النظام السعودي لا يتغيّر… الطبع يغلب التطبّع
بقلم: حسن الطاهر...لا يمكن الرهان على حكمة قد تكون موجودة في تصرفات محمد ابن سلمان، كما أنه لا يمكن توقّع شيئاً من الإنسانية من آل سعود. على الرغم من كل الحملة الضخمة التي يديرونها للقول إن النظام السعودي يتغيّر، أثبت آل سعود أن الإجرام والغدر من أهم محدّدات السياسة الداخلية والخارجية لحكمهم.
بالتزامن مع حملة “الانفتاح” المزعزم التي يتبناها النظام السعودي، لا ينفك يُعمل سيفه في رقاب أهالي القطيف، ويحصد رؤوس شبابهم ظلماً وعدوانا، لا لجرم ارتكبوه، سوى أنهم وُجدوا تحت حكم نظام أدمن القتل وسفك الدماء لإشباع غريزة البقاء والاستمرار لديه.
سريعاً، أثبت محمد ان سلمان لكل الذين تفاءلوا بانفتاحه على ايران وسوريا، ولعبه لعبة “السلام” الزائف في اليمن، أنه يناور، وأن الأهداف التي يعمل عليه نظامه لازالت ثابتة لم تتغيّر، إنما تغيّرت الأدوات والطرائق والأساليب. إلا أنه حتى هذه الأسليب لم تتغيّر تجاه أبناء الجزيرة العربية، الذين يتم قتلهم يومياً من أدنى وجه حق. المتغيّر الوحيد هنا، هو أن النظام السعودي استبدل اتهاماته لشباب القطيف بالعمالة لإيران وحزب الله اللبناني، باتهامهم بالعمالة لجهة خارجية، دون أن يسميها، فهو يريد بذلك أن يحفظ خيط المصالح الذي يحاول مدّه منذ رعاية بكين اتفاق مصالح بينه وبين طهران.
اليوم، بقدر حاجة إبن سلمان لممارسة بطشه بهدوء ودون ضجيج وبعيداً عن المحاسبة، بقدر ما يحتاج أهالي القطيف إلى الأحتضان الحماية، وعدم تركهم عرضة لاستفراد النظام السعودي بهم. الحماية تكون بفرض معادلة سياسية تجبر آل سعود على احترام حياة أبناء الجزيرة العربية، ولا تستخدمهم كرسائل واختبارات لمدى فعالية التقارب مع إيران، على سبيل المثال.
على أي حال، يثبت محمد ابن سلمان تمسكه بعادات أجداده وتقاليدهم، والحفاظ على تراثهم المليء بالمجازر والدم، وهذا سبب كافٍ لكل الساعين إلى ربط النزاع معه في الإقليم والمنطقة، من أجل أن يضعوا في حسبانهم كون أي تهدئة أو تقارب مع إبن سلمان، إنما هي تهدئة وتقارب مؤقت، محكوم بظروف قد تغيّر. وعليه، تبقى القاعدة الأساس بسلوك إبن سلمان هي انه لأزال يشتغل في المشروع الأميركي ذاته، أهدافه ذاتها ومراميه ذاتها، لكن بأسلوب وأدوات مختلفة، ربطاً بالتطورات والظروف الحاكمة.
حكايات الحقد والكراهية:
لا يرتبط الحديث أعلاه بجريمة إعدام 4 شباب من أهالي القطيف في غضون 24 ساعة، لكن جميع المؤشرات والدلائل تشير إلى ان إبن سلمان غير قابل لأن يتغيّر أو يتحضّر أو ينفتح، حتى ولو حوّل أرض الجزيرة العربية لمرقص كبير، وهواءها إلى مرتع لطائرات بني صهيون.
وقد أشارت العديد من التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية، الآتي:
– تضاعف معدل عمليات الإعدام التي ينفذها النظام السعودي تقريبا منذ أن تولى الملك سلمان سدة الحكم في عام 2015، وعين ابنه محمد بن سلمان في مناصب بارزة.
– استُخدمت عقوبة الإعدام بشكل دوري لإسكات المعارضين والمتظاهرين، الأمر الذي يخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينص على وجوب استخدامها فقط في الجرائم الأكثر خطورة.
– أُعدم عدد من الأشخاص اعتُقلوا في البداية عندما كانوا صبية منذ عام 2015، على الرغم من مزاعم النظام السعودي المتكررة بأنه يحد من استخدام عقوبة الإعدام ضد القاصرين.
– عمليات التعذيب منتشرة في سجون النظام السعودي، حتى بالنسبة للصبية والقصّر المعتقلين.
الإدمان على القتل أدى إلى أن يستخدم النظام السعودي “بشكل غير متناسب” عقوبة الإعدام ضد رعايا أجانب، بمن فيهم عاملات المنازل ومتهمون في قضايا صغيرة.
أيضاً، في معظم حالات الإعدام لا يبلغ النظام السعودي أهل الشهيد عن كيفية إعدامهم، إنها يشكل مأساة للعائلات التي لا تعرف أساساً إذا كان أبناؤها قد دُفنوا بطريقة لائقة أو أُلقي بهم في الصحراء أو في البحر.
التهم جاهزة ومعلّبة، من مثل محاولة قتل أفراد أمن، واغتصاب، وسرقة، وصنع قنابل، وإثارة الفتنة، ونشر الفوضى والاتجار بالسلاح والمخدرات، من دون تقديم أي دليل، ودون تالافساح في المجال أمام المعتقل بالدفاع عن نفسه بالطرق القانونية المتبعة.
كل ذلك على الرغم من أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي لنظام آل سعود، كان قد وعد بعد توليه السلطة بتحديث المملكة، وقال في مقابلة أجريت معه عام 2018 إن بلاده، الحليف الرئيسي للغرب، تسعى إلى “الحد” من اللجوء إلى عقوبة الإعدام.
نظام سري للإعدام:
بيد أن المملكة بعد ما يقرب من ست سنوات، لا تزال واحدة من أكثر دول العالم تنفيذاً لعقوبة الإعدام، على الرغم من فترة هدوء تزامنت مع رئاسة البلاد لمجموعة العشرين وبدء جائحة كوفيد 19.
فعل محمد ابن سلمان عكس ما وعد به تماما، بل أشرف على عدد كبير من عمليات الإعدام والقمع الوحشي للأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في الجزيرة العربية.
تتحدث منظمات حقوقية أجنبية عن وجود نظام من السرّية يحيط بعقوبة الإعدام وفي كثير من الحالات لم يكن يعلم أحد أن المحتجزين على قائمة انتظار تنفيذ الإعدام، ولم تعرف عائلاتهم شيئا.
وهناك أشخاص اعتُقلوا، وحوكموا، وحُكم عليهم بالإعدام، ثم أُعدموا سراً. حتى إن بعض العائلات اكتشفت فقط من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إعدام ذويهم، وهذا أحد أكثر الجوانب قسوة وإزعاجاً في كل حالة.
تدويل الضغوطات:
الدعوة إلى ممارسة جميع الضغوط على النظام من أجل حمله على وقف تنفيذ أحكام إعدام جديدة وإجراء محاكمات عادلة للمعتقلين، يجب أن تترافق مع دعوى النظام السعودي إلى إصلاح نظامه القضائي.
فالانتهاكات الحقوقية للنظام القضائي السعودي رفعت أعداد المحكوم عليهم بالإعدام، التي صدرت بناء على اعترافات انتزعت تحت التعذيب.
لذا، يجب إجراء إصلاح حقيقي النظام القضائي السعودي، وفتح تحقيق دولي في حالات الإعدام التي نُفذت حتى الآن. وعليه، فإن العمل على تدويل المطالبة بمحاكمة النظام السعودي على جرائم القتل التي يرتكبها بحق أهالي القطيف، يجب أن يتصدر جدول أعمال الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية والدول والحكومات والأحزاب.
ويوظف النظام السعودي عقوبة الإعدام كسلاح سياسي لإسكات أصوات المعارضة.
وفي هذا السياق تحديداً يمكن وضع وجبى الإعدامات الأخيرة، إذ إن محمد ابن سلمان يستخدم الإعدامات الوحشية ضمن عملية الاضطهاد المستمر لقوى المعارضة وأصحاب الرأي، ويوظَّف عقوبة الإعدام كسلاح سياسي لمعاقبتهم على الاحتجاج ضد طريقة معاملتهم، وتخويف الآخرين وإسكاتهم.
وبحسب العديد من المنظمات الحقوقية، فإن عقوبة الإعدام وما زالت تستخدم من قبل النظام السعودي على نحو ينتهك القانون والمعايير الدوليين لحقوق الإنسان على نطاق هائل، وغالباً عقب محاكمات بالغة الجور، وأحياناً بدوافع سياسية.
ولا يبدي النظام السعودي أي علامات على أنه سوف يخفف من المبالغة في استعماله لعقوبة الإعدام، وقد دأب على توظيفها بحماسة شديدة منذ التوقف المؤقت التقليدي عن تنفيذ العقوبة في شهر رمضان، والسعودية إليها.
ارسال التعليق