العسيري... وزجُّ مصر في بحر الرمال المتحركة
انتظر العسيري 48 ساعة ليخرج مكذباً نفسه فيما قاله بخصوص عرض مصري بارسال أربعين ألف جندي من القوات البرية للمشاركة في العدوان على اليمن!
وانتظر المصريون والعرب مصدراً غير مجهل وغير رافض لذكر اسمه ليرد هذه الرواية فلم يجدوا غير المصادر المنعوتة بالدبلوماسية أو المسؤولة او الصحفية!
ما بين رد العسيري على نفسه واختفاء الردود المصرية الرسمية يمكننا استقراء الصورة والاقتراب من حقيقة وطبيعة العلاقات المصرية السعودية في هذه المرحلة.
بعيدا عن التكهنات فالصورة توضح بجلاء ان التخبط أقرب للواقع من التنسيق وان لي الذراع اقرب للواقع من التجانس وان العلاقات اقرب للسجال منها للتحالف الوثيق.
حتى لا يستهين المستهينون، فالمعنى المباشر لكلام العسيري الاول هو ان القيادة السياسية في مصر كذبت على شعبها عندما أعلنت عدم وجود جنود مصريين للمشاركة في معارك برية باليمن، اي أنه تكذيب للرئيس السيسي شخصياً، والجانب المتعلق بطبيعة العسيري يزيد من تعقيد هذا المعنى، فهو ليس صحفياً او سياسياً او رئيسا لحزب ما، انما هو مستشار لوزير الدفاع ومتحدث رسمي للتحالف المعتدي على اليمن، وبالتالي فإن حجم التصريح وطبيعة من قام به يستدعيان ردا على أعلى المستويات في مصر، والتي تخرج منها ردودٌ رسمية على تقارير اقتصادية لمجلات مثل بلومبيرج وغيرها!
الامر الآخر أن الساعات التي فصلت بين كلام العسيري الاول والثاني تشي بأن هناك مداولات أجريت في الكواليس مفادها بأن مصر طلبت تكذيبا حتى لا تكذب هي بنفسها مما يوحي او بالأحرى يفضح توتراً أو شيئا غير طبيعي بالعلاقات.
القناعة العامة في مصر والتي تشمل قناعة السياسيين بمختلف أطيافهم والقطاعات الشعبية تكاد تكون متطابقة وان تفاوتت التقييمات.
فهذه القناعة مفادها ان المشاركة المصرية في العدوان على اليمن هي سياسية ورمزية وأنها لمجرد الاعلان عن الانتماء للمعسكر السعودي ولا تتخطى ذلك بمشاركات فعلية في الجرائم المرتكبة هناك، ويعزز ذلك مواقف المقاومين باليمن والذين يتحدثون عن مصر بشكل ايجابي ولا يتعاملون معها رسميا كما يتعاملون مع السعوديين وتصب تصريحاتهم في خانة أقرب للعتاب منها للإدانة.
اما التقييمات فهي متفاوتة، فهناك من يبرر ذلك من منطلق طبيعة المأزق السياسي والاقتصادي وهناك - ونحن منهم - من لا يستطيع تبرير ذلك تحت اي بند، لكن المحصلة العامة واثقة من صحة الرواية الرسمية في الشأن اليمني.
ما يحزننا حقيقة هو الوهن الرسمي وعدم الرد او حتى النقد او التساؤل العلني عن اسباب ما قاله المتحدث الرسمي باسم العدوان!
لكن هذا الموقف كاشف لطبيعة العلاقات وكاشف لمأساة وضع الاشياء في غير موضعها، فالمراد هو وضع مصر الى جانب السعودية في محور واحد خادم للاستعمار، وهو ليّ لذراع الحقائق السياسية والاستراتيجية.
فالسعودي يستطيع المضي قدما في محور الاستعمار الى نهاية الشوط، فهو متسق معه ومع تاريخه ونشأته ودوره الوظيفي، اما مصر فلا تستطيع ذلك لأن لها أسقفا مانعة، منها ما هو شعبي ومنها ما هو متعلق بالجيش ومنها ما هو متعلق بصلب الأمن القومي وحتى ما هو على تماس بشرعية النظام.
كلما مضى المشروع الاستعماري في التصعيد كلما انكشفت التناقضات وازداد المأزق تفاقما وكلما تآكلت جدران بنيت في غير مواضعها وتربتها وعلى غير اسس متينة وكلما انهارت على رؤوس ساكنيها ممن لايستطيعون استيعاب حقائق التاريخ والجغرافيا والشعوب.
هناك احتمالان لا نجد لهما ثالثًا الا ان يكون ما ذكره العسيري صحيحا ولا بد من انكاره وهو ما نستبعده ونرفضه الا اذا ظهر عكس ذلك.
اما هذان الاحتمالان وهما مترابطان فان اولهما هو توريط مصر او بالأحرى مزيد من التوريط لها في ممارسات ال سعود، حيث يعي السعوديون جيدا ان مكانة مصر ودورها القيادي لازال محل ترحيب عربي وان هناك ولو بقايا من التعاطف والتفهم وإلتماس الاعذار للتماهي مع السعوديين وطالما الامور لم تصل لحدود معينة فان الباب يظل مواربا لعودة مصر صيانة لتاريخها ودورها، في حين ان الرفض لقيادة السعودية هو عام ويحظى على الاجماع لا يشذ عنه سوى المرتزقة او التكفيريين بفرعيهم المسلح والنظري.
وبالتالي فان المراد سعودياً هو تشويه البقية الباقية من الرصيد المصري لتفقد كل اوراقها ولا تجد مفراً من الانخراط التام في المشروع السعودي دون ادنى تمايزات تراها السعودية اخلالا بفروض الطاعة المستحقة!
اما الاحتمال الآخر فهو ان يكون ما قاله العسيري بالونة اختبار وطلبًا مبطنًا على وقع المأزق السعودي في اليمن وان هناك خططا قادمة لحرب برية تتطلب قوات مصرية وما قاله هو لاختبار ردود الافعال واستكشاف مواطن المقاومة لهذا الطلب وهو طلب يحقق أيضا مطلب التشويه لمصر ودورها.
ما نطالب به هو ان تنسحب مصر من هذا التحالف المخزي وان تمارس دورها المأمول في القيادة والتي لا تتطلب المال بقدر ما تتطلب الارادة وان تشكل محورا ضاغطا لانهاء هذا الخزي ولا بد وان تعلن مصر رسميا دورها في اليمن وقواتها والمهام المنوطة بها حرصا على سمعتها وسمعة الجيش المصري الذي يحترمه الشعب العربي لا المصري فقط حيث عقيدته العسكرية لازالت هي العداء للصهاينة مهما طرأ عليها من مستجدات لم تحرف صلبها بعد.
ان قضيتي تيران وصنافير والقوات المشاركة باليمن قضيتان تمسان بمصر وجيشها ولاينبغي ان تكونا ضبابيتين لان اي التباسات بهما في غاية الخطورة وغير خاضعتين لاي مواءمات او مهادنات.
وان الجماهير التي تنتظر مصر لن تظل هكذا الى ما لا نهاية لان ذلك له سقف تريد السعودية ان تتخطاه مصر لتنفرد بها وتجهز عليها وعلى دورها، وهو امل سعودي وتحقيق لثأر قديم يرجع لعصر ابراهيم باشا وتدمير الدرعية والتي احياها الملك سلمان وتعمد استقبال الرئيس المصري بقصرها!
بقلم : إيهاب شوقي .. كاتب عربي من مصر
ارسال التعليق