التحديات الجيوسياسية للسعودية أخطر من الأزمات الصحية والاقتصادية
قد يشعر محمد بن سلمان أن الوباء العالمي وتداعياته الاقتصادية هي أكثر مشاكله إلحاحاً في الوقت الذي تعمل فيه المملكة تدريجياً على رفع القيود التي وضعت لمنع انتشار الفيروس.
ومع ذلك، يلوح في الأفق خلاف حرج مع الولايات المتحدة نتيجة حرب أسعار المملكة مع روسيا التي ساهمت في انهيار أسواق النفط وفي أزمة وجودية لصناعة النفط الصخري الأمريكي.
والأهم من ذلك، أن “بن سلمان” عرّض علاقة المملكة مع الولايات المتحدة للخطر دون أن يكون لديه أي خيارات بديلة حقيقية في الوقت الذي يبدو فيه اتفاق “أوبك+” كهدنة في حرب الأسعار.
أدت حرب الأسعار إلى مزيد من التوتر في علاقات المملكة بالكونجرس، والتي كانت مضطربة بالفعل بسبب الحرب في اليمن، وسجل المملكة من انتهاكات حقوق الإنسان، وقتل الصحفي “جمال خاشقجي”.
حاول “بن سلمان” تحسين صورته في الغرب من خلال إلغاء عقوبة الجلد وعقوبة الإعدام بحق الأطفال والقصّر، لكن من غير المرجح أن تحدث تغييرا كبيرا.
حذر السيناتور “كريمر” من داكوتا الشمالية متحدثا عن أعضاء الكونجرس الذين يمثلون ولايات النفط الصخري الأمريكية، من أن خطوات السعودية التالية ستحدد ما إذا كانت الشراكة الاستراتيجية معها قابلة للإنقاذ.
وقد يكون إنقاذ العلاقات السعودية الأمريكية الخيار الوحيد لـ”بن سلمان”.
ومن غير المرجح أن يتعامل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بلطف مع صراخ محمد بن سلمان عليه في اتصال هاتفي في بداية حرب الأسعار.
وتواصل السعودية وروسيا المعركة في أسواق النفط مع سعي المملكة لتقويض جهود روسيا بخصومات وعروض خاصة، وذلك وفقا لتحقيق أجرته “رويترز”.
لم تمنع العلاقات المتوترة البلدين من المضي قدما باتفاق على مبيعات القمح الروسي إلى المملكة حيث أبحرت أول شحنة روسية تبلغ 60 ألف طن إلى السعودية في وقت سابق من هذا الشهر.
وبغض النظر عن حالة العلاقات السعودية الروسية، فقد دعت روسيا لاستبدال مظلة الدفاع الأمريكية في الخليج بترتيب أمني متعدد الأطراف من شأنه أن يشمل الولايات المتحدة وكذلك الصين وأوروبا والهند.
ليس لدى روسيا القدرة ولا الرغبة في تحمل المسؤولية عن أمن الخليج، كما أن الآخرين لا يتصورونها كمشارك في ترتيب أمني خليجي حقيقي.
علاوة على ذلك، فإن الاقتراح ولد ميتًا طالما أن السعودية ترفض التعامل مع إيران حيث استخدمت المملكة حتى الآن الوباء لتوسيع خطوط الصدع مع طهران، مستبعدة الفرص لبناء الجسور بين البلدين.
وبالمثل، ليس لدى الصين رغبة في القيام بدور عسكري رئيسي في الشرق الأوسط بالرغم من تأسيس أول قاعدة عسكرية أجنبية في جيبوتي والمساهمة في عمليات مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال.
ويعتبر الأمر المقلق بنفس القدر بالنسبة لابن سلمان هو حقيقة عدم تأكده من أن الصين ستكون قادرة على الحفاظ على حيادها إذا انفجرت التوترات الأمريكية الإيرانية في حرب شاملة، فقد تكون إيران ذات أهمية استراتيجية أكبر بالنسبة لبكين.
إن عوامل مثل الجغرافيا والديموجرافيا والسكان المتعلمين في إيران، يمنحونها أولوية في منافستها مع السعودية فيما يخص العلاقات مع الصين.
كما يجب الإشارة إلى حقيقة أن الصين وإيران تنظران إلى بعضهما البعض كدولتين ذواتي تاريخ حضاري يعود إلى آلاف السنين.
علاوة على ذلك، تلعب إيران دورًا محوريًا في الجهود المتعلقة بمبادرة “الحزام والطريق” لربط الصين بأوروبا عن طريق السكك الحديدية التي ستعبر آسيا الوسطى وإيران وتنهي العملية المكلفة والمستهلكة للوقت المتمثلة في نقل البضائع إلى السفن في نهاية بحر قزوين وتحميلها مرة أخرى على متن قطار على الشاطئ المقابل لبحر قزوين.
تظهر مناورة “بن سلمان” لتحقيق التوازن في تأمين مكان المملكة في العالم متعدد الأقطاب من خلال تغطية وسائل الإعلام السعودية للجهود الصينية والأمريكية لمكافحة الوباء.
ويظهر تحليل التغطية الإعلامية السعودية إلى أن “بن سلمان” يسعى إلى إبقاء جميع الأبواب مفتوحة.
ومع ذلك، فإن الأمر سيحتاج أكثر من مجرد تغطية إعلامية متواضعة وإصلاح قانون العقوبات في المملكة لتلميع صورة السعودية المشوهة في الولايات المتحدة خاصة والعالم أجمع.
كما أن الأمر سيحتاج أكثر من تسوية ساحة اللعب مع إيران عندما يتعلق الأمر بالصين.
ارسال التعليق