القصة الحقيقية لانقلاب بن زايد على بن سلمان في عدن
بعد 4 أعوام من القتال، أعلنت الإمارات بدء سحب قواتها من اليمن، ضمن استراتيجية "السلام أولا"، بدلا من استراتيجية "الحل العسكري أولا"، لتؤكد مصادر مطلعة بحلول 2 يوليو/تموز الماضي انسحاب 80% من هذه القوات بالفعل بمحيط مدينة الحديدة إضافة إلى انسحابها بشكل كامل من مأرب.
وفي قاعدة عصب الإريترية، التي تمثل مقر تدريب القوات الإماراتية ومركز انطلاق عملياتها الجوية، قلصت الإمارات وجودها بنسبة 75%، وفي 6 يوليو/ تموز، وتم نقل السيطرة على مقر القوات الإماراتية في المخا إلى السعودية.
حاول المسؤولون في الرياض التدخل وإقناع القادة الإماراتيين بالتراجع عن الانسحاب، ومع فشل هذه الجهود، اتخذت القوات السعودية مؤخرا خطوة لإعادة الانتشار في "خوخا" ومدينة "المخا" الساحلية إلى الجنوب منها.
كما أرسلت الرياض قوات إلى مدينة عدن الجنوبية، وجزيرة "بيريم" المجاورة لها، في مجرى باب المندب الاستراتيجي، لسد الفراغات التي تركها الانسحاب الإماراتي.
ويعد ما حدث في جنوب اليمن ضربة للأمن القومي السعودي، وإهانة بالغة لمصالحها المباشرة التي شنت الحرب من أجلها، إذ تدخلت الرياض في ساعات الهجوم الأولى لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيا، وأمرت القوات الموالية للشرعية بالانسحاب وترك القصر الرئاسي في عدن.
وبينما فسر مصدر عسكري كبير هذه الخطوة بأنها مؤشر على تورط سعودي في مخطط إسقاط عدن، خاصة أن المملكة ظلت صامتة بينما يحكم المجلس الانفصالي قبضته على المدينة، يشير التدقيق في حقيقة الموقف السعودي إلى غير ذلك.
فالسعودية، التي تفاجأت تماما بتحرك "الانتقالي"، قدرت أن المصلحة تقتضي عدم الاقتتال في عدن، وتجنب إظهار معسكر الشرعية الموالي لها في حالة اقتتال داخلي لا تفيد إلا الحوثي وتزيد من إضعاف هيبة تحالفها دوليا، ومن ثم حاولت احتواء الموقف الميداني على أساس أنها ستتمكن سياسيا من تدارك الموقف باستدعاء الأطراف والضغط عليهم كما حدث في مرة سابقة.
ووضح جليا أن الرياض لم تكن تدرك حجم التحرك العسكري للمجلس الجنوبي ولا عمق التورط الإماراتي به، وظهر من مستوى تسليح واستعداد قوات المجلس أن التحرك العسكري لا يهدف فحسب للسيطرة على عدن، ولكن التحرك خارجها والسيطرة على محافظات أخرى.
كانت الرسالة واضحة: الإمارات قررت سحب قواتها لكنها قررت أيضا إحكام نفوذها على جنوب اليمن بمنطق القوة العسكرية ووضع الرياض أمام أمر واقع لا يمكنها تغييره.
وتتمثل الأهداف طويلة الأجل للإمارات في إنشاء دولة جنوبية تابعة، وبهذه الطريقة تتمكن أبوظبي من تأمين طرق التجارة عبر ميناء عدن إلى بقية دول العالم، واستغلال الموارد الطبيعية في اليمن.
وفي سبيل ذلك، دعمت الإمارات بفعالية أنشطة الحركة الانفصالية الجنوبية "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وعلى مدار السنوات الماضية سلحت ودربت ما يصل إلى 90 ألف مقاتل في الجنوب والغرب.
يبدو واضحا إذن أن السعودية والإمارات لم تعدا في ملعب واحد أو تدعما الفريق ذاته، وأن الإمارات قررت متابعة مصالحها وترك مواجهة الحوثيين باعتبارها شأنا سعوديا لم تعد أبوظبي مهتمة به.
ولذلك فان هناك غضبا مكتوما داخل أروقة الديوان الملكي السعودي بحسب ما كشف مقربون في الرياض، حيث ترى قيادة المملكة أن ما يحصل يصب في مصلحة إيران والحوثيين.
فالدخول في معارك في الجنوب يساعد الحوثيين على تحقيق اختراقات هناك، كما أنه يجعل الشمال يبدو أكثر هدوءا بمنأى عن محاولات تخليصه من سيطرة الحوثي.
ومن المفارقة، أن المجلس الانتقالي، الذي يقاتل الشرعية في مناطق مثل أبين، لم يقاتل الحوثيين الذين يتواجدون في نفس المناطق تقريبا، ما قد يعني أن خطة الإماراتيين تقضي بتقسيم اليمن إلى يمنين، واحد جنوبي إماراتي والثاني شمالي إيراني، وبذلك تخرج السعودية خالية الوفاض.
ولذا لم تعد جهات داخل السعودية تستبعد أن تكون الإمارات وإيران قد توصلتا إلى اتفاق لمراعاة مصالح بعضهما البعض في اليمن، باعتبار أنها مصالح متكاملة وليست متعارضة.
فبينما يتمركز الحوثيون المدعومون من إيران اليوم شمال مدينة الحديدة مع الاحتفاظ بالسيطرة على العاصمة صنعاء، تتركز مصالح الإمارات في الجنوب.
لكن الغضب السعودي الكبير ما زال مكتوما، وحتى التعبيرات التي حاولت كشف مرارة الرياض تجاه خيانة أبوظبي لا تمثل حتى الآن سوى رد فعل في الفضاء الافتراضي، ولا يتوقع أن تتحول إلى انفصال كامل في الأجندتين السعودية والاماراتية التي تلتقي في ملفات إقليمية وثنائية أخرى.
ومن المرجح أن ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" يدرك حقيقة مأزق السعودية، التي تقف حاليا في مواجهة مع إيران دون تحالف إقليمي من أي نوع باستثناء علاقتها مع الإمارات.
فالسعودية تحاصر قطر، وتبتعد حثيثا عن تركيا، وليس من الوارد أن تكون مصر حليفا لها في مواجهة من أي نوع مع إيران، فضلا عن تحفظ القاهرة المعروف عن استمرار حرب اليمن.
ومن ثم يراهن "بن زايد" على أن "بن سلمان" سيكون عليه أن يتجرع كأس العلقم ويبتلع الإهانة الكبيرة في عدن كي يحافظ على تحالفهما باعتباره أفضل المتاح حاليا.
قد تبدو حسابات "بن زايد" منطقية لأول وهلة؛ لكن تطور الأحداث لاحقا وطرد قوات المجلس الانتقالي وهزيمتها في أبين يضع شكوكا حول قدرتها على استكمال مهمتها التي رسمتها أبوظبي.
ورغم احتمال عدم تخلي قوات الانفصاليين عن سيطرتها على عدن، ورغبة السعودية حتى الآن في عدم الاصطدام بالإمارات، إلا أن النتيجة بعيدة المدى، والتي لم يقدرها "بن زايد"، هي خسارته ثقة "بن سلمان" للمرة الأولى، وربما إلى الأبد.
ارسال التعليق