الإعلام السعودي صهيوني أكثر من صهيونية نتنياهو وابن غفير
بقلم: نزار نمر...
مع دخول العدوان شهره الثالث، طفت لغة الهزيمة في الإعلام الغربي وظهرت أوّل الملامح الواقعية في نظيره العبري. وحده الإعلام الخليجي يُثبت مجدّداً أنّه إلى جانب الصهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم. ظلّ يدافع عن هذه الحرب ويعطي الحجج لاستمرارها ولو بقي وحيداً في ذلك
في وقت طغت فيه لغة الهزيمة في الإعلام الغربي وظهرت أوّل الملامح الواقعية في الإعلام العبري في الأيّام الماضية، كان الإعلام الخليجي يُثبت مجدّداً أنّه إلى جانب الصهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم، ولا سيّما قناة «العربية» السعودية التي أمعنت منذ بدء «طوفان الأقصى» في التحريض على المقاومة إلى حدّ وصفها بـ«داعش»، واعتبارها مجرّد «أداة» بيَد إيران تتحرّك وفقاً لمصالح الأخيرة، لا حركة مقاومة هدفها تحرير أرضها وشعبها من براثن الاحتلال الهمجي الذي يُثبت وحشيّته أكثر كلّ يوم.هكذا، واجهت القناة انتقادات واسعة على منصّات التواصل بعد نشرها على صفحاتها الافتراضية مقطعاً مع عنوان مرفق: «أنا بدي أوجه رسالتي لحكومة حماس حسبي الله عليكم.. إحنا ميه مش لاقيين يا السنوار إذا كنت تسمعنا.. انتقادات واسعة لحركة حماس وصرخات مدوية من أهالي غزة بسرعة وقف الحرب». يبدأ المقطع بصوت أحد الأشخاص على قناة «علم»، وهو يقول أولى جملتَين واردتَين في العنوان، قبل أن يستغلّ المقطع مَشاهدَ معاناة الفلسطينيّين للّعب على المشاعر، رغم أنّهم يصرخون بوجه الاحتلال لا المقاومة. يستعرض ما سبّبته الحرب الهمجية على غزّة حتّى الآن، مع تمرير مشاهد لأشخاص يقولون عبارات مثل «حسبي الله فيك يا حماس»، في محاولة لإرجاع أسباب كلّ ما يحصل في غزّة إلى المقاومة، ولو عبر إستراتيجيّات إعلامية تستغلّ العامل النفسي وتخترق اللاوعي. إلّا أنّ الإستراتيجية هذه لم تنطلِ على الناشطين، الذين راحوا يردّون على المقطع بشكل جماعي أفقده تأثيره.
السردية التي تختصر المقاومة بشخص السنوار سردية إسرائيلية بامتياز، يمكن سماعها باستمرار على ألسنة مسؤولين في كيان الاحتلال، يكرّرونها كأنّ مَن يقاتلون مع «حماس» إنّما يقومون بذلك لأهداف شخصية أو مادّية. هذا التفكير يعكس إمّا حجم الانسلاخ عن الواقع عند صنّاع القرار لدى كيان الاحتلال، أو ثقتهم المفرطة بقدرتهم على الكذب على العالم أجمع. في الحالتَين هم فاشلون، لكنّ ذلك لا يمنع «العربية» من الانسجام مع هذه السردية.
«العربية» لم تكن لوحدها. انضمّت إليها قناة «سكاي نيوز عربية» التي تغطّي الأحداث من منظور الإعلام الغربي المنحاز إلى «إسرائيل»، وصحيفة «الشرق الأوسط» التي عنوَنت: «قالت «حماس» إنّ إسرائيل قصفت المسجد العمري الذي يرجع تاريخه إلى القرون الوسطى في غزة». وفي عنوان «الشرق الأوسط» معايير مزدوجة واضحة تنافس بوقاحتها الإعلام الغربي. بدايةً، وُضع مزدوجان على «حماس»، فيما تُركت «إسرائيل» من دونهما، إضافة إلى الاتّكال على سردية صهيونية أخرى عمادها أنّ كلّ ما «تقوله» حركة «حماس» مشكوك في صحّته، فيما ما يصدر عن كيان الاحتلال هو حقيقة قاطعة. هذه السردية تخالف ليس فقط أبسط المعايير المهنية، بل أيضاً المعايير الإنسانية التي تشكّك في مأساة تحصل أمام أعين العالم بأسره، وتتماهى معها هنا «الشرق الأوسط»، إضافة إلى العامل الديني الذي قفزت فوقه الصحيفة كأنّ قصف مسجد أثري لا يعنيها.
قي المقابل، كانت أول ملامح الواقعية تظهر لدى إعلام العدوّ، فاعترفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أنّ معظم من اعتقلتهم قوّات الاحتلال في الأيّام الأخيرة ليسوا من «حماس»، فيما ذهبت زميلتها «هآرتس» أبعد من ذلك، موردةً أنّ صوَر تعرية المدنيّين «تهين الجيش أكثر بكثير ممّا تهين ضحاياه العراة»، مضيفةً أنّ «إسرائيل لا تستطيع هزيمة حماس... لقد حان الوقت لوقف القتال والتفكير في المستقبل». أمّا عند الإعلام الغربي، فكانت تطغى كلمات الهزيمة. إذ عنوَنت «ذا نيشن» أنّ «إسرائيل تخسر هذه الحرب»، وظهر عند «فورين آفيرز» العنوان الآتي: «القصف الإسرائيلي الفاشل على غزّة... العقاب الجماعي لن يهزم حماس».
ببساطة، أعلن بعض الإعلام الخليجي في الأيّام الماضية أنّه حتّى لو تخلّى الصهاينة أنفسهم عن حربهم على غزّة وعلى الإنسانية، سيبقى هو يدافع عن هذه الحرب ويعطي الحجج لاستمرارها ولو بقي وحيداً في ذلك. أي إنّ هذا الإعلام جاهر بعدائه للشعب الفلسطيني وارتكابه خيانة بحجم أمّة، تضاهي ربّما الخيانة العظمى المتمثّلة في تطبيع بعض حكوماته مع كيان الاحتلال. لكن على الأقلّ، يمكن القول إنّ الشباب العربي واعٍ تماماً لحقيقة هذا الإعلام وأساليبه، يجابهه وينتقده ويتحدّاه ولا يتخلّى عن فلسطين.
ارسال التعليق