الرياض وأبوظبي حاولتا إجهاضه.. كيف واجهت الدوحة محاولات إفشال اتفاق طالبان وأمريكا؟
التغيير
تقف أفغانستان على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخها، مع توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان يؤمّن انسحاب الأولى من أطول حروبها ويفتح الباب أمام حوار بين الحركة والحكومة في العاصمة كابل.
وأنفقت واشنطن أكثر من ألف مليار دولار في هذه الحرب التي قُتل وأصيب فيها أكثر من مئة آلاف مدني أفغاني منذ 2009 حينما رحبت واشنطن بالمفاوضات مع الحركة الأفغانية، وذلك حسب أرقام الأمم المتحدة، حيث يمهّد الاتفاق لإنهاء أربعة عقود من النزاعات.
"اتفاق الدوحة"، الذي أبدت أمريكا قبل 10 أعوام، رغبة في إبرامه، لم يكن سهلاً، فقد حاولت أطراف مختلفة إفشاله أكثر من مرة؛ وهو ما تسبب في تعليقه عدة مرات، قبل أن تبدي الدوحة مرونة كبيرة لإنجاح الاتفاق.
من حاول إفشال المفاوضات؟
يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، الدكتور ماجد الأنصاري، إن هناك أكثر من طرف معنيّ بفشل هذه المفاوضات، خاصةً آل سعود والإمارات.
وذكر الأنصاري أن معلومات وتقارير تحدثت عن حرص أبوظبي والرياض على إفشال المفاوضات وسحب البساط لمصلحتها، لتؤدي هي دور الوساطة، أو الضغط على الأطراف المعنية أو الأطراف الإقليمية الأخرى لإفشال هذه الوساطة.
وأضاف في تصريحات إعلامية: "للأسف هذه الدول لم تأخذ بالاعتبار مصلحة الشعب اﻷفغاني ولا حل الأزمات الإقليمية والتفاعل معها؛ بل كان من باب المناكفة السياسية"، مشيراً إلى وجود أطراف أخرى معنية بفشل الاتفاق.
وأكد أن "هذا النجاح اليوم يؤسس لنجاحات مستمرة للوساطة والمساعي الحميدة القطرية، من خلال الفريق الذي لا يعمل في هذا الملف فقط؛ بل في ملفات مختلفة".
وفيما يتعلق بأي محاولات قادمة لإفشال تنفيذ الاتفاق أو المفاوضات بين الأطراف الأفغانية الأفغانية، يشير الأنصاري إلى أن حدوثها من خلال هذه الدول أصبح صعباً جداً، "بسبب إصرار الولايات المتحدة وتوقيعها على هذا الاتفاق واعتبارها ضامناً للمحادثات الأفغانية الأفغانية".
وأضاف: "أعتقد أن الولايات المتحدة في النهاية اقتنعت بأن الدوحة هي الوسيط الأفضل، لسببين رئيسين: الأول أن قطر أثبتت أنها شريك موثوق به في مختلف الملفات التي تعاملت بها واشنطن خلال الفترة الأخيرة، وأثبتت الدول الإقليمية الأخرى أنها فشلت في الوفاء بوعودها وبما قطعته للحكومة الأمريكية، من خلال صفقة القرن أو غيرها من القضايا الإقليمية".
وتابع: "قطر أصبحت شريكاً موثوقاً لواشنطن في إنفاذ أجندتها بالمنطقة، من منظور المصلحة المتبادلة، كمصلحة الإقليم إلى جوار مصلحة الولايات المتحدة".
ولفت إلى أن "طالبان خلال تعاملها مع الوسطاء المختلفين، "وجدت قطر هي الوحيدة التي لم تنخرط في أعمال عدائية ضدها، مثل ألمانيا التي تشارك قواتها في الناتو العاملة في أفغانستان والإمارات أيضاً، ولم يكونوا وسطاء مقبولين لديها، في حين تقف قطر على مسافة واحدة من جميع الأطراف".
الإمارات واغتيال زعماء "طالبان"
من جانبه أشاد الخبير السياسي الأفغاني روح الله عمر، بدور قطر، وقال إنها كانت وسيطاً نزيهاً خلال قيادتها للمفاوضات بين حركة طالبان والولايات المتحدة؛ مشيراً إلى أنها "لم تنحز إلى طرف دون آخر، أو تشكل أي ضغوط للقبول بالاتفاق التاريخي للسلام".
وقال "عمر" خلال حوار صحفي اليوم السبت: إن "الاتفاق الذي تم توقيعه بالدوحة بين حركة طالبان الأفغانية، والولايات المتحدة، جاء بعد مفاوضات بناءة قادتها قطر في أكثر من مكان".
وأضاف موضحاً: "لقد استضافت قطر قادة طالبان الذين اختاروا الدوحة لتكون مركزاً لمكتبها السياسي، ولم يكن هناك أي تدخل من قبل القطريين في شؤون المكتب، أو في أي الجلسات التي كانت بها وسيطة، ولم تمل إلى أحد".
وبيَّن أن الجانب القطري خلال المفاوضات بذل كل ما بوسعه للحفاظ على قادة حركة طالبان، في حين طلب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد من وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، اغتيال قادة الحركة الأفغانية.
مستشار بن زايد يُعلق!
في إطار متصل، ردَّ الإعلامي القطري البارز جابر الحرمي على عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، بعد محاولته التقليل من وساطة الدوحة التي أفضت إلى اتفاق تاريخي بين حركة طالبان وواشنطن
ووجَّه الحرمي في رده على تغريدة عبد الله، رسالة قوية إليه، كتب فيها: "أنتم تجّار حروب، وصانعو أزمات، وداعمو انقلابات عسكرية، وزارعو شبكات وخلايا تجسس.. تنكرون ذلك؟".
وأكمل الحرمي تغريدته: "ثم الآن تتحدثون عن أن انتصار الدبلوماسية القطرية هو انتصار للدبلوماسية الخليجية.. وأنتم تحاصرون قطر.. ما هذا التناقض؟َ!".
وكان "عبد الله" قد قال إنه كان يُفترض أن يتم الاتفاق بين "طالبان" وواشنطن برعاية دولة خليجية أخرى غير قطر، موضحاً أنه لو حدث ذلك "لعُدَّ انتصاراً باهراً لدبلوماسيتها".
وحاول مستشار "بن زايد" السابق نسب الانتصار إلى الدبلوماسية الخليجية، قائلاً: "لأن الاتفاق تمَّ برعاية قطرية فهو انتصار للدبلوماسية القطرية وبالتبعية هو انتصار للدبلوماسية الخليجية".
التقليل من قطر
كانت الدوحة في الـ29 من فبراير 2020، على موعد مع حدث تاريخي، بتوقيع الولايات المتحدة اتفاقاً يُنهي حرباً دامت نحو 20 عاماً، من الصراع مع حركة طالبان في أفغانستان، وأصبح اسم قطر مرتبطاً بهذا الاتفاق، الذي رعت مشاوراته عدة سنوات.
لكن دول حصار قطر وجدت نفسها أمام فشل آخر لها في الأزمة التي اصطنعتها مع الدوحة منتصف يونيو 2017، ومحاولة وصمها بالإرهاب، فلجأت إلى محاولات متكررة؛ لمنع تلك المفاوضات وإفشالها.
لكن مع الإعلان رسمياً عن توقيع الاتفاق، تجاهلت تلك الدول دور قطر في صنع هذا الاتفاق، بعد أن كانت روجت سابقاً لفشل تنفيذه، فبينما تناقلت وسائل الإعلام الدولية توقيع الاتفاق التاريخي بالدوحة، كان تجاهل ذكر اسم قطر عمداً في وسائل الإعلام الرسمية لدول الحصار، وفي مقدمتها وكالة الأنباء التابعة لآل سعود "واس"، التي نشرت بياناً لخارجيتها ترحب بالاتفاق، متجاهلةً الإشارة إلى مكان توقيعه.
أما الإعلامي الأردني ياسر أبو هلالة فعلق على تجاهل دول حصار قطر لـ"اتفاق الدوحة"، مؤكداً أنهم يعيشون "حالة إنكار"، في الوقت الذي يتصدر فيه توقيع الاتفاقية الإعلام العالمي.
وسخر الإعلامي ماجد الزيارة من تجاهل آل سعود ذكر مكان الاتفاق، وعلق قائلاً: "حكومة آل سعود رحبت بتوقيع اتفاق السلام بين طالبان وواشنطن دون أن يشير بيانها بكلمة واحدة إلى الدوحة التي رعت الاتفاق وجرى على أراضيها! في كل الأحوال هذا لن يغير في الواقع شيئاً ولا ينتقص من قطر في شيء، بعدما أدرك الجميع من يرغب في السلام ويسعى إليه".
ومِثل كثير من الصحفيين والناشطين في دول الحصار، هاجم الصحفي السعودي علي المالكي "اتفاق الدوحة"، متهماً قطر بـ"دفع 100 مليون دولار لمليشيات طالبان للموافقة على الاتفاق".
ولم تكن حالة النكران والتجاهل للاتفاق حديثة، فقد سبقتها سخرية من مدير قناة "العربية" سابقاً، والصحفي المقرب من الديوان السعودي عبد الرحمن الراشد، من تغريدة لترامب في سبتمبر الماضي، عندما قرر إلغاء المفاوضات مع "طالبان"؛ بعد هجوم نفذته الأخيرة واستهدف جنوداً أمريكيين بأفغانستان.
وكتب الراشد يومها على صفحته بـ"تويتر"، "بتغريدة أنهى ترامب 9 جولات تفاوض مع طالبان وسفيرها في قطر الملا برادر، طارت ملايين الدولارات من الدوحة التي مولت المحاولات لسنتين".
من جانبه سخر الصحفي الموريتاني محمد سيدي، من تجاهل قناة "سكاي نيوز" الإشارة إلى مكان توقيع الاتفاق، وعلق قائلاً: "أعلن تضامني مع المحرر المسكين الذي كُلِّف صياغة خبر #اتفاق_الدوحة بين طالبان وواشنطن على موقع سكاي نيوز عربية.. لا ذكر لمكان التوقيع ولا الدولة التي عملت على التوصل إليه! صحافة الزمن الرديء".
إشادة بالاتفاق وبقطر
ووصف اليمني الدكتور محمد جميح توقيع اتفاق سلام بين حركة طالبان والولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة، بأنه "خطوة كبيرة لطالبان للتحول من العمل المسلح إلى العمل السياسي، مقابل خطوة أمريكية كبيرة في مغادرة رؤية واشنطن النمطية لطالبان"، متسائلاً في الوقت ذاته: "فهل تتخلى الدول العربية عن الرؤية النمطية لمشاكلها البينية؟".
في حين اعتبر الناشط السياسي ياسر ذويب، في تغريدة له بصفحته على "تويتر"، أن توقيع الاتفاق "ونجاح محادثات السلام في الدوحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان يجعلان سمو الأمير الشيخ تميم من المراهنين الجديين لجائزة نوبل للسلام".
أما محمد سرور، فقد رأى أن "توقيع اتفاق سلام بين أمريكا، وحركة طالبان في العاصمة القطرية (الدوحة)، لا يفل الحديد إلا الحديد ولا عزاء للفاشلين"، في إشارة إلى آل سعود والإمارات.
من جانبه ربط حساب "نفود الدوحة"، "اتفاق الدوحة" بالحصار الذي فرضته الدول الأربع، وقال: "في هذا اليوم وبعد مرور #1000_يوم_من_الحصار الغاشم الذي بدأ بـ اختراق_وكالة_الأنباء_القطرية وعُدوان آل سعود والإمارات والبحرين واتهاماتهم الباطلة بدعم الإرهاب والتطرف، تم في قطر توقيع اتفاق السلام بين واشنطن وحركة طالبان لإنهاء 18 سنة من الاقتتال والدمار في #أفغانستان".
وبارك الناشط محمد هاجر هذه الاتفاقية، وقال: "نجحت #قطر اليوم في إنهاء أطول الحروب، وأبرمت أمريكا و#طالبان اتفاقية سحب القوات الأمريكية في غضون 14 شهراً".
ارسال التعليق