اتفاقية أمنية ثنائية: بين إعلان الاقتراب من اتمامها وبين ربطها بالتطبيع
على خلفية زيارة سولفيان الأخيرة للمنطقة –لكلّ من "السعودية" وكيان الاحتلال- خطوط عريضة أُعيد وضعها بما يتعلق بالاتفاقية الأمنية الثنائية بين "السعودية" وأميركا واتفاقية التطبيع بين الأولى وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
ما صدر عن البيت الأبيض لا يحمل جديدا في ظل استمرار إسرائيل في حربها الهمجية على القطاع، فقد صدر بيان عن البيت الأبيض بعد إتمام مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سولفيان زيارته إلى المنطقة يكرر فيها الكلام ذاته الصادر عنه منذ بداية الحرب على غزة. فتتأرجح التصريحات بين تأكيد على اقتراب إنهاء الصفقة الثنائية من ناحية، ومن ناحية ثانية استبعاد احتمال أن تتم هكذا صفقة أمنية بمعزل عن اتفاقية تطبيع سعودي_اسرائيلي، مع تكرار الحديث عن الوضع المأساوي في فلسطين واستبعاد موافقة إسرائيلية قريبة على الانفتاح على خيار حلّ الدولتين.
إلا أن الثابت هو أن المفاوضين الأمريكيين والسعوديين يسعون إلى التوصل إلى اتفاق ثنائي يدعو إلى ضمانات أمريكية رسمية للدفاع عن السعودية، بالإضافة إلى حصول الأخيرة على أسلحة أمريكية أكثر تقدما، مقابل وقف مشتريات الأسلحة الصينية والحد من الاستثمارات الصينية في البلاد.
وقال مسؤول أمريكي لوكالة رويترز أن المفاوضين يناقشون بيع الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من طراز إف-35 وأسلحة أخرى للسعوديين في إطار الاتفاق.
ولكن يبقى بيع طائرات إف-35 للسعودية أمر غير مضمون لعدد من الأسباب، لكن إدراجها في المناقشات له أهمية نظرا لإبداء السعودية رغبتها في شراء الطائرة منذ سنوات.
إلى جانب ذلك هناك قواعد تحكم أي صفقة من هذا النوع توجب البقاء ضمن حدود اتفاق أمريكي إسرائيلي قديم يضمن ألا تُضعف الأسلحة التي تبيعها واشنطن بالمنطقة “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل بحيث تكون الأسلحة الأمريكية المقدمة لإسرائيل “متفوقة في القدرة” على تلك التي تباع لجيرانها.
كما ويحق للجنتي العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، والشؤون الخارجية بمجلس النواب، اللتين انتقد أعضاؤهما دور السعودية في مقتل مدنيين في اليمن، إعادة النظر في مبيعات الأسلحة ومنعها بموجب عملية مراجعة غير رسمية.
ومن ما تم تداوله إعلاميا، فقد قال مسؤول أمريكي حول الاتفاق الثنائي “نحن قريبون جدا من التفاهم على العناصر الرئيسية بيننا"، وأضاف “سيتعين علينا بالطبع أيضا العمل بعد ذلك على أجزاء متعلقة بالإسرائيليين والفلسطينيين، وهو عنصر حاسم في أي اتفاق تطبيع محتمل”.
ومن المتوقع أيضا أن يتضمن الاتفاق الأمني الأمريكي السعودي تبادل تقنيات ناشئة مع الرياض، ومنها الذكاء الاصطناعي.
ومن ضمن ما نُقل فإنه بمجرد التوصل إلى الاتفاق فإنه "سيكون جزءا من صفقة كبرى تُعرض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليقرر ما إذا كان سيقدم تنازلات من أجل تطبيع العلاقات مع المملكة."
وحول توقيت إتمام الصفقة الثنائية فذكر كيربي أنه غير محدد، زاعما أن هدف الرئيس جو بايدن النهائي هو إقامة دولة فلسطينية، الأمر الذي يتعارض مع حتمية الرفض الإسرائيلي في الوقت الحاضر كحد أدنى إلى مناقشة حل الدولتين.
وأضاف أنه مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة، فمن غير المرجح التوصل إلى اتفاق بشأن الدولة قريبا.
التصريحات الأميركية في هذا المضمار لا تثمن ولا تغني من جوع، فلا هي تؤكد ولا هي تنفي، واضعة خبر اتمام صفقة أمنية مع "السعودية" على كفّتي الميزان وفق ما يقتضيه السياق. فتارة تقول أنها باتت قريبة جدا من إتمام الإتفاقية الأمنية للإسراع بقطع اليد الصينية التي مُدّت إلى السعودية في السنوات القليلة الماضية، وتارة أخرى تقول أنها مرتبطة باتفاقية أكبر تشمل "إسرائيل" بما في ذلك تقديم "مكسب" للفلسطينيين بإقامة دولة لهم، لكنها تؤكد في الوقت عينه أن الأخيرة منغلقة على فكرة الاعتراف بفلسطين كدولة لها حدودها القائمة على حدود 1967.
لكن، ومع التحفظ على مدى صدقية ما سيُذكر، أتى في مقال رأي لديفيد اغناشيوس في صحيفة واشنطن بوست نقطة تشير إلى أن "السعودية" عادت إلى مربع عدم الاكتراث بأي مكسب للقضية الفلسطينية في حال أتمت اتفاقية تطبيع مع الكيان.
ووفقا للكاتب الذي ادّعى أن معايير نهاية الحرب باتت أكثر وضوحًا بعد الرحلة التي قام بها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونائبه لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك إلى السعودية وإسرائيل نهاية الأسبوع الماضي، وأنه قد حصل على الخطوط العريضة للمحادثات التي اجراها الرجلان هناك.
حيث أشار في إحدى النقاط إلى أن السعودية وافقت على مسودة "شبه نهائية" لاتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة تتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ناقلاً ما جاء في ملخص محادثات سوليفان يوم الأحد مع محمد بن سلمان أنه، كجزء من هذه الصفقة، تتوقع السعودية اتفاقًا على “مسار موثوق” نحو حل الدولتين للمشكلة الفلسطينية، وهو ما يمثل تخفيفًا للغة السعودية السابقة.
طرحت مجلة فورين أفيرز في عمود نُشر بتاريخ 8 أيار/مايو في، فكرة عن أحد كبار الزملاء في مجلس العلاقات الخارجية إن الصفقة الثلاثية ليست في مصلحة أمريكا لأنها ستجعل العلاقات الأمريكية السعودية تعتمد على العلاقات المستقبلية بين تل أبيب والرياض.
بمعنى أنه إذا كان التزام الولايات المتحدة تجاه "السعودية" مشروطًا بالتطبيع السعودي مع إسرائيل، فمن المرجح أن نوعية تلك العلاقات – أي العلاقات الإسرائيلية السعودية – ستفرض نفسها على العلاقة الثنائية بين واشنطن والرياض، بشكل واضح وغير واضح، وفقا لستيفن كوك كبير زملاء دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في المجلس.
كما أعرب جوشوا لانديس، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، عن وجهة نظر مماثلة في مقابلة مع صوت أمريكا، حيث سلط الضوء على العديد من المزايا لاتفاق أكثر محدودية.
وقال: "بالنسبة للولايات المتحدة، فإن ذلك يحد من استثمارات الصين في المملكة العربية السعودية ويضمن احتفاظ الولايات المتحدة بعلاقتها الأمنية المهيمنة". "بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فهي توفر الوصول إلى أسلحة أمريكية أكثر تقدمًا مقابل وقف مشتريات الأسلحة الصينية وتقييد استثمارات بكين في البلاد".
لكن آنا جاكوبس، وهي محللة خليجية بارزة في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها الدوحة، قالت في إحدى تصريحاتها الإعلامية إن الاتفاق الثنائي، على الرغم من جاذبيته للسعودية، إلا أنه من المرجح أن يكون "غير موفق" لإدارة بايدن، التي سعت منذ فترة طويلة لايجاد اختراق في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية الذي سيأتي مع اتفاق التطبيع.
كما اعتربت أنه من المنطقي تمامًا أن تحاول الرياض تأمين صفقة ثنائية مع الولايات المتحدة مع استبعاد العنصر الإسرائيلي، مشيرةإلى أن التطبيع مع إسرائيل لا يحظى بشعبية كبيرة في السعودية وفي جميع أنحاء المنطقة، مما يجعله خطرًا سياسيًا كبيرًا على الرياض، خاصة مع استمرار حرب غزة.
وتابعت "إن خيار الخطة ب هذا من شأنه أن يقلل بشكل كبير من المخاطر بالنسبة للمملكة العربية السعودية وسيمنحهم كل ما يريدون من الولايات المتحدة دون الاضطرار إلى تقديم الكثير في المقابل. لكن خيار الخطة ب لن ينجح بالنسبة للولايات المتحدة ومن غير المرجح أن يؤدي إلى أي نتيجة".
وعارضت نانسي عقيل، الرئيس والمدير التنفيذي لمركز السياسة الدولية ومقره واشنطن، الاتفاق الأمريكي السعودي مع أو بدون المكون السعودي الإسرائيلي الأوسع.
وقالت في تصريح لإذاعة صوت أمريكا إن "صفقة الدفاع تخدم في المقام الأول مصالح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي تمت الإشادة به لجهود التحديث ولكنه واجه أيضًا انتقادات بسبب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، والحفاظ على الحكم القمعي، وقمع المعارضة، والتي تجسدت في القتل". لكاتب العمود في واشنطن بوست جمال خاشقجي”.
وقالت إن الاتفاقيات مثل تلك التي يتم التفاوض عليها "تعمل في ظل فكرة خاطئة مفادها أن زيادة الأسلحة تؤدي إلى قدر أكبر من الأمن، لكن التاريخ يظهر أن مثل هذه التدفقات أدت بدلاً من ذلك إلى تأجيج الصراعات وأثارت سباق تسلح".
ارسال التعليق