التطبيع والدول العربية الفاشلة
بقلم: مزهر جبر الساعدي/ كاتب عراقي...
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمعة 13من الشهر الجاري عن اتفاق الإمارات العربية المتحدة والكيان الإسرائيلي على تطبيع العلاقة بينهما، بشكل معلن ورسمي وواضح. وبينَ أن التوقيع على هذا الاتفاق سوف يتم في الأسابيع القليلة المقبلة في البيت الأبيض. إن هذا الاتفاق لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا من خلال مسار الأحداث في السنوات الأخيرة.
قبل الخوض في هذا الاتفاق، وعلاقته ببقية دول المنطقة العربية، والسلطة الفلسطينية؛ من المهم هنا العودة إلى السنوات السابقة، وما جرى فيها، من عمليات التطبيع الواضح ولكنه غير معلن بصورة رسمية. ليس صدفة أن تتم تسريبات إسرائيلية، على صفحات الصحف العبرية التي أحالتها إلى مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، قبل ما يقارب الأربع سنوات؛ هذه التسريبات نلخصها في الآتي: مد سكك حديد من ميناء حيفا إلى الدمام، عبورا لجزيرتي تيران وصنافير إلى البحر الأحمر عبر جسر تتكفل السعودية بدفع تكلفة بنائه، وصولا إلى دول الخليج العربي، كي تكون الموانىء الإسرائيلية منفذا لها على البحر الأبيض المتوسط. هذه السكك تهدف إلى ربط الكيان الإسرائيلي بدول المنطقة العربية، وبلغة أخرى هي بداية ليس للتطبيع فقط بل جعل الكيان الإسرائيلي دولة طبيعية في المنطقة العربية، ومركز علمي واقتصادي وتجاري وصناعي في المنطقة العربية.
عندما ظهرت تلك التسريبات في وقتها، لم يكذبها أي مسؤول خليجي أو أي مسؤول مصري، مما يعني أنها صحيحة لناحية الاتفاقات في الغرف المظلمة.
الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وبرعاية أمريكا ترامب لم يكن وليد ساعته بل هو طبخة أُعد لها قبل سنوات، وقد استوت ونضجت الآن، لذا، اُعلن عنها.
الإمارات وعلى لسان ولي عهد أبو ظبي، الذي وصف هذا الإعلان؛ بأنه سوف يفتح الباب، لاستقرار المنطقة العربية وتطورها، ويجعلها تنعم بالسلام، موضحا بأن السلام مع الكيان الإسرائيلي يفتح الطريق إلى إقامة دولة فلسطين، كما أنه يمنع الضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية، بالاتفاق مع الكيان الإسرائيلي.
مع كل عملية تطبيع أو اتفاق سلام مع الكيان الإسرائيلي يجري الحديث عن ضمان حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة سواء باتفاقية كامب ديفيد أو في اتفاقات اوسلو أو في اتفاق وادي عربة، بينما ما قام به الكيان الإسرائيلي على العكس تماما، بل واصل عملية بناء المستوطنات والقضم المستمر لأراضي الضفة الغربية، والتي يسميها الإسرائيليون يهوذا والسامرة، والقدس ومحيطها وتهجير سكان القرى فيها.
الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي حلقة في سلسلة يربطها خيط واحد هو تصفية القضية الفلسطينية على طاولة صفقة القرن نتنياهو بعد ساعة من إعلان ترامب عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، أوضح أنه لم يتخل عن عملية ضم أجزاء من الضفة الغربية، بل تأجيلها موقتا وبالتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية.
من المؤكد، بالاستناد على ما جرى قبل سنوات ولم يزل يجري، من عمليات تطبيع خفية في أحيان قليلة ومعلنة في أكثر الأحيان؛ أن ما قامت به الإمارات لم يكن من دون التشاور مع السعودية وغيرها من دول المنطقة العربية، مصر مثلا.
وعليه، فإن عملية السلام بين الإمارات والكيان الإسرائيلي، سيتبعها وفي الوقت المناسب، اي حين يكون الظرف الإقليمي والدولي مناسبا، اتفاق البحرين وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية مع إسرائيل. أما دولة قطر ومن خلال متابعتنا لسياستها، بصرف النظر عن ما يروج حولها، لا نعتقد بأنها سوف تقدم على خطوة تطبيع مماثلة مع الكيان الإسرائيلي بأي شكل كان، فعقد اتفاق سلام بينها وبين هذا الكيان الإجرامي أمر بعيد الاحتمال إن لم يكن مستحيلا في ظل عدم تسليم إسرائيل الحقيقي، وبضمانة دولية، وبآلية واضحة وبتوقيتات محدده، بالحقوق المشروعة للفلسطينيين. إن ما تم الإفصاح عنه، بخصوص اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي والذي، وكما بينا، سوف تتبعه في الوقت المقبل، اتفاقات سلام أخرى له علاقة بنوية مع صفقة القرن سيئة النية والصيت والهدف.
الإمارات لعبت وتلعب دورا خطيرا في المنطقة العربية، وهي أداة أمريكية وأسرائيلية في تنفيذ أهداف الدولتين في سوريا وليبيا واليمن، وفي الدولة الاخيرة لعبت دورا هداما فيها، أسست فيه، المنطلق لتقسيم اليمن إلى دولتين، ومن الطبيعي بمشاركة السعودية، وفي السلطة الفلسطينية، محمد دحلان الذي يتخذ من الإمارات مقرا له، ورقة أماراتية، سوف تلعبها في الوقت المناسب، ضد سلطة محمود عباس الذي تقدم في العمر.
إن ما جرى ويجري حتى الآن، في الدول العربية: سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان، يرتبط استراتيجيا بصفقة القرن، واتفاقات السلام مع الكيان الإسرائيلي سواء التي أعلن عنها مع الإمارات أو التي سوف تتم في المقبل من الوقت الذي ليس هو ببعيد من الآن.
وهذا هو ما يفسر لنا وبصورة واضحة لا لبس فيها، كيف تم حرف الربيع العربي عن مساره الحقيقي، والذي في خط شروعه ينحصر في رفع الظلم ( ظلم الحاكم العربي) عن الشعب ومنحه الحرية والحياة الأفضل في توفير الأمن وحرية الرأي والكلمة وفرص العمل، وفرص التطور وتنمية الموارد التي تتكفل العيش الكريم للناس.
لكن الذي جرى هو تغير هذا الطريق بطريق آخر غيره في الضد من إرادة الشعب، في حفر خنادق الفتن بزج المأجورين، على طول طريق الشعب في انتزاع حقه في الحياة الكريمة من غاصبيها من رؤوس النظام الرسمي العربي، مما جعل ماكنة التغيير تدور على الشعب لسحقه، لتنتج الفوضى والدمار والخراب، وفي النهاية دول فاشلة بهويات متعددة، وتشظ مجتمعي.
هذا الواقع هو من منح المطبعين، فرص التطبيع وعقد اتفاقات سلام مع كيان غاصب ومجرم. إن هذا يقودنا إلى أن نُبيَن أن ما جرى وما زال يجري إلى الآن في الدول العربية التي سبقت الإشارة إليها في هذه السطور المتواضعة، كان بقصدية استراتيجية للوصول إلى هذا الواقع، الذي وفر للدول المُطّبعة أو التي تريد عقد سلام مع الكيان الإسرائيلي الذي يمارس وعلى مدار الساعة، الظلم ومصادرة الحقوق الفلسطينيين.
وعليه فإن اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي ما هو إلا حلقة من مجموعة من الحلقات، تشكل سلسلة يربطها خيط واحد هو تصفية القضية الفلسطينية على طاولة صفقة القرن، لكن عُقَد هذا الخيط هي تحويل الدول العربية التي سبقت الإشارة لها إلى دول فاشلة أو دول تمزقها الحروب بمال وأذرع عربية.
ارسال التعليق