اقـتصاد السعودية إلى الهاويـة
أكد عدد من المحللين الاقتصاديين أن الاقتصاد السعودي واجه خلال العام 2018، العديد من التحدّيات الجسيمة التي تسبّبت بهبوط جميع مؤشراته جرّاء سياسات ولي العهد، محمد بن سلمان، وسط تحذيرات من مؤسسات اقتصادية دولية، مثل صندوق النقد الدولي، من حدوث انكماش مفاجئ في الاقتصاد السعودي في حال واصلت الرياض سياساتها المالية الحالية. ومن خلال رصد أعدّه “الخليج أونلاين”، يتبيَّن أن الاقتصاد السعودي واجه عثرات كبيرة خلال السنة الحالية؛ أبرزها زيادة النفقات العامة بشكل كبير، بما يشمل التكلفة الباهظة لمشاركة الرياض بالتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، علاوة على قيادتها للحرب ضد اليمن. وإضافة للتكلفة المالية للحروب والعمليات العسكرية السعودية فإن الصواريخ الباليستية التي تطلقها جماعة الحوثي باتجاه أراضيها، خاصة العاصمة الرياض، تسبّبت بتراجع تدفّق الاستثمارات الأجنبية وهروب المستثمرين من البلاد. سياسات ولي العهد، محمد بن سلمان، السلبية والعنيفة تجاه معارضيه، والمئات من رجال الأعمال، واغتيال الصحفي جمال خاشقجي بسفارة بلاده في مدينة إسطنبول التركية، قبل أكثر من شهرين، هي الأخرى أفقدت المملكة مليارات الدولارات من الاستثمارات، وأوصلت مؤشرات اقتصاد البلاد إلى نقطة ما قبل السقوط.
نمو اقتصادي متواضع
ومع نهاية العام الجاري فإن الاقتصاد السعودي حقّق نمواً متواضعاً بنسبة 1.6%، بحسب بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي. وهذا النموّ دعمه زيادة إنتاج البلاد من النفط وارتفاع أسعاره، بمعنى أنه ليست هناك أي زيادة حقيقية في عائدات الاقتصاد غير النفطي. وبحسب تقرير لوكالة “بلومبيرج” الأمريكية الاقتصادية، فإن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخطَّ أكثر من 0.6%.
ارتفاع الدين العام
ويأتي الدين العام ضمن مؤشرات تراجع الاقتصاد السعودي في العام 2018، حيث قالت وزارة المالية السعودية، في وثيقة نشرتها على صفحتها بموقع تويتر: إن الدين العام المستحقّ على المملكة وصل بنهاية العام الجاري إلى 576 مليار ريال (153 مليار دولار). وتوقّعت الوزارة أن يصعد الدين إلى 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار) في 2019، وإلى 848 مليار ريال (226.13 مليار دولار) بحلول 2021. وكانت قيمة الدين العام للسعودية وصلت مع نهاية العام 2017 إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية العام 2016. ويُشكّل الدين السعودي نحو 17.3% من الناتج المحلي للبلاد في 2017، في حين كان 13.1% بـ 2016، و1.6% في 2014. يأتي ذلك في حين أن الدين العام لم يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار في نهاية 2014، وفق بيانات سابقة لوزارة المالية السعودية.
تذبذب احتياطي النقد الأجنبي
وضمن سلسلة الأزمات، لم يحقّق الاحتياطي السعودي من النقد الأجنبي تقدّماً حقيقياً، وذلك بعد تراجعه خلال السنوات الماضية. وبحسب الأرقام الصادرة عن مؤسّسة النقد العربي السعودي، انخفضت موجودات المؤسّسة، خلال فبراير الماضي، لتصل إلى نحو 500 مليار دولار، بانخفاض 7.25 مليارات دولار، مقارنة بشهر يناير الماضي. وبعد هذا الانخفاض عاد الاحتياطي النقدي لتعويض جزء مما فقده ليصل إلى 506.4 مليار دولار، وفق أحدث بيانات المؤسسة حول احتياطات النقد الأجنبي بالسعودية. ومنذ العام 2014، فَقَدَ احتياطي النقد الأجنبي السعودي نحو 36% من قيمته، حيث كان يبلغ 737 مليار دولار. وساهم انهيار أسعار النفط، وزيادة الإنفاق العسكري والأمني في المملكة بسبب الحرب اليمنية، وعجز الموازنة العامة، في الضغط على الاحتياطي النقدي، ولجوء الحكومة للسحب منه لتغطية زيادة نفقاتها العامة.
ضرائب جديدة
وإضافة إلى السحب من الاحتياطي النقدي لتغطية عجز الإنفاق عملت الحكومة السعودية، منذ بداية العام الجاري، على رفع أسعار الوقود وفرض ضرائب جديدة ساهمت في مزيد من الانتكاس بالأوضاع الاقتصادية للمواطنين. وفي الأول من يناير الماضي، قرّرت السلطات السعودية رفع أسعار البنزين بنسب تراوحت بين 82 و126%. وبالتزامن مع رفع أسعار الوقود بدأت المملكة، مطلع يناير الماضي، تطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5% على مجموعة كبيرة من السلع والخدمات. وسبق ذلك إقرار الحكومة، في أبريل من عام 2017، ضريبة بنسبة 2.5% على الأراضي التجارية والسكنية التي لم تُطوّر بعد.
الاستثمارات تهرب والبطالة ترتفع
البطالة أيضاً أحد أهم المؤشرات التي قد تُنذر بمزيد من السقوط للاقتصاد السعودي، فقد أظهر تقرير نشرته هيئة الإحصاء العامة في السعودية، في نوفمبر الماضي، ارتفاع العاطلين عن العمل بنسبة 19%. وضمن التراجع باقتصاد السعودية خلال سنة 2018، انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر فيها إلى 1.4 مليار دولار، مقارنة بـ 7.5 مليار دولار بالعام 2016، بحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. ويقارن هذا الانخفاض بنسبة الاستثمار التي بلغت 18.2 مليار دولار سنوياً في السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية، في العامين 2007 و2008. وفي أغسطس الماضي، كشفت صحيفة “المونيتور” الأمريكية أن الاستثمارات الأجنبية في السعودية سجّلت انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 80%.
خاشقجي سببٌ آخر للتراجع
قضية اغتيال خاشقجي في سفارة السعودية بإسطنبول كان لها دور مهم أيضاً في هروب الاستثمارات من البلاد؛ فقد أوقف رجال أعمال غربيون تعاونهم مع مؤسسات سعودية ومشاريع ضخمة يرعاها ولي العهد، محمد بن سلمان. وبحسب تقرير للإذاعة الألمانية “دويتشه فيله”، فقد أعلن الملياردير البريطاني، ريتشارد برانسون، أنه سيجمّد مشاريع عدة مع السعودية، وحثّ الرياض على كشف ما حصل مع خاشقجي، مشيراً إلى أنه سيعلّق “مشاركته في مشروعين سياحيين”. كما ذكر برانسون أن مجموعة “فيرجن” البريطانية متنوّعة الاستثمار، ستعلّق محادثاتها مع صندوق الاستثمار السيادي السعودي حول استثمار محتمل في شركتي “فيرجن غالاكتيك” و”فيرجن أوربيت الفضائيتين”. من جانبه أعلن وزير الطاقة الأمريكي السابق، إرنست مونيز، أنه قرّر تعليق دوره الاستشاري في مشروع مدينة “نيوم” الاقتصادية، التي يرعاها ولي العهد السعودي؛ لحين معرفة مزيد من المعلومات عن خاشقجي. وكان الوزير مونيز واحداً من 18 شخصاً يُشرفون على مشروع نيوم الذي تبلغ كلفته 500 مليار دولار.
وأنهت مجموعة “هاربور غروب”، وهي شركة في واشنطن تقدّم خدمات استشارية للسعودية، عقداً مع المملكة حجمه 80 ألف دولار في الشهر. ولعل من أهم ما أربك الاقتصاد السعودي وهبط بمؤشراته تهديدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للمملكة، في نوفمبر الماضي، بـ“العقاب الشديد” على خلفية اغتيال خاشقجي. وفي وقت سابق قالت وكالة “بلومبيرج” الاقتصادية الأمريكية، إن مخاطر السمعة التي تحيط بالسعودية بعد مقتل الصحفي خاشقجي تهدّد تحالفاتها مع المؤسسات الأجنبية، وربما “رؤية 2030” نفسها التي أعلنتها الرياض، في 25 أبريل 2016، وتهدف إلى خفض اعتمادها على النفط الذي يشكّل المصدر الرئيسيّ للدخل.
ارسال التعليق