استثمارات داخلية أم خارجية.. أيهما أفضل في زمن التقشف؟
التغيير
رغم الإجراءات التقشفية الداخلية التي تتخذها السلطات في مملكةآلسعود، تتجه مملكة آلسعود إلى ضخ استثمارات خارجية بمليارات الدولارات، ضمن ما يراه خبراء سعي منها لتنويع مواردها نتيجة انخفاض أسعار النفط، وتبعات جائحة فيروس كورونا.
واتجه صندوق الاستثمار العام إلى تخصيص المليارات لشراء حصص في شركات عالمية حيث استحوذ في الربع الأول من عام 2020، على حصص في شركات متعددة بقيمة 7.7 مليارت دولار؛ من بينها "بوينغ"، و"والت ديزني"، و"ستاربكس"، و"ماريوت"، و"سيتي غروب".
واشترى الصندوق أيضاً حصصاً في شركات طاقة عملاقة؛ مثل "رويال داتش شل"، و"توتال" و"فيسبوك".
كما أن صندوق الاستثمار الطرف الأبرز في صفقة الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم، التي تقدر قيمتها بنحو 300 مليون جنيه إسترليني (372 مليون دولار).
وفي تصريح له أرجع ياسر الرميان مدير صندوق الاستثمار العام في مملكة آل سعود ، اتجاه مملكة آل سعود نحو زيادة حصتها من الأصول الخارجية في الوقت الذي تخوض فيه البلاد معركة مع وباء عالمي، إلى امتلاك حصصاً في الشركات العالمية بأسعار زهيدة.
وحصل صندوق الاستثمار مؤخراً، وفق ما كشف وزير المالية، محمد الجدعان، على 150 مليار ريال (نحو 40 مليار دولار)، من الاحتياطات الأجنبية بعد أن تم تحويلها إليه بشكل استثنائي خلال الشهرين الماضيين.
وهدفت وزارة المالية من تحويل المبلغ المالي الكبير لصندوق الاستثمار، وفق حديث الجدعان لتعزيز قدرته الاستثمارية، خلال شهري مارس وأبريل من هذا العام.
وخلال الفترة الماضية، اتخذت مملكة آل سعود عدد من القرارات التقشفية، كان أبرزها وقف بدل غلاء المعيشة ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة، ورفع أسعار البنزين لشهر يونيو الجاري بنسبة 34.3% لبنزين 91 أوكتان، و31.7% لـ 95 أوكتان عن مايو الماضي.
كما اتخذت الحكومة في مملكة آل سعود عدة إجراءات لتوفير نحو 100 مليار ريال (الدولار = 3.76 ريالات)، مع إلغاء أو تمديداً أو تأجيلاً لبعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية.
ولم تكن تلك الإجراءات الوحيدة طبقتها مملكة آل سعود لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، حيث بدأت الهيئة العامة للجمارك في مملكة آل سعود، برفع الرسوم الجمركية على قرابة ثلاثة آلاف سلعة تباع في الأسواق المحلية، بينها سلع كانت معفاة من الجمارك في السابق.
وتأتي الاستثمارات الخارجية، في الوقت الذي حذر فيه صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، من اندثار ثروات مملكة آل سعود في عام 2035، إذا لم تتخذ "إصلاحات جذرية في سياساتها المالية" التي ترتكز أساساً على عائدات النفط.
وفي هذا السياق يقول الدكتور مصطفى شاهين، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، أن "أزمة جائحة فيروس كورونا كشفت أزمات الدول اقتصادية التي تعتمد على مورد واحد في إيراداتها، ولا يوجد تنوع في مواردها، كما هو الحال لدى مملكة آل سعود .
ويأتي اتجاه مملكة آل سعود إلى الاستثمار خارجياً - وفق حديث شاهين لـ"الخليج أونلاين" - "في الوقت الذي تقترب فيه مملكة آل سعود من دخول مرحلة كساد اقتصادي ضخم، في ظل تهاوي أسعار النفط، وتراجع الإيرادات".
وتعمل الدول - وفق شاهين - قبل ذهابها إلى الاستثمار على تحقيق اكتفاء ذاتي داخلياً في كافة المجالات الاقتصادية، واستغلال مواردها وتوظفيها بالكامل بهدف الوصول إلى تشغيل المواطنين وهو غير مطبق داخل مملكة آل سعود .
لكن شاهين أشار في نفس الوقت إلى جهود مملكة آل سعود ، "في حل بعض تبعات أزمة فيروس كورونا الاقتصادية داخلياً من خلال الاستغناء عن عدد كبير من الوافدين، بغالبية القطاعات داخل مملكة آل سعود وخاصة العقارات والسياحة والأعمال" لكن في نفس الوقت حذر من أن "تصاب تلك القطاعات بالكساد بسبب التخلي عن الوافدين".
وحول الاستثمارات الخارجية لمملكة آل سعود التي تأتي في ظل سياسة تقشفية، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية: "مملكة آل سعود في الغالب لا تستثمر بنفسها خارجياً بل من خلال صناديق استثمار أجنبية، التي تقوم بطرح مشاريع للاستثمار عليها، وهي التي تختار بنفسها" مشيراً إلى أن "الأولى من ذلك هو الإنفاق داخل الدولة لزيادة الاستثمارات الداخلية وفرص العمال".
إدارة احتياطاتها بأدوات مضمونة
وبلغة الأرقام، تشير الأرقام الرسمية لمملكة آل سعود إلى أن اقتصاد مملكة آل سعود يواجه أزمة غير مسبوقة، حيث خسر مخزون النقد الأجنبي خلال أبريل الفائت نحو 20 مليار دولار، في حين انخفض صافي الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد (البنك المركزي) إلى 443.7 مليار دولار، مقارنة بـ 464.64 مليار دولار في مارس الماضي.
كلك انخفض صافي الأصول الأجنبية في مؤسسة النقد بنحو 27 مليار دولار في مارس على أساس شهري، وهي أسرع وتيرة خلال 20 عاماً على الأقل وذلك نتيجة تداعيات وباء كورونا.
وبنهاية عام 2019، كانت مملكة آل سعود تمتلك احتياطياً نقدياً يبلغ 499.5 مليار دولار، من أصل 620.5 مليار كانت تمثل احتياطات دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة آنذاك.
لكن في المقابل يرى مصطفى عبد السلام المختص في الشؤون الاقتصادية، أن "ما تقوم به مملكة آل سعود من خلال الاستثمار بالخارج والتوسع به، لا يعد تناقضاً حول ما يجرى بالداخل من إجراءات تقشفية، كون ذلك مرتبط بشكل أساسي بإدارة احتياطاتها من النقد الأجنبي التي تزيد عن 450 مليار دولار".
وتبحث مملكة آل سعود - وفق حديث عبد السلام لـ "التغيير" - من خلال الاستثمارات الخارجية عن أدوات مضمونة للضخ بها، كسندات الخزانة الأمريكية، أو الصادرة عن مجموعة الدول السبع الصناعية، أو استثمارات في الدول الغربية كالعقارات والأندية الرياضية.
ولا تختلف مملكة آل سعود ، حين تذهب وتتوسع في الاستثمارات الخارجية - كما يوضح عبد السلام - عن باقي دول الخليج التي تستثمر فوائض أموالها في الخارج، حيث دول مجلس التعاون لديها سيولة نقدية تقدر بنحو 2 تريليون دولار وهي مستثمرة في الخارج.
وترتبط الاستثمارات بالخارج، حسب عبد السلام، بمحددات أساسية أولها البحث عن الأمان بالدرجة الأولى، والضمان، وسعر الفائدة المناسب، مع إمكانية الاستفادة من أموال الاستثمارات عند الحاجة إليها، وبالتالي لا يوجد أي تناقض بين استثمارات فوائض دول الخليج بشكل عام بالخارج وبين التقشف المالي الداخلي.
ويستدرك بالقول: "عملت مملكة آل سعود على الاستفادة من أرصدتها بالخارج مع إجراءات التقشف التي اتبعتها حيث قامت بسحب 50 مليار دولار في الشهور الأولى من العام الجاري، لتعويض التراجع في إيراداتها النقدية وتحويلها لصندوق الاستثمارات العامة الداخلية".
ورغم النظرة التحليلية للمختص الاقتصادي حول عدم وجود تناقض بين الاستثمارات الخارجية للسعودية، وإجراءات التقشف، إلا أنه يوصي بضرورة إعادة ضخ أموال الصناديق الخارجية في مشروعات داخلية تسهم في تحقيق عائد جيد للمواطن والاقتصاد المحلي.
وتصل عوائد الفائدة من الاستثمارات الخارجية إلى أرقام متدنية وفق المختص الاقتصادي، حيث لا تتجاوز الـ 1.5%، في حين الاستثمارات الداخلية تصل عوائدها إلى أكثر من 20%، في حالة تم استثمارها في مشاريع السياحة والتصدير التي تدر العملة الأجنبية.
ارسال التعليق