التطبيع مع العدو والأنظمة المارقة
التغيير
لم يعد جديداً على أحد تهافت بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي، حيث شهدت الأعوام الماضية رحلات تطبيع برية وبحرية وجوية بين بعض الأنظمة الخليجية لاسيما مملكة آل سعود والإمارات والبحرين والعدو الاسرائيلي، وأخذ التطبيع أشكالاً عدة منها نشاطات ثقافية_رياضية_دينية_اقتصادية_سياحية وغيرها تمهيداً للتطبيع العلني، وتظن هذه الأنظمة بأن علاقتها مع "اسرائيل" ستوفر لها حماية مطلقة على المستوى الأمني وستساعد حكام هذه الدول في البقاء في مناصبهم من خلال كسب رضى الولايات المتحدة الأمريكية، غير آبهين بتطلعات شعوبهم ووجهة نظرهم بهذا التحول الكبير في السياسة الخارجية لهذه الدول والانقلاب على القضية الفلسطينية.
الشعوب العربية تعي تماماً أن العلاقة مع "اسرائيل" لن تجلب للمنطقة سوى الويلات والخراب، فالجميع يعلم أن الاسرائيليين لا يريدون الخير لأبناء المنطقة، وما يفعلونه في سوريا وفلسطين ولبنان خير دليل على ذلك، فالصهاينة لايريدون أن تكون هناك قوة اقليمية تضاهيهم في المنطقة، وعلى هذا الاساس حرضوا الولايات المتحدة الأمريكية للانقلاب على الاتفاق النووي الايراني، ليست ايران وحسب، فالعدو الصهيوني لا يريد لمصر أن تكون قوية ويريد اشغالها بوضعها الداخلي دائماً وأبداً، وبالتالي لن يسمح الصهاينة بأي شكل من الاشكال ان تصبح الانظمة الخليجية قوة اقليمية كبيرة، وكل محاولات محمد بن زايد ومحمد بن سلمان للاحتماء بالاسرائيلي لمواجهة ايران اختراق دول اخرى ستبوء بالفشل، فلن تسمح لهم "اسرائيل" ان ينهضوا أو يصبحوا قوة مؤثرة في المنطقة والايام المقبلة ستشهد على ذلك.
الاسرائيلي نفسه يعي تماماً أن الشعوب العربية لا تريد التطبيع وهي تخالف أنظمتها وتعارضها وهذا في الحقيقة ما يقض مضاجع الاسرائيليين، الذين يعلمون تماماً ان هذه الأنظمة مارقة مهما طالت الايام، وستبقى الشعوب، التي لا تجد "اسرائيل" سوى دولة محتلة تنهش خيرات الامة وتعتدي على الابرياء وتدمر المنطقة، والجميع في "اسرائيل" على مستوى القادة خاصة يعلمون أن الرأي العام العربي يحول دون التطبيع العلني مع الأنظمة.
ومؤخرا نُشرت دراسة قام بها "مركز ابحاث الامن القومي" الاسرائيلي، وخلصت الدراسة إلى أن توجهات الرأي العام العربي تحول دون تمكن الأنظمة العربية من تطبيع علاقاتها السياسية والأمنية وإخراجها إلى العلن، على الرغم من الشوط الكبير الذي شهده التعاون الأمني والاستخباري السري بين الطرفين.
وحسب الدراسة، فإن بقاء الصراع بين الشعب الفلسطيني و"إسرائيل" قائماً لن يسهم في إقناع الرأي العام بقبول العلاقة الإسرائيلية، لأنه يردع الأنظمة عن تطوير هذه العلاقة وإخراجها إلى العلن، حيث تشير إلى أن العلاقات مع نظم الحكم العربية تستند إلى "رمال متحركة"، لأنها تعبر عن مصالح أنظمة وتتركز بشكل خاص في التعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة لنظم الحكم في ظل معارضة النخب الثقافية والرأي العام. وعلى الرغم من أن الدراسة تشير إلى تراجع اهتمام الأنظمة العربية بالقضية الفلسطينية بشكل كبير، إلا أنها تلفت في المقابل إلى اهتمام الرأي العام المحلي بها، ما حولها إلى "سقف زجاجي" يجعل من الصعب على الأنظمة تطبيع علاقاتها السياسية والأمنية مع "إسرائيل" وإخراجها إلى العلن.
التطبيع السعودي_ الاماراتي مع "اسرائيل"
تحركت دبلوماسية آل سعود والامارات بكثافة خلال السنوات الماضية لاستغلال انشغال الشعوب العربية بثورات الربيع العربي، واتجهت نحو الاراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يكن الامر لخدمة الفلسطنيين ومناصرة قضيتهم بل على العكس للانقلاب على القضية الفلسطينية وتصفيتها مقابل الحصول على رضى الصهاينة، ولا احد يعلم حتى الان سبب هذا التوجه الخليجي على القضية الفلسطينية، خاصة وان الاسرائيليين يأخذون ولا يعطون والأهم ان هذه الانظمة تخالف تطلعات شعوبها.
مملكة آل سعود وعلى سبيل المثال فتحت أبوابها على مصراعيها لزيارات مسؤولين اسرائيليين الى اراضيها وأرسلت مسؤولين أيضا الى "اسرائيل"، ونذكر من هذه الزيارات، زيارة كلٍّ من مئيردغان الرئيس الأسبق للموساد، وسلفه تامير باردو للرياض ولقاءهما مسؤولين سعوديين. وزيارة تركي الفيصل رئيس استخبارات آل سعود الأسبق عام 2006م للكيان الصهيوني، وعقده لقاء مع رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود أولمرت.
ولقاءات مدير المخابرات السعودي الأسبق تركي الفيصل بوزيرة الخارجية السابقة تسيفي ليفني، إضافةً لمناظراته الإعلامية مع مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو الجنرال يعكوف عامي درور، ورئيس شعبة الاستخبارات الصهيوني الأسبق عاموس يادلين.
ولعل أبرز هذه اللقاءات كان ما كشفه رئيس أركان العدو الصهيوني غادي آيزنكوت حول لقاء محمد بن سلمان برئيس مجلس الأمنِ القومي الصهيوني مئير بن شبات في إطار ما أسماه تطابقَ مصالحَ بين تل أبيبَ والرياض. الامارات ليست افضل حالاً، فقد كان تطبيعها مع الاسرائيليين اكثر علانية تمثل بزيارات وعقود تجارية وتبادل خبرات وفتح خط جوي الى هناك، وجس نبض شعبها وشعوب المنطقة، ومحاولة تخدير الشعوب رويداً رويداً حتى اعلان التطبيع، واكثر من ذلك الامارات تضغط ايضا على الجهات التي تدعمها للتطبيع مع "اسرائيل" وحصل ذلك في اليمن بحسب موقع "إنتلجنس أونلاين" الفرنسي، ولا نستبعد ان يمتد الامر الى ليبيا في المستقبل.
ارسال التعليق