«استقالة الحريري واغتيال المشنوق».. لبنان والتناغم السعودي الإسرائيلي
بات التناغم السياسي والتنسيق الأمني بين الرياض وتل أبيب واضحا لا ريب فيه، في نظر بعض المراقبين، وأصبح ضرب حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية محل اتفاق بين دولة الكيان الصهيوني وبين المملكة السعودية، خاصة بعد انكشاف مخطط الاستهداف المباشر للبنان من قبل السعودية.
قبل أيام قليلة، خططت السعودية لإغراق لبنان في أتون حرب طائفية وسياسية، من خلال إيقاظ الفتنة بإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، على إعلان استقالته، لولا الخطوة الصائبة التي اتخذها بالعدول عن الاستقالة بعد عودته إلى بيروت، وهي الخطوة التي تفسر جانبًا من غموض ما جرى في الرياض والحديث عن احتجاز الحريري، الذي انتقل من دائرة الشكوك إلى دائرة الحقيقة.
بالنظر إلى الطريقة التي تمت بها استقالة الحريري، يتضح أن الغرض كان صب الزيت على النار، فأسلوب الاستقالة حمل أبعادا تمس المكون الطائفي في لبنان، كما أنها حملت تلميحات بمحاولة اغتيال الحريري في لبنان على الطريقة التي تم بها اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والتي أحدثت شرخًا في الساحة اللبنانية مازالت تداعياته ممتدة إلى وقتنا الراهن.
على كل الأحوال، محاولة اغتيال الحريري التي روج لها من داخل الرياض نفتها الأجهزة الأمنية اللبنانية، كما تم نفي ما روجت له قناة العربية من الكشف عن تعطيل أبراج المراقبة خلال تحرك موكب رئيس الوزراء.
بتراجعه عن الاستقالة أغلق الحريري بابا كبيرًا لصراع سياسي لبناني، وهو الأمر الذي أفشل المخطط السعودي في لبنان، خاصة بعد تضامن العديد من الأحزاب اللبنانية على اختلاف مشاربها مع الحريري، وندائها بضرورة عودة رئيس الوزراء المحتجز في الرياض، ليكون له مطلق الحرية في اتخاذ قرار الاستقالة من عدمه.
لم تمض أسابيع على وأد فتنة الاستقالة، حتى تناثرت الأخبار عن دور إسرائيلي يتقاطع مع الدور السعودي في زعزعة الاستقرار في لبنان، فقد كشفت معلومات أمنية لبنانية عن تخطيط إسرائيل لاغتيال وزير الداخلية اللبناني نهاد مشنوق، وهو الشخص المهم المحسوب على تيار الحريري.
وكان الرأي العام اللبناني قد صُدم، قبل أيام، بخبر توقيف الممثل زياد عيتاني، من قبل جهاز أمن الدولة، بشبهة التعامل مع إسرائيل منذ 3 سنوات، وذكرت مصادر التحقيق، أمس، أنه كان مكلفا بمراقبة المشنوق، والوزير السابق عبد الرحيم مراد، تمهيدا لاستهدافهما، فيما لم يكن معروفا عن عيتاني، على مدى السنوات الماضية، سوى أنه فنان كوميدي وكاتب مسرحي.
وذكرت مصادر أمنية، أن عيتاني، اعترف بأنه “كان يتواصل منذ 3 سنوات مع إسرائيليين وطُلب منه أخيرا مراقبة شديدة لحركة الوزير المشنوق، من خلال رصد كل تنقلاته، وأُوعز إليه أن يقيم علاقة مع أحد الإعلاميين المحيطين بالمشنوق، كي يتمكن من التردد على وزارة الداخلية ورصد حركات الوزير”، ولفتت المصادر إلى أن عيتاني “طُلب منه كذلك مراقبة الوزير السابق مراد”.
وكانت فتاة ثلاثينية جذّابة تُدعى كوليت فيانفي، قد أوقعت عيتاني، في شباك الاستخبارات الإسرائيلية، بعد أن تعارفا عبر الفيسبوك منذ عام ٢٠١٤ وتبادلا الرسائل، ظنّا منه أنها سويدية الجنسية، وفي أوائل عام 2016، نجحت الفتاة “السويدية”، التي اتّضح أنّها ضابط استخبارات إسرائيلي، في تجنيد عيتاني للعمل لمصلحتها.
المحاولة الفاشلة لاغتيال المشنوق قد تضع الحريري في مأزق، ففي أكتوبر الماضي كان هناك توتر بينهما نتيجة انسحاب لبنان في انتخابات اليونيسكو، ونتيجة مواقف وزير الخارجية جبران باسيل، من التنسق مع النظام السوري، إذ خرج المشنوق مصعّدا ومنتقدا السياسية الخارجية اللبنانية التي وضعت لبنان في مواجهة مع السعودية، واعتبر أنها تؤدي إلى سقوط التسوية، ليأتي الرد مجددا ليس من باسيل فحسب بل من تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، الذي اعتبر أن ما يقوله المشنوق، موقف يمثّله بشخصه ولا يلزم التيار.
ويرى مراقبون أن المحاولة الإسرائيلية الفاشلة لاغتيال المشنوق، قد تدفع لإعادة التفكير في الأطراف التي كان لها مصلحة في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005، خاصة بعد اعتراف “العميل” عيتاني، بأنه كان يرصد تحركات وزير الداخلية اللبناني الحالي لصالح إسرائيل تمهيدًا لاغتياله.
مؤخرًا، باتت تل أبيب تتعمد فضح علاقاتها، فالتنسيق الأمني والعسكري بين الرياض وإسرائيل بات مفضوحًا، وهو التنسيق الذي لا تنفيه الرياض، ومن ثم فالربط بين التحركات السعودية الإسرائيلية بهدف إحداث فتنة في لبنان بات ممكنًا، فكلاهما لا تخفيان نواياهما للقضاء على حزب الله، كما أنهما تجتمعان على العداء لطهران، ودائمًا ما يدور حديثهما عن تقليص النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا بأي طريقة، الأمر الذي دفع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، إلى توجيه خطاب للسعودية طالبها فيها بالعقلانية في التعاطي مع لبنان، والبحث عن طريقة تستهدف بها حزبه دون إلحاق الأذى بالشعب اللبناني.
بقلم : خالد عبدالمنعم
ارسال التعليق