"الصكوك المحلية".. خطة سعودية لدعم الموازنة وتقليل النفقات هل تنجح؟
التغيير
تواصل الحكومة في المملكة طرح الصكوك المحلية لتحصيل سيولة نقدية تساعدها في مواجهة الآثار الكبيرة التي تركتها جائحة كورونا على اقتصادها، معتمدة في ذلك على ما تمتلكه من فوائض مالية واحتياطات نفطية كبيرة.
وفي خطوة جديدة على طريق جمع السيولة عبر الصكوك المحلية أعلنت وزارة المالية، الأربعاء 20 يناير، إصدار صكوك مالية في السوق المحلية بقيمة 2.955 مليار ريال (788 مليون دولار).
وأوضحت الوزارة في بيان أن الإصدار قُسّم إلى شريحتين؛ أولاهما بقيمة 2.075 مليار ريال (553 مليون دولار) تستحق في 2028، والثانية بـ880 مليون ريال (235 مليون دولار) تستحق في 2033.
وتشير تقارير إلى أن هذه الإصدارات تدعم استثمارات الأفراد في السوق الثانوية، وذلك بعد تفعيل تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية المدرجة لتكون في متناول الأفراد، بدءاً من يونيو 2019.
وبهذه الخطوة فتحت الرياض المجال أمام مواطنيها للمشاركة بدعم المشاريع التنموية في البلاد، في خطوة تقدمية تتماشى مع كثير من الدول حول العالم التي تتبع هذا النهج.
وساهم تعديل القوانين في جعل مسألة استثمار الأفراد بالصكوك أمراً ممكناً، بعد تخفيض القيمة الاسمية للصك إلى ألف ريال (266.56 دولاراً)، مقارنة بمليون ريال قبل قرار التخفيض.
تحوّل مثمر
وفي تقريرها للربع الثالث للعام 2020، قالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إن استثمار المملكة في تطوير سوق الصكوك والسندات الحكومية المحلية يؤتي ثماره مع مضاعفة احتياجات التمويل.
ووصفت الوكالة سوق الصكوك في المملكة بأنها عميقة وجيدة الأداء، وقالت إنه على مدى الأعوام الثلاثة الماضية طورت الحكومة من سوق الصكوك والسندات المحلية، وباتت تعمل بشكل جيد على نحو متزايد.
ولفتت الوكالة إلى أن هذه الصكوك سمحت للمملكة بالاستفادة من الطلب المحلي والدولي المتزايد على أصول الدخل الثابت المتوافق مع الشريعة الإسلامية.
ولتسهيل الإصدار المحلي في إطار البرنامج، ولزيادة تحسين سيولة سوق الصكوك، أنشأت المملكة، في يوليو 2018، برنامجاً للمتداول الأساسي للصكوك الحكومية المحلية.
وتمكنت الحكومة من تمديد الفترات في إصدارات الصكوك المحلية لفترة تصل إلى 17 عاماً تقريباً عام 2019، بعد أن كانت ستة أعوام.
هذا التمديد، بحسب "موديز"، قلل مخاطر إعادة التمويل؛ من خلال إطالة أجل الاستحقاق الإجمالي للدين الحكومي.
ولمزيد من التوسع في هذه السوق وافقت هيئة أسواق المال، في أغسطس 2020، على قرار يسمح لغير المقيمين بالاستثمار مباشرة في أدوات الصكوك المحلية المدرجة وغير المدرجة.
وصنفت "موديز" برنامج إصدار صكوك المملكة بأعلى درجات التصنيف من الدرجة الاستثمارية، وأعلنت الوكالة أنها صنفت إصدار الصكوك المقوّمة بالريال على المقياس المحلي عند درجة (AAA).
وأكد وزير المالية محمد بن عبد الله الجدعان، أن "هذا التصنيف يعكس متانة اقتصاد المملكة ومرونته، وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية".
إبطاء الدين ودعم الموازنة
وفي بياناتها الخاصة بموازنة 2021، الصادرة أواخر سبتمبر 2020، توقعت وزارة المالية ارتفاع الدين العام في 2020 إلى 854 مليار ريال (244 مليار دولار)، بما يعادل 34.4% من الناتج المحلي، مقارنة بتوقعاتها قبل الجائحة، التي كانت 754 مليار ريال (215 مليار دولار) تمثل 26% من الناتج المحلي.
وكانت المملكة قد عدلت، في وقت سابق، السقف الأعلى للدين العام من 30% من الناتج المحلي إلى 50%.
وعلى الرغم من ذلك تتوقع وزارة المالية عدم الوصول إلى السقف الجديد على المدى المتوسط، حيث تم رفع السقف مع زيادة الحاجة إلى التمويل لمواجهة تداعيات الجائحة.
وسمحت المالية في المملكة بمستويات أعلى لعجز الميزانية في 2020 عما كان مخططاً له قبل أزمة كورونا، إلا أن السياسة المالية تستهدف التراجع تدريجياً بمستويات العجز على المدى المتوسط بما يدعم البيئة المالية المستقرة والمحفزة للاستثمار.
الخبير اللاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب يرى أن "خطوة الصكوك المحلية جيدة في الوقت الراهن؛ كونها تخفف الضغط على موازنة المملكة وتقلل الإنفاق العائلي عبر تحفيز الأفراد على شراء الصكوك بدلاً من الهواتف أو السيارات أو السفر للسياحة".
وفي حديثه لـ"التغيير" قال عبد المطلب: إن "إصدار الصكوك المحلية يخفف من آثار كورونا الاقتصادية على اقتصاد المملكة"، مشيراً إلى أن "مخاطر هذه الصكوك قليلة جداً مع احتمالية صعود أسعار النفط".
وأضاف: "هذه الصكوك حالياً ستسهم في تمويل الموازنة العامة، أي إنها ستقلل العجز، كما أن تقليل الإنفاق العائلي سيقلص الأموال التي تنفقها المملكة في الاستيراد لكونها بلداً مستورداً".
يشار إلى أن مكتب إدارة الدين العام في وزارة المالية قرر، في 2016، إنشاء برنامج دولي لإصدار أدوات الدين، في إطار سعي الوزارة لتنويع أساليب التمويل وتخفيف الضغط على السيولة المحلية.
وجاء القرار أيضاً لتقليل اعتماد الاقتصاد على النفط، ولا سيما بعد أن شهدت أسعاره تذبذباً ملحوظاً خلال عام 2015، حيث انخفض إلى نحو 50 دولاراً عام 2015، مقابل 115 دولاراً عام 2014.
وخلال أزمة كورونا حاولت المملكة الاستفادة من أصولها الضخمة ومشروعاتها الاستراتيجية، فطرحت سندات دولية، ولجأت لبيع بعض الأملاك غير الرئيسية في شركة أرامكو لإنتاج النفط؛ بهدف توفير السيولة النقدية.
ارسال التعليق