التطبيع السعودي الصهيوني لا يستحق هذا العناء الأمريكي
يبدو أن دفع السعودية وإسرائيل لتطبيع العلاقات أمرًا لا يحتاج إلى تفكير، ولكن هل يحتاج كل هذا العناء الأمريكي مع حليفتين للولايات المتحدة، خاصة أنهما ترفضهان طلباتها رغم ما تمتلكان معهما من علاقة خاصة؟.
هكذا يتساءل تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تعليقا على تقارير بذل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن "محاولات طويلة الأمد" لحمل إسرائيل والسعودية على تطبيع العلاقات.
ويضيف: "إذا اعتقدت هاتان الدولتان أنه من المنطقي تطبيع علاقتهما في هذه المرحلة، فلن تعترض الولايات المتحدة، ولا ينبغي عليها ذلك، لكن لماذا يجب أن تبذل أي جهد في محاولة إقناعهم؟".
ويلفت التقرير إلى أنه من المعتقد أن لدى إدارة بايدن ووزير خارجيتها أنتوني بلينكين، لديهما ما يكفي هذه الأيام، كالحرب في أوكرانيا التي لا تسير على ما يرام، وإعادة تأسيس العلاقات البناءة مع الصين، والسعي للوصول إلى نوع ما بشكل غير رسمي بشأن برنامج إيران النووي.
ويتابع التقرير: "دفع السعودية وإسرائيل لتطبيع العلاقات أمرًا مهم، حيث أنه لطالما أراد قادة الولايات المتحدة قبول جيران إسرائيل بوجودها والتوصل إلى سلام دائم، ولكن هذا الأمر يتطلب التغلب على المخاوف السعودية بشأن استمرار إسرائيل في إساءة معاملة الفلسطينيين، وحمل تل أبيب على قبول رغبة الرياض في برنامج نووي مدني متقدم".
ونظرًا للتاريخ الطويل للعداء العربي الإسرائيلي، فمن السهل افتراض أن التطبيع بين الرياض وتل أبيب سيعزز السلام ويسهل التنمية الاقتصادية الإقليمية، ولكن هذا لا ينمنع من توجيه انتقادين رئيسيين لهذا الدفع الأمريكي.
أولى هذه الانتقادات، هو التبرير بأن خطر نشوب صراع خطير بين إسرائيل وأي دولة عربية، وهو يعتبره التقرير "احتمال ضئيل بالفعل".
ويضيف: "لقد ولت الأيام التي كان على إسرائيل أن تقلق من أن تكون محاطة بتحالف عربي كبير ومعاد وأكثر كثافة سكانية، مع بعض أعضائه المسلحين والمدربين من قبل الاتحاد السوفيتي".
ويزيد: "ولى هذا الزمن منذ وقت طويل.. فإسرائيل تمتلك اليوم أقوى جيش في المنطقة، وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية، والسعودية لن تهاجم إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف، ولا الأردن ولا العراق ولا مصر".
ويتابع: "بل تتعاون معظم هذه الدول مع إسرائيل ضد أعداء مشتركين، بما في ذلك حماس في غزة وبالطبع إيران، ومنذ فترة طويلة".
ويلفت التقرير إلى أن "التطبيع الكامل سيكون أمرًا لطيفًا، خاصة بالنسبة لإسرائيل، ومن المحتمل أن يؤدي ترتيب ذلك إلى فوز إدارة بايدن ببعض الاستحسان من مجموعات مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، لكن التطبيع لن يكون تغييرًا جذريًا في السياسة الإقليمية".
ويشير إلى أن هذا التطبيع سيكون "مجرد تقنين للوضع الحالي، وجعل الموقف الموجود بالفعل أكثر وضوحا".
ويضيف: "السر المعلن هو أن المملكة العربية السعودية (وبعض دول الخليج الأخرى) قبلت ضمنيًا إسرائيل منذ وقت طويل، حتى لو لم تكن على استعداد للاعتراف بها علنًا".
ويعلق التقرير على هذا الانتقاد بالقول: "خلاصة القول هي أنه حتى لو كان عرض بايدن طويل الأمد يؤتي ثماره، فإن الفوائد الاستراتيجية للولايات المتحدة ستكون ضئيلة".
أما ثاني الانتقادات التي يرصدها التقرير لمحاولات أمريكا المكثفة لتطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية، هو أنه عند القيام بهذا الجهد، ينفق بايدن وبلينكين رأس مال سياسيا ضئيلًا على اثنين من العملاء الأقل امتنانًا للولايات المتحدة.
ويشير إلى أن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تاريخ في معاملة رؤساء الولايات المتحدة بازدراء، وكانت علاقته مع بايدن فاترة، وهو يرأس الآن أكثر الحكومات تشددًا في تاريخ إسرائيل، وتعمل على تبسيط استعمار الضفة الغربية وتسهيل حملة عنيفة متزايدة ضد الفلسطينيين (بما في ذلك بعض المواطنين الأمريكيين).
ويلفت إلى أن إدارة بايدن ليست راضية عن هذه التطورات، ناهيك عن ابتعاد إسرائيل عن الديمقراطية، فضلا عن أن إسرائيل ظلت محايدة بثبات في شأن الحرب بأوكرانيا، بينما استمرت في تلقي الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي السخي.
ويضيف: "نتنياهو ورفاقه يتصرفون فقط فيما يعتقدون أنه مصلحة إسرائيل، لكن يجب أن يكون سلوكهم جرس إنذار لبايدن وشركاه".
وفيما يتعلق بالسعودية، يقول التقرير إنها لم تعد تستحق الرعاية الدبلوماسية الأمريكية، مضيفا: "حتى لو تجاهل مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018 على يد عملاء سعوديين، فإن المملكة كانت مؤخرًا حليفة شائكة وغير مفيدة، وكانت حملتها العسكرية في اليمن كارثة إنسانية وضربة لصورة أمريكا، بقدر ما سهّل الدعم الأمريكي حربًا مدمرة وعديمة الجدوى إلى حد كبير".
ويتابع: "بقيت الرياض أيضًا على الهامش فيما يتعلق بأوكرانيا، وهي تواصل تغذية آلة الحرب الروسية من خلال شراء النفط الروسي بأسعار منافسة مع تصدير المزيد من إنتاجها الخاص بسعر أعلى".
ويستطرد التقرير: "علاوة على ذلك، أغضب السعوديون إدارة بايدن الخريف الماضي، من خلال تنسيق خفض الإنتاج مع روسيا للحفاظ على الأسعار مرتفعة، على الرغم من الطلبات الأمريكية المباشرة بعدم القيام بذلك".
ويشير التقرير كذلك إلى اقتراب محمد بن سلمان بشكل مطرد من الصين، وصدور تصريحات من مسؤولين سعوديين أنهم يرحبون ببدائل رعاية الولايات المتحدة، لا سيما في المجال الاقتصادي.
ويلفت إلى أن "السعودية لا تفعل ذلك لنكاية في بادين وإدارته، ولكنها مجرد اتباع مصالحها الخاصة، فمن وجهة نظر الرياض، فإن مصير أوكرانيا ليس قضية حيوية، ومن المنطقي الاستراتيجي التواصل مع الصين وتقليل الاعتماد على الحماية الأمريكية".
وهنا يتساءل التقرير: "لماذا تضيع واشنطن الوقت والجهد والنفوذ المحتمل في محاولة التوسط في صفقة بين الرياض وتل أبيب؟".
ويضيف: "من المحتمل أن يكون بايدن وبلينكين قلقين بشأن تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وقلقهما من الإنجازات الدبلوماسية الأخيرة للصين، كما أن إقناع السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل سيُظهر أن الولايات المتحدة لا يزال بإمكانها تحقيق نتائج دبلوماسية ملموسة، حتى لو كانت الأهمية الاستراتيجية لهذه الخطوة متواضعة".
ولكن، حسب التقرير، فإن إقناع السعوديين بالتخلي عن طموحاتهم النووية كجزء من الصفقة سيكون "إنجازًا حقيقيًا، لكن هذا ليس مرجحًا جدًا".
ويحذر التقرير من جانب سلبي كبير آخر لهذا المسعى، "وقد يكون الأهم"، من خلال الضغط على إسرائيل والسعودية لتطبيع العلاقات، حيث يساعد بايدن وبلينكين في الواقع على جعل العالم أكثر أمانًا للفصل العنصري الإسرائيلي.
ويضيف: "لم يكن السعوديون ليفعلوا الكثير لمعارضة واقع الدولة الواحدة الناشئ بالطبع، لكن التطبيع سيكون بمثابة قولهم إن القهر الدائم للفلسطينيين أمر مقبول من جانبهم".
ويتابع: "لن يفعل بايدن وبلينكين أي شيء لوقف أو عكس هذه العملية أيضًا، على الرغم من أنها تسخر من ادعاءاتهما بأخذ حقوق الإنسان على محمل الجد وتجعل معارضتهما لضم روسيا لأوكرانيا أو معاملة الصين لأقلية الأويغور تبدو منافقة".
وأمام ذلك، يعلق التقرير: "ليس هناك سببا لمحاولة الولايات المتحدة طويل الأمد نحو تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل".
قبل أن يختتم: "أما أولئك الذين يعتقدون أن الأمر يستحق المحاولة على الأقل، فإن الفشل في التوسط في الصفقة تجعل واشنطن تبدو غير فعالة، والأكثر من ذلك أنها تتم مع دولتين رفض طلبات أمريكا المتكررة، رغم أنهما يفترض أن لديهما معها علاقة خاصة".
ارسال التعليق