السعودية وكورونا وأسواق النفط.. هل تستطيع الرياض ضبط الأسعار؟
عندما يعقد وزراء "أوبك+" اجتماعهم الشهري المقبل في 14 و15 يوليو/تموز، من المرجح أن تدفع السعودية بقوة من أجل استمرار تقييد الإنتاج، لأسباب اقتصادية وسياسية.
وأضر الانهيار في الطلب على النفط، الناجم عن جائحة فيروس كورونا، والانكماش الاقتصادي اللاحق، بالاقتصاد السعودي وبعلاقة واشنطن بالرياض، ويريد السعوديون اتخاذ خطوات للمساعدة في استقرار السوق.
ولا تزال التوقعات الاقتصادية لعام 2020 هشة، ومخزونات النفط مرتفعة، ومن المرجح أن تؤدي الزيادات الكبيرة في الإنتاج إلى انهيار آخر في الأسعار.
وكحدٍ أدنى، سيستمر السعوديون في دفع دول "أوبك+" ضعيفة الأداء، مثل العراق ونيجيريا، للوفاء بالتزاماتها، بينما تزيد المجموعة الإنتاج تدريجيا، كما تم الاتفاق عليه في اجتماع أبريل/نيسان الوزاري.
وربما يقرر أعضاء "أوبك+" الحفاظ على سقف التخفيضات الحالي البالغ 9.7 ملايين برميل يوميا لشهر آخر بعد نهاية يوليو/تموز، اعتمادا على مدى امتثال الدول الأعضاء للتخفيضات الحالية ومدى صحة الاقتصاد العالمي.
التأثير على الاقتصاد السعودي:
ومن الناحية الاقتصادية، تلقت السعودية ضربة كبيرة نتيجة انخفاض الطلب على النفط وأسعاره في الأشهر الأخيرة، ويريد السعوديون منع الأسعار من الانخفاض أكثر.
ويقدر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد السعودي سينكمش بنحو 7% هذا العام، وهو ما يعكس انخفاض إنتاج النفط، وانخفاض الأسعار، والفاتورة المكلفة لاحتواء فيروس كورونا.
وفي أبريل/نيسان، تراجعت صادرات النفط السعودي بأكثر من 65% على أساس سنوي، وانخفضت بنحو 24% مقارنة بشهر مارس/آذار.
وفي مايو/أيار، أعلنت الحكومة عن خطط لزيادة معدل ضريبة القيمة المضافة 3 مرات إلى 15% وتعليق بعض خطط الإنفاق لمعالجة انخفاض عائدات النفط.
من الناحية السياسية، أظهرت حرب الأسعار السعودية الأخيرة، التي انطلقت في مارس/آذار عندما رفضت موسكو خفضا إضافيا في إنتاج "أوبك+" بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا، أظهرت أهمية السعودية المستمرة لأسواق النفط العالمية، لكنها أضرت أيضا بعلاقتها مع الولايات المتحدة.
وتسبب قرار السعودية بزيادة الإنتاج بسرعة، بهدف الوصول إلى معدل 12.3 ملايين برميل في اليوم، في انهيار سريع في أسعار النفط.
وأعلنت "أوبك+" الفشل في التوصل إلى اتفاق يوم الجمعة 6 مارس/آذار. وفي يوم الإثنين التالي، انخفضت الأسعار بنحو 25%، ما أثر على شركات النفط الأمريكية التي كانت متضررة بالفعل من انهيار الطلب.
وتراجعت وظائف النفط والغاز الأمريكية بشكل حاد في أبريل/نيسان ومايو/أيار نتيجة لذلك، ما دفع أعضاء الكونجرس إلى انتقاد الرياض لخفض الأسعار وإلحاق الضرر بشركات الطاقة الأمريكية.
وبحسب ما ورد، دفع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بشدة لتخفيض الإنتاج لدعم الأسعار، ويقال إنه ذهب إلى حد التهديد بسحب القوات الأمريكية من المملكة.
وفي 12 أبريل/نيسان، أنهى السعوديون والروس حرب الأسعار بتخفيض ضخم في إنتاج "أوبك+" بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا. وفي 6 يونيو/حزيران، مددت المجموعة اتفاقها حتى نهاية يوليو/تموز.
ومع ذلك، ساعدت علامات الانتعاش الاقتصادي في مايو/أيار ويونيو/حزيران في تعافي أرقام الوظائف الأمريكية. وهناك مؤشرات على أن الطلب الصيني على النفط وصل إلى 90% من مستويات ما قبل الأزمة، وهو ما ساعد على التعافي ودفع الأسعار إلى نحو 40 دولارا للبرميل لكل من خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط.
توقعات الأسعار والطلب:
وبالنظر إلى المستقبل، من الصعب توقع ارتفاع الأسعار أو زيادة الطلب بشكل كبير خلال العام المقبل. وتفترض معظم التوقعات الاقتصادية انتعاشا بطيئا من ركود عالمي حاد للغاية.
وراجع صندوق النقد الدولي مؤخرا تقديراته للاقتصاد العالمي، متوقعا انكماشا بنسبة 5% تقريبا خلال عام 2020، بانخفاض حاد في النصف الأول من العام، وانتعاش اقتصادي بطيء خلال النصف الثاني.
وتعكس هذه النظرة المتشائمة توقعات الطاقة قصيرة الأجل التي أصدرتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في يوليو/تموز الحالي، والتي تشير إلى أن الطلب العالمي على النفط والسوائل الأخرى سوف يتعافى من 84 مليون برميل يوميا في الربع الثاني من عام 2020 إلى ما يزيد قليلا عن 97 مليون برميل يوميا في الربع الرابع.
وتعد توقعات "أوبك"، التي صدرت في يونيو/حزيران، متشابهة إلى حد كبير. ونظرا للتحديات التي تواجهها البلدان مع إعادة فتح اقتصاداتها في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا، ربما تكون توقعات الطلب هذه متفائلة.
قطاع الطاقة الأمريكي:
في غياب زيادة كبيرة في الأسعار والطلب، من غير المرجح أن يتعافى قطاع النفط والغاز الأمريكي بالكامل هذا العام. واعتبارا من 26 يونيو/حزيران، بلغ إنتاج النفط الأمريكي 10.9 ملايين برميل يوميا، بانخفاض نحو 2 مليون برميل يوميا مقارنة بمعدلات ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتتوقع وكالة معلومات الطاقة استمرار تراجع الإنتاج الأمريكي حتى أبريل/نيسان 2021. وفي حين أن بقاء أسعار خام غرب تكساس الوسيط حول 35 دولارا للبرميل تكفي الشركات الأمريكية لتغطية تكاليف التشغيل على الآبار الموجودة، إلا أنها لا يمكن أن تغطي تكلفة حفر آبار جديدة.
وبالرغم من أن 95% من شركات الطاقة تتوقع أن تظل قادرة على الوفاء بديونها حتى العام المقبل، إلا أن مراقبين آخرين يتوقعون زيادة حالات الإفلاس، حيث تواجه العديد من الشركات مستويات عالية من الديون.
وقد تعطي مشاكل الإنتاج في الولايات المتحدة فرصة للسعودية لاستعادة بعض حصتها في السوق الأمريكية، والتي انخفضت بشكل حاد في عام 2019، بالرغم من أن هذا قد يكون له عواقب سياسية، لأن أي زيادة في صادرات النفط إلى الولايات المتحدة قد تهدد برد فعل عنيف من الكونجرس بحجة إغراق السوق.
خيارات السعودية:
على الرغم من أن السعوديين سيرغبون في الحد من الإنتاج من أجل استقرار الأسعار والمساعدة على سحب المخزونات، فإن مقدار تحملهم لـ " عدم الامتثال" الدول الأخرى الأعضاء في "أوبك+" يبقى سؤالا كبيرا.
وسوف يرغب السعوديون في أن يُنظر إليهم على أنهم يلعبون دورا مسؤولا كرئيس لمجموعة العشرين في الفترة التي تسبق قمة المجموعة في نوفمبر/تشرين الثاني.
ومع ذلك، فقد أوضت الرياض مرارا أنها غير مستعدة لتحمل العبء الكامل لموازنة أسواق النفط بمفردها، وهو ما أظهرته بوضوح في مارس/آذار.
وتقدر "أوبك" أن امتثال "أوبك+" لخفض الإنتاج وصل إلى نحو 87% في مايو/أيار، ودفع ذلك المملكة لتحمل المزيد من التخفيضات من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول.
وإذا بقيت الأسعار في نطاقها الحالي وظل الامتثال جيدا بحلول اجتماع وزراء "أوبك+" في يومي 14 و15 يوليو/تموز، فمن المرجح أن يدفع السعوديون باتجاه الحفاظ على خفض الإنتاج عند المعدلات الحالية.
ارسال التعليق