أسئلة بشأن ما إذا كانت الرياضة تستخدم كأداة سياسية. أيضاً يرى نشطاء حقوق الإنسان في أحداث مثل الفورمولا 1 تأييداً لنظام قمعي يعتقل المعارضين ويشن حرباً على اليمن، إضافة إلى جريمة قتل جمال خاشقجي، في قنصلية الرياض في تركيا.
الجدير بالذكر أنه من حين إلى آخر، تظهر مؤسسات حقوقية دولية تفضح جرائم محمد بن سلمان، بما في ذلك Freedom First التي خاضت خلال حفل جوائز Emmys2021، حملة إعلانات كبيرة لكشف حقيقة ابن سلمان ولأجل تحذير الناس بأنه ليس مصلحاً إنما هو قاتل، ودعت لرفض تبييض صورته في هوليود. وبالتالي إظهار وجهه القمعي الحقيقي والذي يحاول تبييضه من خلال حملات دعم مدفوعة الأجر.
ويذكر نشطاء أن الفعاليات الرياضية هي فرصة ابن سلمان لتجديد صورة الرياض المهزوزة بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وحرب اليمن واغتيال خاشقجي. وأن ابن سلمان يسعى دائماً في أن تسفر قوة الفعاليات الرياضية لتشتيت الانتباه في الأوقات العصيبة، كجزء من استراتيجية تحسين السمعة. وأيضاً يسعى لخلق شعور قومي بالانتماء وترسيخ مكانته كملك المستقبل. معادلة وصفتها مجلة "نيوزويك " الأميركية بأنها "المال مقابل الشرعية " وهو ما يعرف بـ الغسيل الرياضي. وأوضحت "بمعنى أنه يدفع الملايين من تكاليف الرعاية الرياضية وأموال الجوائز لأجل تحصيل المصداقية الدولية " مشيرةً إلى أن هذا ما يعرف باسم الغسيل الرياضي والذي يتبعه ابن سلمان. كما ذكرت أنه من غير المقبول منطقياً فصل السياسة عن عالم "الاستثمارات الرياضية ".
ارسال التعليق