«الأمير الخَطِر»… الذي يخيف الغرب
منذ أن تسلّم محمد بن سلمان أول منصب سياسي له كوزير للدفاع، كانت أنظار المحللين الغربيين متجهة إليه على أنه الأمير الشاب الذي لا يتمتع بخبرة سياسية. بعدها، بدأت الصحف تركّز على «خطره» في مقاربته للسياسة الخارجية عموماً، وتهوّره في اليمن وسذاجته في إطار الأزمة مع قطر خصوصاً، لتأتي بعد ذلك كله قضية اعتقال الأمراء والأثرياء السعوديين في فندق الـ«ريتز ــ كارلتون» وتؤكد بعض الأحكام التي أُطلقت على تصرّفاته.
في مواجهة ثنائية القول والفعل، يروّج عدد كبير من المراقبين والمطّلعين والمشمولين بقرارات محمد بن سلمان، أن هذا الأخير تمكّن خلال فترة استثنائية من تحقيق ما لم يحققه أي من أسلافه، أو حتى ما لم يفكّر أي منهم في القيام به. واكبت الصحف، الغربية منها والعربية، «إنجازاته» ورافقها البعض بالتغنّي بـ«إصلاحاته». تنطّح كاتب من هنا ليشيد بتمكين المرأة من قيادة السيارة، وزَها آخر هناك بإعلان السماح بإقامة حفلات لمغنّين وموسيقيين أجانب وعرب في مدن سعودية…
في هذا الوقت، كانت الحرب على اليمن تستعر من دون تحقيق أي نتيجة سوى القتل والدمار الذي ألّب الرأي العام العالمي والقادة السياسيين على النظام السعودي، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأزمة التي استحدثها ولي العهد مع قطر. الأمير كان يخطو خطواته من دون أن يخطّط لها، أو على الأقل هذا ما يدل عليه اتجاه الأمور على صعيد السياسة الخارجية، حيث يتضح مع مرور الوقت عدم وجود تقدير واضح لكل ما يجري تنفيذه. وإن ارتأى بعض الكتّاب الغربيين التطرّق إلى هذه «الأزمات المتلاحقة» التي يُدخل المملكة فيها، فانطلاقاً من كونه «شاباً ثلاثينياً متهوّراً ومتعطّشاً للسلطة». هذا الشاب نفسه اعتقل أكثر من 200 أمير وثري سعودي في فندق الـ«ريتز ــ كارلتون». حدثٌ واكبه البعض كجزء من «إصلاحات سياسية داخلية» لا بدّ منها، وقاربها على أنها طوق نجاة للمملكة من «مرض الفساد» الذي يستشري فيها، منذ عقود، فخرجت نصوص غربية تبجّل هذه الخطوة بأسلوب تجميلي، بغض النظر عن هدفها الحقيقي أو النتيجة المرجوّة منها.
وهل يمكن التغاضي عن المقال الذي نشره توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» ، قبل نحو أسبوعين، والذي استدعى شجباً لما ورد فيه من تعظيم للأمير الشاب ولإصلاحاته؟ «لم أعتقد يوماً أنني سأعيش كفاية لأكتب هذه الجملة: أهم عملية إصلاح تجري الآن في الشرق الأوسط هي في السعودية. نعم، إنك تقرأ ذلك بشكل صحيح. على الرغم من أنني أتيت إلى هنا في بداية الشتاء السعودي، وجدت أن البلد يعيش ربيعه العربي الخاص، وفق الأسلوب السعودي».
فريدمان آثر الإشارة إلى أنه واكب «الربيع السعودي» بأم العين، فهو زار السعودية وجلس مع ولي العهد وقابل أناساً في الشارع ليسألهم عن رأيهم بمختلف التطورات التي تعيشها المملكة، إلا أن ما كتبه عن هذا الموضوع لم يكن مقنعاً. وقد ووجه بانتقادات من محلّلين غربيين، استشفّوا مغالاة في وصفه هذا الربيع على أنه «يُقاد من الأعلى إلى الأسفل»، بل في تأكيده أن نجاح ما يجري القيام به «لن يغيّر طابع المملكة، بل لهجة الإسلام ومضمونه في مختلف أنحاء الكرة الأرضية».
«المدافعون مثل توم فريدمان يقومون بأعمال الديكتاتوريين القذرة»، كتبت كلاي فولر في مجلة «نيوزويك»، لتشكّل مثالاً على ما واجهه فريدمان من ردود فعل زملائه في الغرب.
الاعتقالات كانت متداولة بكثرة في الصحف الغربية، وكذلك شراء ابن سلمان لقصر في فرنسا ويخت ضخم ولوحة فنية نادرة، الأمر الذي رأت فيه «ذي واشنطن بوست» «نفاقاً»، فأشارت إلى أن الأمير السعودي «غطّى رؤيته بطعم من العظمة»، متسائلة: «لماذا قرر ولي العهد، الذي يحتج ضد الثراء الذاتي من قبل أقرانه وزملائه، صرف أكثر من نصف مليار دولار على اليخت الضخم والفيلا في فرنسا؟». وخلصت الصحيفة الأميركية إلى أن «الرمزية مرعبة، وهي تستوجب أن ابن سلمان لديه رؤية، واحدة لشعبه وأخرى لنفسه».
المقامر السياسي
بناءً على ما تقدّم، تشعّبت أسئلة كثيرة كان لا بدّ من طرحها، ووجدت صدى لها في صحف أميركية وبريطانية أخرى، راقبت ما يقوم به «ملك الأمر الواقع»، علّها تفهم مجريات الأحداث وأين ستصب الحقبة المستجدّة التي تمرّ بها السعودية، التي طالما كان سلوكها متوقعاً، بقيادة ملوك وأسلاف لابن سلمان يعملون وفق كتيّب معايير واضح المعالم بالنسبة إلى الداخل والخارج.
كان هناك شبه إجماع، مباشر وغير مباشر، على أن هذا الشاب «خَطِر». «وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان عدائي وطموح» قال يل لاو في صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية، لافتاً إلى أن «السلطة وليس المال، ما يقوده». الحماسة ذاتها التي قادت الإصلاحات الاقتصادية، أدخلت السعودية في حرب فوضوية في اليمن، بحسب لاو الذي أشار إلى أن القول إن «المتمرّدين مدعومون من إيران، جعل المغامرة أكثر جاذبية».
أما الصيغة الأخرى لخطوته، فتلفّظ بها الاقتصادي جايسون توفيي الذي قال للـ«إندبندنت»، إن ولي العهد «مولع بالقتال». ولكن هذا الأخير، مثل غيره من المحلّلين، كان متأثراً بما يقوم به ابن سلمان في إطار «الحلول» للمشاكل الاقتصادية التي تواجهها المملكة، إذ رأى أنه «على الجبهة الاقتصادية، قام بعمل جيد جداً. غيّر في السياسة، وينبغي أن يتلقى الثناء في هذا المجال».
في ذي «إندبندنت» أيضاً، كان باتريك كوكبرن الأكثر انتقاداً وتحذيراً من خطر محمد بن سلمان. وفي مقال نشره منذ نحو شهرين، رأى أن «الخطر الكبير في الشرق الأوسط اليوم هو أن ولي العهد محمد بن سلمان و(صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب) جارد كوشنير لديهما فهم منحرف وغير منطقي للعالم حولهما». وفيما رأى الكاتب المتخصص بشؤون المنطقة أن «لا أحد يربح الكثير من حرب جديدة في الشرق الأوسط»، فقد استند إلى ما مفاده أن «الحروب عادة يبدأها هؤلاء الذين يخطئون في تقدير نقاط قوتهم ومصالحهم».
بناءً على هذه المعادلة، كان هناك تطابق بين كوكبرن وغيره من النقاد والمحلّلين، الذين وجدوا أوجه شبه كبيرة أو ما يمكن تسميته نقاط التقاء بين محمد بن سلمان ودونالد ترامب. ومن هذه الزاوية، كتب كوكبرن في مقال آخر أن «ترامب وابن سلمان أخطر رجلين في العالم». الأمير محمد بن سلمان «ليس رجلاً يتعلّم من أخطائه أو حتى يلاحظ أنه قام بها»، قال الكاتب، مشيراً إلى أنه «بعد أقل من عام على تسلّم والده العرش، أصدرت الاستخبارات الألمانية تحذيراً قالت فيه إن السعودية تبنّت سياسة تدخّل متهورة» في الخارج، ملقية باللوم على ابن سلمان الذي وصفته بـ«الساذج والمقامر السياسي».
30/12/2017
بقلم : نادين شلق
ارسال التعليق