مؤتمرات السعودية: دبلوماسية الإسفنجة ثانية
بقلم: د. وليد عبد الحي...
لعل أحدى سمات الدبلوماسية العربية منذ زيارة السادات لفلسطين المحتلة عام 1977 هي تبني استراتيجية إدانة السياسة الاسرائيلية ومطالبة المجتمع الدولي اتخاذ اجراءات ضد اسرائيل من ناحية وغض الطرف عن اتخاذ العرب أي "اجراء تنفيذي عربي" ضد اسرائيل من ناحية ثانية ، فالدبلوماسية العربية " تنهى عن خُلق وتأتي مثله".
يطالب بيان قمة الرياض العربي الاسلامي بتعليق عضوية اسرائيل في الامم المتحدة ووقف بيع السلاح لها وتنفيذ قرارات الهيئات القضائية الدولية تجاه المسؤولين الاسرائيليين ومقاطعة المنتجات من المستوطنات الاسرائيلية ، ثم ادانات للتصرفات الاسرائيلية...
ولكن كيف تطالبون المجتمع الدولي بتعليق عضوية اسرائيل في الامم المتحدة ومعاقبتها سياسيا واقتصاديا وأنتم عربا ومسلمين تعترفون باسرائيل وتقيمون معها علاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية ، فالعرب والمسلمون في منظمة التعاون الاسلامي يضمون 57 دولة بينها 29 دولة تعترف باسرائيل " اعترافا قانونيا " و تقيم معها علاقات دبلوماسية واقتصادية وبعضها عسكرية، وهناك دول اخرى عربية ومسلمة تقيم " اعترافا واقعيا " باسرائيل مما يرفع الاجمالي الى أكثر من 35 دولة عربية واسلامية(أي ما نسبته حوالي 62% منكم) ولكن إذا حسبنا الامر من حيث عدد السكان فانه النسبة تزيد عن 75% ، فالمطلوب – كحد أدنى - هو اعلان قطع كافة العلاقات مع اسرائيل الى حين استجابتها لمطالبكم ، أما مطالبة الدول الاخرى بما لا تفعلونه أنتم فهو امر مثير للسخرية ، بل إن بعضكم ارتفع حجم تجارته مع اسرائيل بشكل واضح خلال معركة طوفان الاقصى..فأنتم تنهون عن سلوك أنتم تمارسونه.فكيف هذا؟
ودعونا نقف امام ظاهرة عربية او اسلامية ، وهي قطع العلاقات بين الدول العربية فيما بينها ، وهي ظاهرة تكررت عشرات المرات ، وكان آخرها قطع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ومعها مصر مع قطر، وكانت اسباب القطع اتفه كثيرا من الموضوع الاسرائيلي ، وتم قطع العلاقة مع قطر الى حد منع الرعي في اراضي بعض تلك الدول ، فلماذا لا نشهد هذه الحمية مع اسرائيل ؟ جبارون في الجاهلية وخوارون في الاسلام؟ ام ماذا؟
لا أرى قرارات القمة العربية الاسلامية الا محاولة لتفعيل دبلوماسية الاسفنجة،اي لامتصاص الاحتقان الشعبي وخوفا من أن يتسلل هذا الاحتقان للمؤسسات الأمنية والعسكرية في دولكم ، فأنتم بين نارين :الاحتقان الشعبي وتداعياته من ناحية والرضا الامريكي من ناحية أخرى ، وهما امران لا يمكن التوفيق بينهما، فاخترتم الثانية وهو ما يتضح في أن اغلبكم يمنع حتى اي شكل من مظاهر التاييد والتعاطف مع المقاومة ضد اسرائيل، فأغلبكم صامت حتى تجاه السلاح النووي الاسرائيلي ولكنه جعجاع حتى تجاه ارتداء الكوفية الفلسطينية...فعدد المظاهرات الشعبية المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة واوروبا تعادل بالقياس الكمي المجرد أكثر من 30 ضعفا لما في الدول العربية او الاسلامية، بل ان دولا عربيا تمنعها تماما حتى في ابسط مظاهرها ، فكيف تريدون ان يلبي المجتمع الدولي تسولاتكم منه بينما انتم تمارسون خلافها؟ فالمجتمع الدولي ليس نادلا في مقاهيكم تستدعونه وتأمرونه كما شئتم...
ان المسافة الفاصلة بين توجهات شعوبكم وبين توجهاتكم تتسع ، والبقاء في نهاية المطاف للشعوب لا للطغاة ، وأذكركم بآخر عبارة قالها رئيس فيتنام الجنوبية "فان ثيو" وهو يصعد سلم طائرة الهيلوكبتر هاربا من قوات خصومه" الآن ادركت ان من الغباء الثقة بالولايات المتحدة "، كما ان شاه ايران توهم انه "تجاوز امتحان الشعوب" فإذا بها تسقطه بعد هذا التصريح الذي دونه محمد حسنين هيكل ، وبلغ الامر ان الولايات المتحدة تخلت عنه ورفضت دخولها لاراضيها حتى للعلاج....فلا تطمئنوا كثيرا ،فمكر التاريخ رهيب...
ارسال التعليق