المعتقل علي عويشير 823 يوماً بين عذابات الزنازين السعودية دون محاكمة
تُمعن سلطات آل سعود في احتراف أبشع التعذيب والتنكيل بحق نشطاء الحراك الشعبي “القطيف والإحساء” الرازحين في زنازين سجون المباحث السعودية سيئة الصيت والمنتشرة في مدن الرياض وجدة والدمام.. وتنتهج أجهزة الأمن والاستخبارات السعودية اضطهاد وقمع كل صوت مطلبي بمعزل عن مستوى ونوع مطالبه السياسية والحقوقية والمدنية, في سعي لاغتيال هوية الإنسان الحر الكريم.
في عمق السجون وسط عتمة ظلام الزنازين تستفرد جنود وعناصر مباحث السلطات السعودية بالسجناء من الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد والشباب والشيوخ وحتى النساء, لتستعرض مختلف أدواتها في التعذيب على تلك الأجساد الطرية إمعانا في التشفي وتفريغ الأحقاد واستهدافاً لكسر صمود وإرادة أهالي المنطقة المتمسكين بحقهم في حياة الكرامة والعزة والمشاركة السياسية التي تضمن لهم كامل الحق في التمتع بثروات بلدهم.
سياسة الترهيب السعودية الممتدة طوال 9 عقود من الزمن والتي بلغت مداها في تصفية المعتقلين تحت سياط التعذيب كما حدث للشهداء في الستينيات والسبعينيات ثم الثمانينيات وصولاً للتسعينيات من القرن الماضي وحتى يومنا من القرن الواحد والعشرين هدفت دائماً لإخضاع المنطقة وكسر شوكة المعارضين للنظام السعودية واستفراده بحكم المنطقة والتلاعب بثرواتها، لكن إرادة الشعب في القطيف والأحساء أثبتت أنها أقوى وأكبر من أن تنال منها سياسات الترهيب والبطش ووسائل التعذيب والقتل سواء في الشوارع أو تحت حدّ السيف أو في أقبية السجون.
منذ اتقدت شرارة انتفاضة الكرامة في القطيف والأحساء مطلع فبراير العام 2011 زجّ النظام السعودي بنحو 1700 في سجونه من الشباب والكهول ورجال الدين والنخب الثقافية والسياسية والأكاديمية دون تمييز بين الذكور والإناث, ليحرمهم جميعاً من أبسط حقوقهم الانسانية ويعطل مسار حياتهم الطبيعية في العيش والدراسة والعمل, وصولاً إلى رسم مستقبل قاتم تحت حدّ سياط التعذيب وأحكام القضاء الطائفي المسيّس وسيوف الإعدام المُسلّطة على الرقاب! وفيما يرزح المئات من أبناء المنطقة داخل أقبية المعتقلات السعودية، تُخفي السراديب المظلمة حكايات دامية وقصص مؤلمة وصور معاناة ترويها أجساد المعتقلين المثخنة بجراح السياط وعظامهم المهشّمة بالركلات وصدمات الجدران وضربات “الكرابيج” انتقاماً من إنتمائهم لمنطقة ظلًت عصية على الإخضاع والإذلال فقرر آل سعود معاقبة أهلها كلهم دون استثناء.
علي عويشير أسير عند مباحث الدمام من خلف القضبان الحديدية الصدئة، ومن قعر الزنازين المعتمة، تخرج آهات المعتقلين المنسيين إلا من أهاليهم وذويهم وضمائر الأحرار ورفاق مسيرتهم الجهادية في الكفاح ضد الظلم والاستبداد، الذين يصرون جميعاً على أحقية خروج المعتقلين لعدم إقترافهم ذنباً أوجرماً يستحق تغييبهم في السجون ولو يوماً واحداً. غير أن السلطات السعودية تأبى التوقف عن إجرامها بحقهم، ولعل ما تكشفه المعلومات المسرّبة من مصدر مطلع على أحوال المعتقلين، فضّل عدم الكشف عن هويته تحسباً لأوضاع الأمنية داخل البلاد وخشيته من الملاحقة والاعتقال..
تكشف المعلومات الموثقة أن ما يعانيه الشاب علي أحمد عبد الله عويشير، الذي اعتقل أمام مرأى زوجته وأطفاله، من على أرض “مطار الملك فهد الدولي”، يوم 11 سبتمبر 2015م، من دون مذكرة اعتقال، أو توجيه اتهامات محددة، ومنذ ذلك اليوم بدأت معاناة عويشير المستمرة حتى اليوم.
المعتقل عويشير، إبن القطيف الذي كان يسكن في مدينة سيهات، ويعمل موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية، إختارت السلطات اقتياده أمام أنظار عائلته دونما احترام أو التفات لما تسببه من انعكاسات نفسية سلبية على الأطفال بسبب ترويعهم جرّاء إنتزاع والدهم من بينهم وتكبيله بالقيود أمام أنظارهم وعدم السماح لهم أو لزوجته بوداعه, إذ ظلّوا في حيرة وأعينهم تتابع والدهم يحتوشه العساكر ويقودونه إلى المجهول! احتجزت الفرقة الأمنية التابعة للمطار “علي عويشير” لأكثر من ست ساعات في غرفة داخل المطار، قبل أن تحضر سيارتان تابعتان للمباحث، إحداهما تمويهها على هيئة سيارة إسعاف، لإخفاء حقيقتها كونها سجن متنقل تحوي زنزانة وكلب بوليسي، وتم إقتياد عويشير مكبّلاً بالسلاسل الحديدية، من غرفة الإحتجاز بالمطار إلى سيارة السجن، ويؤكد المصدر، إلى أن العناصر الأمنية عمدت إلى وضعه في غرفة إنفرادية صغيرة، قاسية البرودة لا تدخلها الشمس، يوجد بداخلها دورة مياه مفتوحة دون باب، ويفصلها عن الغرفة حاجز صغير من الأسفل مثل (الكونتر).
أن الشاب عويشير لم يكن مطلوباً قبل اعتقاله، وأن أسرته التي فوجئت باقتياده إلى السجن ظلّت تجهل أسباب ومبررات ما تعرض له.
يواصل المصدر روايته: تم اقتياد عويشير من غرفة الاحتجاز في المطار إلى سجن المباحث بالدمام حيث عانى هناك أشد العذابات النفسية والجسدية طوال مرحلة التحقيق بدءاً من الإهانات اللفظية وانتهاء بالتهديد بقتله، فقط لمشاركته في تظاهرات الحراك السلمي المطلبي الذي خرج في القطيف والإحساء عام 2011 وحتى الأعوام الخمسة اللاحقة، بالتزامن مع ما عُرف بالربيع العربي وإنطلاق ثورة 14 فبراير في البحرين، إذا تعتبر السلطات السعودية أن التظاهر جريمة تخل بالأمن وتستحق العقاب!. حرق بالسجائر حتّى الموت يقول المصدر إن عويشير تعرض خلال مراحل التحقيق إلى الإهانات الحاطة بالكرامة الصادرة عن المحققين والعناصر الأمنية، بإلقاء الألفاظ النابية والتوصيف بمماثلة الحيوانات والشتائم لأسرته وعقيدته ومقدساته الدينية، وينقل المصدر أن المحققين كانوا يهددون عويشير بالقتل والحرق والتنكيل في حال لم يُقرّ بالإعترافات التي يطلبونها المحققون، وينقل حرفية التهديد المُوجه للمعتقل: “إذا لم تعترف سنحرقك بالدخان للموت، وسنعذبك للموت”،
ويضيف: أن التهديد لم يتوقف عند حدود غرف التعذيب، فكانت الأساليب اللاأخلاقية مستمرّة، ووصلت إلى حدّ تهديده بإحضار أطفاله وجلده أمام أعينهم، في حال لم يُقرّ ويعترف بالتهم الموجهة إليه. وأمام صمود وعصامية المعتقل عويشير الذي قاسى أهوال العذاب النفسي والجسدي راح عناصر المباحث يمعنون في ممارسة الضغوط النفسية عليه، مؤكدين له أنه في حال موته تحت التعذيب، فأنهم سيخطون تقريراً يثبت أن موته كان نتيجة أزمة قلبية، بحسب ما يؤكد المصدر! وتكشف المعلومات الواردة أن عويشير خلال التحقيق وطوال 100 يوم من الحبس الانفرادي كان يتم إيقافه مكبّل اليدين بالحديد الثقيل لساعات طويلة، تحرمه من الوعي وتدفع بجسده المنهك بالجراح والإصابات الدامية إلى الغيبوبة والإغماء، فيما كانت فرقاً متنوعة من السجانين تتولى اختيار أساليب تعذيبه ضرباً وركلاً وصفعاً على الوجه والأماكن الحساسة ومختلف أنحاء جسده.
أستمر تعذيب عويشير على مدى أيام التحقيق، حتّى أنهكت السياط جسده ودفعته نحو التوقيع على الإعترافات الملفّقة، والتي كان بينها الإقرار بحمل السلاح والالتقاء بأشخاص مطلوبين لدى النظام “السعودي” وهو لا يعرفهم. وبعد تحصيل التوقيع، على اتهامات فضفاضة، تم وضعه في غرفة محصّنة بالكاميرات، يقول المصدر، وطُلب من المعتقل أن يقرأ الاتهامات بصوتٍ عالٍ، وبعد ذلك تم نقله إلى عنابر السجن الجماعية. ورغم ذلك لم يُغلق ملف التحقيق مع المعتقل عويشير إذ استمر السجانون بجره إلى غرف التحقيق بين الحين والآخر، استكمالاً للعروض والتهديدات، حيث كانت تُعرض عليه صور وأسماء بعض الأشخاص، ومطالبة عويشير بتوقيع اعترافات وتهم باطلة ضدهم، ومع إصرار عويشير على رفض الاستجابة لجأت السلطات إلى سياسة الترهيب مجدداً والابتزاز الذي لم يغير مواقف عويشير وصموده.
ويشير المصدر، إلى أن عويشير حُرم من التواصل مع عائلته، كما أن السلطات لم تبلغهم بمكان إعتقاله إلا بعد 8 أيام عبر اتصال هاتفي، فيما لم يُفتح الباب لزيارته طيلة سجنه الإنفرادي الذي أستمر لـ100 يوم. ولا زال عويشير يرزح في ظلمات السجون السعودية، دون أن يُعرض على المحكمة حتى اليوم، ولم يتم تعيين محام له، لتضرب السلطات السعودية بعرض الحائط كافة المواثيق والمبادئ الحقوقية متنكرة لكل المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها.
ارسال التعليق